الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ الْأَوَّل ومعاهد لوزون فِي تَارِيخِ الْعِرَاق
مجاهد منعثر مُنْشِد
الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ الْأَوَّل ومعاهد لوزون فِي تَارِيخِ الْعِرَاق
بِقَلَم /مجاهد منعثر مُنْشِد
فِي الْبِدَايَةِ أَوَدّ أَنْ أَذْكُرَ كَلِمَةً طَيِّبَةً إلَى الْأُسْتَاذِ الدكتور كَامِل سَلْمَان الجبوري , وَهِيَ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى كِتَابِنَا (المختار الثَّقَفِيّ صَاحِب مَبْدَأ وعقيدة ) وَهَذَا نَصُّهَا : ـ . (لم يَكُن الْوُلُوج إلَى الْكِتَابَة والتخصص فِي التَّارِيخِ مِنْ الْأُمُورِ السَّهْلَة , كَمَا يُتَصَوَّرُ الْبَعْض , سَرْد حَوَادِث , وَتَرَاجِم شَخصِيَّات , أَوْ رِوَايَةٍ إحْدَاث . .
الْوَاقِع يُخَالِفُ هَذَا , فَهُو مَسْؤُولِيَّة كُبْرَى , لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَضَ بِعَيْنِهَا إلَّا مِنْ أُوتِيَ الطَّبْعِ السَّلِيمِ , وَالْفِكْر الموضوعي الَّذِي لَا يَتَأَثَّرُ بِالِاعْتِبَارَات الاجْتِمَاعِيَّة مِن مُجَامَلَة وَعَاطِفَة وخجل , فَإِذَا ماوجد الْمُتَصَدِّي فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الْقُوَى النَّفْسِيَّة وَالْعَقْلِيَّة اسْتَطَاعَ أَنْ يُوصَلَ إلَى الأَجْيَالُ القَادِمَةُ الْحَقَائِق وَالصُّوَرِ الَّتِي تحتفظ بِالْوَاقِع , كَمَا تَحْرِصْ عَلَى نَقْلِ الْوَقَائِع كَامِلَة وَصَرِيحَه ) .
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ عَمِيقَةٌ فِي مَعْنَاهَا خُصُوصًا فِيمَا يَخُصُّ تَارِيخ الْعِرَاق , فَمَن المؤسف عِنْدَمَا ندرس مَصَادِر التَّارِيخ الْمُتَعَلِّقَة بحقبة زمنية مِنْ تَارِيخِ الْعِرَاق فَإِنَّنَا لانجد تَطَرَّق لِذِكْر حَوَادِث مُهِمَّةٌ مُمْكِنٌ أَنْ تَنْفَع أَو ترتبط بتاريخنا الْمَعَاصِر .
وَمَن خِلَال دراستنا للمعاهدة يَتَبَيَّن بِأَن تَشْكِيل الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ الْعِرَاقِيّ (مجلس النُّوَّاب الْعِرَاقِيّ ) مِنْ أَجْلِ مُعَاهَدَة لوزون .
وَبِمَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَت مُهِمَّةٌ فِي تَارِيخِ الْعِرَاق , فَمَن خِلَالِهَا يَتِمّ مَعْرِفَة الشَّخْصِيَّات الوَطَنِيَّة الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ لِصَالِح الْعِرَاقِ مِنْ الَّذِينَ لاعلاقة لَهُمْ مَعَ الاحْتِلاَل البْريطانِيّ , وَإِنَّمَا بِسَبَب دُورِهِم الوَطَنِيّ وَصَلُوا إلَى الْمَجْلِسِ النيابي . .
