بابا هرتصل يبعث بقُُبلات رقيقة لابنته
حسيب شحادة
بابا هرتصل يبعث بقُُبلات رقيقة لابنته
ترجمة حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
رحلة في أعقاب بِطاقات بريدية مقتضبة وحلوة، أرسلها لابنته الصغيرة في طريقه لفلسطين.
في الثاني عشر من تشرين أوّل عام ١٨٩٨ بدأ متنبِّىء الدولة، بنيامين زئيڤ هرتصل، رحلتَه إلى فلسطين بغيةَ دفع حُلمه إلى الأمام: دولة يهودية للشعب اليهودي. طَوال الرحلة وخلال تواجده في فلسطين، حافظ هرتصل على التواصل مع أفراد أُسرته وأرسل لهم الكثير من البطاقات والرسائل. سلسلة نادرة وخاصّة من البطاقات محفوظة لدينا في المكتبة. بطاقات قصيرة من محطّات الرحلة لابنته پاولينا، ابنة الثمانية أعوام. النصّ قصير جدًّا، في كلّ بطاقة جملة أوِ اثنتان بخطّ يد هرتصل، ومع هذا فهي تُلقي الضوء على الحبّ العظيم الذي يَكِنُّه هرتصل لابنته وعلى النيّة في حتلنتها بأنّ كلّ شيء يسير كما يُرام.
البطاقة الأولى في هذه السلسلة أُرسلت من اسطنبول وتاريخها ١٥ تشرين أوّل ١٨٩٨ وهي لپاولينا ابنته: ”قبلات رقيقة لابنتي المدلّلة پاولينا من أبيها المخلص“ (في الأصل بالألمانية ونقل للعبرية هنا ولاحقًا). وفي اليوم ذاته كتب هرتصل في يوميّاته: ” بحثتُ مع بودِنهايمر (عضو في الوفد الذي رافق هرتصل) في المطالبات التي علينا عرضها. حدّ المنطقة: من جدول مصر وحتّى نهر الفرات. اشتراط فترة انتقالية مع مؤسّسات ذاتية. حاكم يهودي في المرحلة الانتقالية. عند بلوغ السكّان اليهود في منطقة معيّنة ثلثي كافّة المواطنين تصبح الإدارة السياسية بيد اليهود“.
بعد ذلك بخمسة أيّام، أي في العشرين من تشرين أوّل، كتب هرتصل من مدينة سميرنا، أي إزمير ذات الميناء، لابنته: ”قبلات رقيقة جمّة أُرسلها من آسيا الصغرى لابنتي الطيّبة پاولينا، من أبيها المخلص“.
وفي اليوم التالي وصل هرتصل أثينا وكتب:
”قبلات رقيقة من اليونان لابنتي المدلّلة پاولينا من أبيها المخلص“.
استمرّت الرحلة، وفي التاسع والعشرين من تشرين أوّل بلغت رحلة هرتصل أوجَها: لقاء قيصر ألمانيا ڤيلهلم الثاني في مِكْڤيه يسرائيل (اسم أوّل مدرسة زراعية أُقيمت في فلسطين عام ١٨٧٠ شرقي يافا، ومعنى الاسم: مجمّع مياه إس*رائي*ل، مكْڤيه تعني في الشريعة اليهودية بِرْكة تستخدم للغطس والتطهير من النجاسة). كان هرتصل يأمل بأن يساعده القيصر في الحصول على صكّ خاصّ من السلطان التركي لإقامة دولة يهودية. كان من المفروض أن يلتقط أحد أعضاء الوفد صورةً تذكارية لهذه اللحظة التاريخية، إلّا أنّ أمل متنبىء الدولة خاب، فالمصوّر الهاوي قد ضيّع لحظة الأوج.
وفي اليوم التالي كتب هرتصل مجدّدًا لپاولينا بطاقة أرّخت زيارة القيصر للقدس:
”لپاولينا مليحتي قبلات رقيقة يبعثها أبوك المخلص من القدس“.
وفي اليوم التالي أرسل هرتصل بطاقة أخرى، تحمل صورة لمدينة الخليل وقد كتب فيها:
”قبلات من أبيك المخلّص“.
”إن أذكُرَك مستقبلًا يا قدس فلن أذكرك بهناءة“، هكذا كتب هرتصل في يوميّاته في الواحد والثلاثين من شهر تشرين أوّل ”رواسب متعفّنة منذ آلاف السنين القاسية، عدم التسامح والتلوّث تعشّش في الشوارع المنْتنة. إذا تلقّينا القدس ذاتَ يوم، وإذا كان بمقدوري القيام بشيء ما، فإنّي سأنظفّها بادىء ذي بدء. سأُزيل كلّ شيء غير مقدّس، سأقيم مساكنَ للعمّال خارجَ المدينة، سأُفرغ أعشاش التلوّث، سأهدمها، سأحرق الخرائب غير المقدّسة وسأنقل الأسواق لمكان آخر. وبالمحافظة قدر الإمكان على طراز البناء القديم، سأقيم حولَ الأماكن المقدّسة مدينةً جديدة، مريحة، ذات تهوية جيّدة وناجعة “.
للاطلاع على الأصل بالعبرية والألمانية يرجى البحث في غوغل: פאפא הרצל שולח נשיקות עדינות לבתו.
https://blog.nli.org.il/paulina-herzl/