مقالات

طه حسين وحرية الصحافة العربية

يحتفل المجتمع الدولي في الثالث من مايو من كل عام ب ” اليوم العالمي لحرية الصحافة” الذي أقرته منظمة اليونسكو،ومع أنه في عصر طه حسين لم يكن مثل هذا اليوم الدولي، وغيره من التشريعات الدولية والأتفاقيات ذات الصلة بحرية الصحافة بهذه الوفرة، إلا أن حال حرية الصحافة في دول العالم خلال النصف الأول من القرن العشرين لم يكن بالسوء الشديد الذي بتنا عليه اليوم، فمع أن طه حسين تعرضت مقالاته لسيف الرقابة حينذاك،على نحو ما جرى لمجموعته القصصية “المعذبون في الأرض” التي نشرها في مجلته ” الكاتب المصري”، ومع أنه لم يسمح له بعدئذ بإعادة إصدارها في كتاب بعد إغلاق المجلة، فإنه يُحسب للنظام الملكي أنه تقبّل على الأقل -وإن على مضض- تعيينه وزيراً للمعارف( التربية والتعليم) في ظل نظام التعددية الحزبية السائد أياً تكن المآخذ عليه، في حين لم يخفِ طه حسين تبرمه من فصله من صحيفة “الجمهورية” منتصف الستينيات إبان العهد الناصري.كما تمكن حسين خلال العهد الملكي من التعبير عن سخطه من الرقابة على الصحف،وهذا ما أقرته المؤلفات التي صدرت لباحثين وكتّاب مصريين بعدئذ في العهد الجمهوري، ففي مخطوط غير منشور عُثر عليه بين أوراقه بعد رحيله تحت عنوان” محنة الأدب”نعى فيه حرية الصحافة من خلال خطاب وجهه للرقيب العام، ومما جاء فيه: ” أشكر لحضرة معالي الرقيب العام عنايته بما كتبت ورده عليه وسؤاله عما يمكن الرقابة قد مسته من الفصول والبحوث الأدبية ليشاركني في الحزن على الحرية، وليرحم أيامها كما رحمتها، فأحسب أن يتفضل الرقيب العام فيوافقني أن الرقابة مكروهة مهما يكن الموضوع الذي تراقبه، وكل كاتب له الحق في أن يقول ما يريد في حدود القانون وحده، ولن يكون الأدب حراً، إلا إذا كان القلم حراً في كل ما يطرحه من الموضوعات…”. لكن هذه الورقة التي نشر نصها د. إبراهيم عبد العزيز في كتابه ” د. طه حسين الديمقراطية”الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، طبعة 2013، ص 28 بدت خالية من التاريخ! وينقل عنه صهره وزير الخارجية الأسبق محمد حسن الزيات في عهد الرئيس أنور السادات في كتابه “ما بعد الأيام” أستيائه الشديد من الرقابة التي استمرت خمسة عشر عاماً قبل الثورة : ” … إن الحرية هي قوام الحياة الأدبية الخصبة … إذا ذهبت أجدب الأدب وعقم الفكر.” (ص 192 من طبعة مؤسسة هنداوي ، 2018 ). وعلى هذا النحو عبّر عن غضبه من الأحكام العرفية التي فُرضت خلال الحرب العالمية الثانية والتي استتبعت على حد تعبيره” أن تُفرض الرقابة على الألسنة والأقلام” ( طه حسين ، بين بين، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2014، ص 78).وثمة كتابات ومقالات عديدة له بهذا المعنى في صحف شتى خلال العهد الملكي سُمح له بنشرها وأبدى فيها بصورة أو بأُخرى انتقاده للرقابة، ليس هنا مجال الخوض فيها تفصيلاً.
على أن طه حسين مثلما كان فارساً منافحاً عن حرية الصحافة والصحفيين، فقد كان مدافعاً أيضاً عن حقوق الصحفيين، ومن ذلك مقته لتقييم الكاتب الصحفى الشاب الواعد الذي يعمل بانتظام داخل مؤسسته الصحفية من خلال المعايير البيروقراطية الضيقة للإنتاج أو ومنطق المكسب والخسارة .وفي هذا الشأن يروي السيد أبو النجا في المقدمة التي كتبها لكتاب الأستاذ سامي الكيالي “مع طه حسين، أنه عندما كان مديراً لجريدة “المصري” كان ثمة محرر شاب من خريجي كلية الآداب من طلبة طه حسين يعمل معه ولطالما تأخر في تقديم مواده، وبعد أن أنذره غير مرة قام بفصله من العمل، فعاتبه حسين على ذلك منبهاً إياه أن الكاتب يكتب حين يستوحي لا حين تريد أنت كمدير إداري تحضر وتنصرف في مواعيد محددة، و مؤكداً له : ” إن حرية الكاتب لا يمكن تقييدها بقيود”. وللأسف فإن هذا الأسلوب في تقييم المحرر أو الكاتب الصحفي ما زال شائعاً في الكثير من مؤسساتنا الصحفية والإعلامية العرببة،ما ما يعرّضه لمثل الحال التي تحدث عنها أبو النجا والتي تنتهي بالفصل، سواء لأسباب تعسفية أو بدوافع كيدية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!