وَفِي هَذَا الْمَوْضُوعُ حَقِيقَة وَاقِعِيَّةٌ بِالنِّسْبَة لِمَعْرِفَة زُعَمَاء الْقَبَائِل الْعُمُومِ فِي الْعِرَاقِ , فَمَنْ وَرَدَ اسْمَهُ مِنْ ضَمِنَ النُّوَّاب عَن الْعَشَائِر الْعِرَاقِيّة , فَهَذَا يَعْنِي بِأَنَّه شَيْخِ مَشَايِخِ الْقَبِيلَة الْعَامّ كَوْن اخْتِيَارُهُ مِنْ قِبَلِ الْحُكُومَة الْعِرَاقِيّة أَو الاحْتِلاَل الْإِنْكِلِيزِيّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسِ كَسَب الْقَبِيلَة عَنْ طَرِيقِ شيخها الْعَامّ , وَأَيْضًا اخْتِيَارَهُم كَغِطَاء إِعْلامِي إمَام الرَّأْيِ العَامِّ بِأَنْ الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ فِي الْعِرَاقِ يُضَمّ جَمِيع الْمُكَوِّنَات الْعِرَاقِيّة مِنْ كُلِّ الْأَلْوَان والاطياف .
إنْ الْكَاتِب الْإِنْكِلِيزِيّ (ميشيل ايدونيس) يَصِف لَنَا حَقِيقَة الْوَضْع الحكومي فِي الْعِرَاقِ قَائِلًا : أَنَّ مُلُوكَ الْعِرَاق وحكوماته لَا يَخْرُجُونَ عَلَى حُدُودِ السِّيَاسَة الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي تَضَعهَا لَهُم الْحُكُومَة البِريطَانِيَّة .
إذْنٍ مِنْ يَخْرُجُ عَنْ حُدُودِ السِّيَاسَة الَّتِي وَضَعْتهَا الْحُكُومَة البِريطَانِيَّة , فَإِن مَصِيرَه الزَّوَال وَالتَّصْفِيَة كَمَا حَدَّثَ لِلْمِلْك غَازِيّ الَّذِي كَانَتْ مُدَّةُ حُكْمُه (1933-1939) فَتَأَثَّر بالتطلعات الوَطَنِيَّة والقومية , وَقَد أَنْشَأ إذَاعَة خَاصَّةٌ بِهِ سُنَّةٌ 1938 وَكَان يُذِيع بِنَفْسِه الْبَيَانَات وَالتَّعْلِيقَات الَّتِي تندد بالاستعمارين البْريطانِيّ والفرنسي وهاجم الكِيانَ الصُّهْيونِيَّ فِي فِلَسْطِينَ وتوجهاته التوسعية ، فَهَذِه الْأَسْبَاب هِيَ الَّتِي دَفَعْت برِيطانِيا إلَى التَّفْكِيرِ جديا بِالتَّخَلُّص مِنْ الْمِلْكِ غَازِيّ ، فَفِي لَيْلَة 3 نَيْسَان 1939 قُتِل الْمَلِك غَازِيّ بِحَادِث اصْطِدامُ سَيَّارَةٍ وَقَد اثيرت الشُّكُوك حَوْل نُورِيٌّ السَّعِيد وَالسِّفَارَة البِريطَانِيَّةُ التِي نَفَذَت هَذِه المؤامرة .
وَعِنْدَمَا أَعْلَن نَبَا وَفَاة الْمَلِك غَازِيٍّ فِي الْيَوْمِ التَّالِي اِنْتَفَضَ الشَّعْبُ ، إذْ عَمَّتْ التظاهرات فِي بَغْدَادَ وَفِي مُدَن الْعِرَاق مستنكرة الْحَادِث وموجهة أَصَابِع الاتِّهَام إلَى برِيطانِيا وَمُطَالَبَة بِإِجْرَاء تَحْقِيق عَادِلٍ فِي ظُرُوفِ الحَادِثِ .
و كَانَت العَلاَقَات البِريطَانِيَّة بِالْمِلْك غَازِيّ قَبِيل وَفَاتِه سَيِّئَة ، فَقَدْ كُتِبَ السَّفير البْريطانِيّ فِي الْعِرَاقِ مُورِيس بترسن ( Morris Peterson ) فِي كِتَابِهِ مانصه : قَدْ أَصْبَحَ وَاضِحًا لِلْعِيَان بِأَنَّ الْمِلْكَ غَازِيّ يَجِبُ أَمَّا أَنْ يسيطر عَلَيْهِ أَوْ يَخْلَع .
هَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةُ الواقعية لِلْحُكُومَة الْعِرَاقِيّة بَعْد تَأْسِيس الْمَجْلِس النيابي الْأَحَقّ , فَكَان قَصَد الانكليز مِنْ الْمَجْلِسِ التَّأْسِيسِيُّ الْأَوَّلُ فِي الْعِرَاقِ هُوَ ضَمُّ أَصْوَات النُّوَّاب لِصَالِحِهِم كَعَامِل مُسَاعِد مَعَ الْمَلِكِ فَيَصِل الْأَوَّلِ مِنْ أَجْلِ الْمُوَافَقَةُ عَلَى مُعَاهَدَةِ لوزون , فَكَانَ هَذَا السَّبَبُ الرَّئِيسِيّ لِهَذَا الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ الْأَوَّل .
يَقُول الْكَاتِب الْإِنْكِلِيزِيّ هِنْرِي فوستر فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ تِشْرِينَ الْأَوَّلِ سَنَةَ 1922 , وَفِي إعْقَاب الْقَبُول الْمَشْرُوط للمعاهدة مِنْ قِبَلِ مَجْلِس الْوُزَرَاء , صَدَرَتْ إرَادَةٌ مِلْكِيَّة تَأْمُر بِإِنْشَاء الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ . وَعَلَى الْفَوْر أَبْلَغ وَزِير الدَّاخِلِيَّة جَمِيع موظفي الْحُكُومَة بِأَن يتخذو الْمَوْقِف الحِيَاد التَّامّ خِلَال الانْتِخَابَات القَادِمَة . ويؤشر بِتَسْجِيل النَّاخِبِين الْأَوَّلَيْن فَوْرًا .
وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِه قَرَّرَ عُلَمَاءُ الشِّيعَة بِأَن يَمْنَعُوا أَتْبَاعِهِم مِن الْمُشَارَكَات فِي الانْتِخَابَاتِ . , وَلِذَلِك اصدروا فَتْوَى بِهَذَا الْمَجَال مِن كَرْبَلاء الْمُقَدَّسَة وَالنّجُف الْأَشْرَفِ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنَ شَهْرِ تِشْرِينَ الثَّانِي , وَإِنْ كَانَ تَسْجِيل النَّاخِبِين الْأَوَّلَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَادَ أَنْ يَكْتَمِل .
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ النُّفُوذ الشِّيعِيّ فِي بَعْضِ الْأَقْسَامِ أَكْبَر بروزا , , ذَلِكَ أَنَّ إمْضَاء لجان التَّسْجِيل الحُكُومِيَّة , الَّذِين هددوا مِنْ قِبَلِ الطَّرَفَيْن , قَد استقالوا مِنْ تِلْكَ اللِّجان , أَو رفضوا أَن يصادقوا عَلَى أَسْمَاءٍ المسجلين .
وَفِي ذَاتِ الْوَقْتِ كَانَ أَهَالِي الْمِنْطَقَة الشَّمَالِيَّة يَمِيلُونَ إلَى أَنْ يَظَلُّوا بِعِيدَيْن عَن الانْتِخَابَات . وَلَكِن لِسَبَب مُخْتَلَفٌ , وَنَظَرًا لمذهبية سُكَّان الْمِنْطَقَة الشَّمَالِيَّة , سَاد هُنَاك فَرَاغ وَاسِعٌ كَان يُحِسَّ بِهِ , وَذَلِكَ نَتِيجَةُ احْتِمَالِ مَا سَوْف يَنْجُم عَن الانتصارات الْكَمَالِيَّة فِي عَوْدِهِ ضَمَّهُم لتركيا الْجَدِيدَة , وَإِن مُشَارَكَتِهِمْ فِي أَيِّ مُظْهِر مِنْ مَظَاهِر الْحُكُومَة , سَوْف يُلْحِقَ الضَّرَرَ بقضيتهم فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَادِث .
فَقَدْ كَانُوا مِثْلَ الْعَرَب , يَنْتَظِرُون إرَادَةُ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْ يُصْبِحُوا قُوَى اسيادهم . كَمَا أَنَّ الدِّعَايَة التُّرْكِيَّة الدَّائِمَة , وَعَلَى الْأَخَصِّ فِي الشِّمَالِ , كَانَت تحرض عَلَى الْأَعْمَالِ اللاقانونية دَوْمًا . كَان الْمُلْحَق الَّذِي تَمَّ التَّوْقِيع عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَهْرِ نَيْسَان 1923 , وَاَلَّذِي اِقْتَرَح تَقْليص مُدَّة الْمُعَاهَدَة مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَرْبَعٍ سَنَوَاتٍ , قَدْ أَحْدَثَ انْطِباعا مَحْمُودًا بَيْن السَّاسة فِي بَغْدَادَ وَالْمُوَصِّل . كَذَلِكَ كَانَ الْمِلْكُ وَ وزراؤه فَرِحِين بِصِفَة ظَاهِرُه , لِأَنّ أَقْرَب مُدَّةٍ قَدْ حَدَّدْت لِلْأَشْرَاف الحكومي الَّذِي تمارسه برِيطانِيا عَلَى شُؤُونِهِم .
وَجَد الْمَنْدُوب السَّامِيّ البْريطانِيّ الْجَدِيد , السَّيْر هِنْرِي دويس الطَّرِيق وَاضِحًا إمَامِه لِتَحْقِيق تَعَاوَن أَصِيلٌ بَيْن موظفي الحكومتين الْعِرَاقِيّة والبريطانية وَلَمْ يَبْقَ سِوَى إقْنَاعٌ الشَّعْب بِأَن برِيطانِيا مُسْتَعِدَّةٌ لانتهاج سِيَاسَة لَيْسَت بَعِيدَةٍ عَنْ التَّدَخُّل الْمُبَاشِر حَسَب , وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ عَلَى الدَّعْم الْفِعَال وَالصَّدَاقَة .
قَام الْمَلِك فَيَصِل بِزِيَارَة رَسْمِيَّةٌ إِلَى مِنْطَقَةٍ الْمُوَصِّل خِلَال شَهْر أيَّار سُنَّةٌ 1923 , وَذَلِك بِقَصْد تَقْرِيبٌ الشَّعْب مِنْه شَخْصِيًّا , وَمَن حُكُومَتَه , وبريطانية . وَكَانَ هَذَا الِاتِّصَالُ يُمَثِّل بِصِفَة مُمَيِّزَة , اسْتِعْدَادًا لمساهمة أَوْسَعَ فِي الانْتِخَابَاتِ .
كَانَ أَخُوهُ (زيد ) , قَدْ أَقَامَ فِي مَدِينَةٍ الْمُوَصِّل ذَاتِهَا لِبَعْض الْوَقْت , وَذَلِك بِقَصْدِ رَفْعِ الْمَعْنَوِيَّات السِّيَاسِيَّة لِلْأَسِرَّة الشريفية , بِصِفَة نَفْسِيَّةٌ , فِي تِلْكَ الْمِنْطَقَة الْمُضْطَرِبَة .
وَمَع نَشْأَة الْعِرَاق الْحَدِيث . وَفِي ظِلِّ هَذِه الْأَحْدَاث تَأَسَّس الْمَجْلِس كَمَجْلِس نُوَّاب عِرَاقِيّ .
ـ مُعَاهَدَة لوزون
هَذِه الْمُعَاهَدَة كَانَت بِتَارِيخ 24|7|1923وما حَدَثَ بَعْدَهَا مِنْ معاهدات لَمْ تُعْطِ لِلْعِرَاق اسْتِقْلَال تَامًّا , فَمِثْل مُعَاهَدَة الثَّلَاثِينَ مِنْ حُزَيْرَان عَام 1930 كَان الِاسْتِقْلَال شكليا مَنْقُوصًا مطوقا ببنود الْمُعَاهَدَة الَّتِي عُقِدَتْ بَيْن الْعِرَاق وَبَيْن الْحُكُومَة البِريطَانِيَّة , وَاَلَّتِي أَعْطَت برِيطانِيا حُقُوقا قَانُونِيَّةٌ فِي التَّدَخُّل الْمُبَاشِرُ فِي شُؤُونِ الْعِرَاق الدَّاخِلِيَّة والخارجية .
يَقُول الْكَاتِب الْإِنْكِلِيزِيّ هِنْرِي فوستر جَاء التَّوْقِيع عَلَى مُعَاهَدَةِ لوزون فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ تَمُّوز سُنَّةٌ 1923 , أَعْظَمَ نِعْمَةً بِالنِّسْبَة للشؤون الْعِرَاقِيّة , فالعلاقات فِي الدَّاخِلِ وَفِي الْخَارِجِ قَدْ بَدَا عَلَيْهَا الْآنَ بِأَنَّهَا أَخَذَت تَسِير بِسُرْعَة نَحْو النَّتَائِج النِّهَائِيَّة . ذَلِكَ أَنَّ الاتفاقات اللَّاحِقَة للمعاهدة الْعِرَاقِيّة الانكليزية , وَاَلَّتِي كَانَت مَوْضُوعٌ نَقّاش طَوِيلٌ وحاده , بَيْن الحكومتين قَدْ تَمَّ التَّوْقِيع عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الْخَامِسُ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ آذَار سُنَّةٌ 1924 , وَبِذَلِك أَصْبَحْت الْأَدَاة التَّامَّة لِلتَّحَالُف الْعِرَاقِيّ الْإِنْكِلِيزِيّ , مُهَيَّأةٌ كَي تُؤْخَذ بِنَظَر الِاعْتِبَارِ مِنْ لَدُنْ الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ .
وَبَعْد يَوْمَيْنِ مِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ (أي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ آذَار )افتتح الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ , الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ فِي بَغْدَادَ , وَهُو يَرْتَدِي اللِّبَاس الْعَرَبِيّ الْكَامِل , فَكَان صُورَة فَرِيدَة للوقار , مِمَّا آثَار التَّصْفِيق الْحَادّ . وَاَلَّذِي تَتَجَدَّد تَكْرَارًا .
وَبَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَهُ , رَاح يَذْكُرْ هَذَا الْمَجْلِسِ الْأَوَّل لممثلي أَوَّل دَوْلَة عَرَبِيَّة عَصْرِيَّة , بِأَنَّهُم سَوْف يناقشون مُعَاهَدَة التَّحَالُف الْعِرَاقِيّ الْإِنْكِلِيزِيّ والدستور الْجَدِيد , وَقَانُون الانْتِخَابَات , وَذَلِك بُغْيَة إعْدَاد بَرْلَمان لِلدَّوْلَة الْجَدِيدَة وَبَعْدَ أَنْ آكَدَ للمندوبين بِأَن الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ الْمَشُورَة , غادرهم ليمارسوا مهمتهم الْفَرِيدَة لِلْعَمَل بِالتَّوْفِيق والانسجام , بَيْن مابقي مِنْ هَذَا الشَّرْق الْقَدِيم وَإِحْدَاث النَّظْم السِّيَاسِيَّة فِي الْغَرْبِ .
امْتَدَّت مُنَاقَشَةٌ الْمُعَاهَدَة حَتَّى الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَهْرِ تَمُّوز . وَحَتَّى المساندين المتحمسين للبريطانيين مِنْ الْأَعْضَاءِ , قَد وجدو أَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ فِي الْمُعَاهَدَةِ , وَعَلَى الْأَخَصّ الِاتِّفَاق الْمَالِيّ , سَوْف يَضَع عبأً ثَقِيلًا عَلَى كَأَهْل الدَّوْلَة الْجَدِيدَة .
كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرِ مِنْ ممثلي الْعَشَائِر , الَّذِين يَجْهَلُون أَوْسَع الْمُظَاهِر لِحِرْفَة الدَّوْلَة , يتطلعون إلَى الْحُصُولِ عَلَى امتيازات خَاصَّة , مُقَابِل ولائهم لِلدَّوْلَة .
أَثَارَت طَائِفَةٌ مِنْ المحامين فِي بَغْدَادَ , الْمَزِيدَ مِنْ الاضْطِرَابَات , بحملتهم العنيدة الْحِفْيَة ضِدّ التَّصْدِيقُ عَلَى الْمُعَاهَدَة .
وَلَقَد تَطَرَّقَ الشَّكُّ إلَى أَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَال كَانُوا يَتَهَيَّأُون , فِي الْيَوْمِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ نَيْسَان , إلَى اِغْتِيالٌ اثْنَيْنِ مِنْ مندوبي الْعَشَائِر الَّذِين عَرَفُوا بتأييدهم للمعاهدة .
بَدَأ المتطرفون آثَارِه الْهَيَّاج فِي شَوَارِعِ بَغْدَاد بِقَصْد إرْهَاب الْمَنْدُوبِين وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ اللَّازِمِ اسْتِدْعَاء قِسْمٌ مِنْ أَفْرَادِ قُوَّة الخَيَالَة , قَبْلَ أَنْ تَسْتَطِيع الشُّرْطَة الْإِمْسَاك بِزِمَام السَّيْطَرَة .
وَلَقَد تَوَقَّع مُراسِل صَحِيفَةٌ ((الاوقات اللندنية ))ببغداد بِأَن التَّوْقِيع عَلَى الْمُعَاهَدَة لَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعًا وَذَلِكَ لِأَنَّ تِسْعَةً مِنْ ممثلي الْأَكْرَاد , قَد رفضوا الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُنَاقَشَات , فِي حِينِ كَانَ ممثلو الْمُوَصِّل يُصِرُّونَ عَلَى أَهَمِّيَّة تَخْطِيط الْحُدُود مَع تُرْكِيًّا , وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ الْبَيَانَاتِ البِريطَانِيَّة بِالنِّسْبَة لِلِاسْتِحْدَاث آيَة تغيرات فِي الْوَثَائِقِ , فَإِنَّ الْبَعْضَ كَانُوا واثقين بِأَنَّ إدْخَالَ (تعديلات موسعة) قَدْ تَكُونُ هِيَ ((الثمن لِتَصْدِيق الْمُعَاهَدَة )) .
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا المراسل أَنَّ قِسْمًا مُعْتَبَرًا مِنْ النَّاسِ , كَانُوا يَمِيلُونَ إلَى الْعَوْدَةِ إلَى الِانْتِدَاب مَادَامَت الْمُعَاهَدَة مُعَقَّدَة جِدًّا , وَإِن أَحْكَامِهَا الْمَالِيَّةَ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهَا , فَبَعْدَ أَنْ جَرَتْ مُنَاقَشَةٌ كُلُّ مَظْهَرِ مِنْ مَظَاهِر الْمُعَاهَدَة , والاتفاقات الْخَاصَّة , مُنَاقَشَةٌ مُتَكَرِّرَة ,
وَقَد صَيَّر الْمَصَادِر البِريطَانِيَّة مِنْ التَّوْضِيحِ والصالحة , قَرَّرَتِ الحُكُومَةُ البِريطَانِيَّة , خَوْفًا مِنْ نَتَائِجِ تَأْخِير آخَر , أَنْ تَضَعَ حَدّ للتوتر بِأَن طُرِحَت قَضِيَّة الِانْتِدَاب إمَام مَجْلِس عَصَبَةٌ الْأُمَم فِي شَهْرِ حُزَيْرَان . ثُمّ إِبْلاغ الْحُكُومَة الْعِرَاقِيّة بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتِمَّ التَّوَصُّلُ إلَى قَرَارِ حَتَّى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ حُزَيْرَان , فَإِن الْمُعَاهَدَة سَتَكُون مرفوضة , وَإِن بَيَان الْحُكُومَة البِريطَانِيَّة الّذِي قَدِمَ إلَى مَجْلِسِ الْعَصَبَة سَوْف يَعْدِل (طبقا لذلك) .
لَمْ يَتِمَّ التَّوَصُّلُ إلَى قَرَارِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ حُزَيْرَان . وَتَمّ التَّأْجِيلُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي . وَمَا إنْ تَمَّ إِبْلاغ رَئِيسِ الوُزَرَاءِ وَرَئِيس الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ بِأَن الْقَضِيَّةَ لَا يُمْكِنُ تَأْجِيلُهَا , حَتَّى قَامَا بِحَرَكَة سَرِيعَة لِجَمْع تِسْعَةٍ وَسِتِّينَ مَنْدُوبًا , مِنْ مَجْمُوعِ الْمَنْدُوبِين الْبَالِغ عَدَدِهِم مِائَة مَنْدُوبٌ , بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ اللَّيْلُ أُجْرِي التَّصْوِيت , فَكَانَت نَتِيجَة ذَلِكَ أَنَّ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَنْدُوبًا قَد صَوَّتُوا عَلَى الْمُعَاهَدَة , وَصَوْت أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ضِدِّهَا وَامْتَنَع ثَمَانِيَةٌ مَنْدُوبَيْن عَن التَّصْوِيت .
أَسْمَاء النُّوَّاب الْمُعَارِضِين للمعاهدة الَّذِينَ لَمْ يصادقوا عَلَيْهَا :
نَاجِيّ السويدي , يَاسِين الْهَاشِمِيّ , عَبْدُ الرَّزَّاقِ شَرِيف , رَؤُوف الجادرجي , أَحْمَد الشَّيْخُ دَاوُد , عُمَر الْحَاجّ عَلْوَان , حَبِيب الخزران , مُحَمَّد زُكِّي , عَبْدُ الْوَاحِدِ سَكِر , رَابِحٌ الْعَطِيَّة , صَالِح شِكارَة , آسَف قَاسِم أَغَا , الدكتور دَاوُد الْجَلَبِيّ , عَبْدُ الرَّزَّاقِ الرويشدي , عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّقِيب , سَالِم الخيون , كاطع البطي , صكبان الْعَلِيّ , عَبْدُ اللَّطِيفِ الْمَعْرُوف , زامَل المناع , مُحَمَّد حُسَيْن مُوسَى , مُنْشِد الْحَبِيب , , حَسَنٌ شَبُّوط , أَحْمَد الشويش .
وَكَان البِرِيطَانِيُّون قَد بَذَلُوا جُهودُهُم الحثيثة مِنْ أَجْلِ التَّوْقِيع عَلَى هَذِهِ الْمُعَاهَدَة حَتَّى إنَّهُمْ قَدْ ناقشوا الْمَسْأَلَةِ فِي البَرْلَمَانِ البْريطانِيّ , فَكَان رَأْيِهِم لَوْ تَرَكَ الْأَمْرِ لِلْعِرَاقِيِّين أَنْفُسِهِم , فَإِن الْمَجْلِسُ التَّأْسِيسِيُّ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَبِلَ الْمُعَاهَدَة , وَقَالَ أَحَدُ أَعْضَائِهِم الْمُعَاهَدَة تَمَثَّل فِرْصَة إمَام برِيطانِيا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْعِرَاقِ , وَعَلَى أَثَرِ ذَلِكَ بَعَثَ رَئِيسِ الوُزَرَاءِ البْريطانِيّ (رمزي مكدونالد )برقية حَذَّر فِيهَا الْعِرَاقِ مِنْ مَغَبَّة الْأُمُور المخيفة الَّتِي قَدْ تَحْدُثُ , إذَا لَمْ تَتِمَّ الْمُصَادَقَةَ عَلَى الْمُعَاهَدَة .
وَقَد نُشِرَت صَحِيفَةٌ وستمستار غازيت فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ تَمُّوز سُنَّةٌ 1924 بِأَن الْحُكُومَة البِريطَانِيَّة كَانَتْ قَدْ عَمَدْت إلَى كُلِّ وَسَائِلِ التَّخْوِيف الَّتِي يُمْكِنُ تُوقِعُهَا بِقَصْد ضَمَان التَّوْقِيع عَلَى الْمُعَاهَدَة .
وَمَن خِلَال أَسْمَاء الْمُعَارِضِين لِهَذِه الِاتِّفَاقِيَّة تَتَّضِح وطنيتهم وحبهم لبلدهم الْعِرَاق . وَأَيْضًا هَذَا الْمَوْضُوعُ يَكْشِف النِّقَاب عَنْ مَنْ هُوَ عَمِيل لبريطانيا , و يَعْمَل لصالحها .