مقالات

هل يجوز اصدار قرار التحكيم باسم الشعب

ان النص الوارد في المادة (270/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الاتي (يصدر المحكمون قرارهم بالاتفاق او بأكثرية الأراء بعد المداولة فيما بينهم مجتمعين وطبقا لما هو مبين في هذا القانون ويجب كتابته بالطريقة التي يكتب بها الحكم الذي يصدر من المحكمة ) لابد من مناقشة ما يجري في الواقع الراهن عند كتابة قرار التحكيم في العراق، لان جميع قرارات التحكيم التي اطلعت عليها لم تكتب على وفق ما رسمه القانون تجاه كيفية كتابة قرار الحكم القضائي، ومن بين البيانات الأساسية الواجبة في كتابة قرار الحكم القضائي هو ان يصدر باسم الشعب، وعلى وفق نص المادة (154) مرافعات، بينما قرارات التحكيم لم تتضمن هذه الديباجة الوجوبية، فهل هذا يؤدي الى بطلان قرارا التحكيم، ام يبقى سارياً وصحيحاً؟

في التطبيق القضائي العراقي لم تلتفت أي محكمة من محاكم الطعن الى اعتبار عدم تتويج قرار التحكيم بعبارة (صدر باسم الشعب) نقصاً فيه يؤدي الى بطلانه، لكن يشير احد الكتاب الى ان قرار التحكيم يجب ان يصدر باسم السلطة العليا في البلد، لأنه بمثابة الحكم القضائي ويخضع لذات الشكلية القانونية عند كتابته، على الرغم من انه لم يصدر عن رجال القضاء، الا ان وظيفة التحكيم هي ذاتها وظيفة القضاء[1]، بينما وجدت اتجاهاً حديثاً لدى محكمة التمييز الاتحادية تساهلت فيه حتى مع الاحكام القضائية التي تصدرها المحاكم، عندما لم تعتبر عدم ذكر عبارة (صدر باسم الشعب) نقصاً يؤدي الى بطلان الحكم او اعتباره معدوما، وانما اعتبرت ان عدم ذكر تلك العبارة انما هو كاشف عنها ، لأنه مفترض بحكم القانون والدستور، وعلى وفق ما ورد في قرار محكمة التمييز الاتحادية رقم 4859/الهيئة الاستئنافية عقار/2023 في 26/9/2023

اما في التطبيق القضائي المقارن نجد ان محكمة النقض القطرية قد اعتبرت عدم ذكر عبارة (صدر باسم الأمير) يعتبر سبباً لإبطاله[2] ، بينما في قرار لمحكمة استئناف عُمان صدر عام 2019 يشير الى ان عدم ذكر عبارة (باسم صاحب الجلالة السلطان) لا يؤثر في صحة الحكم لان قواعد المرافعات التي تنظم عملية اصدار قرار التحكيم لم يرد فيها وجوب ان يكتب بذات الكيفية التي يكتب بها الحكم القضائي، وهذا القول ينسجم مع القواعد القانونية في المادة (43) من قانون التحكيم العماني رقم 47 لسنة 1997، حيث لم تشترط ذكر العبارة في ديباجة قرار التحكيم ، واسست ذلك الاتجاه على ان المادة (43) من قانون التحكيم لم تشترط ذكر تلك العبارة عند كتابة قرار التحكيم، ولا يمكن قياس ما ورد في قانون الإجراءات بشأن الحكم القضائي على قرار التحكيم، لان قانون الإجراءات يقتصر حكمه على الاحكام التي تصدر عن المحاكم العمانية فقط، وقرارات التحكيم تصدر أحيانا من خارج سلطنة عُمان[3]،

اما في القضاء المصري فان اخر اتجاه لحكمة النقض فان عدم ذكر هذه العبارة لا يكون سبباً لبطلان قرار التحكيم او قرار الحكم الصادر عن المحاكم، على اعتبار ان المادة (178) من قانون المرافعات المدنية المصري رقم 13 لسنة 1968 المعدل لم يرد فيها أي إشارة الى وجوب ذكر هذه العبارة، بل في احدى قضايا التحكيم عندما صدر قرار التحكيم متوج بعيارة (باسم الشعب) كان سبباً للإبطال من الغرفة التجارية (8) في محكمة استئناف القاهرة بقرارها العدد 61 سنة قضائية 132 في 23/3/2016 باعتباره مخالف للنظام العام، وكتابة العبارة أعلاه هي مخالفة صريحة للنظام العام، لان المحكم لم يكن قاضياً، ولا يجوز له اصدار قراراته باسم الشعب ،

وعند التصدي لهذا الحكم من محكمة النقض اعتبرت ان عدم ذكر العبارة هو الأصل، ولا يجوز مخالفة ذلك لان المادة (52) من قانون التحكيم النافذ جددت أسباب البطلان ولم يكن من بينها كتابة تلك العبارة، وقررت الحكم بنقض قرار محكمة الاستئناف، وعلى وفق ما جاء في قرار محكمة النقض العدد 6641 السنة القضائية 86 في 12/6/2023،

وخلاصة القول ان الامر فيه جدل واجتهاد، لان النص يوجب ان تذكر تلك العبارة، بينما الواقع الراهن تجاوزها، ويرى البعض ان منح غير القضاة صلاحية اصدار قراراتهم باسم الشعب فيه خطورة، توهم المواطن بوجود اكثر من سلطة قضائية في البلد، ويكون سبباً للاحتيال، وفي مسودة مشروع قانون التحكيم المزمع عرضه على مجلس النواب ، قد حسم الامر بان حدد البيانات الوجبية على سبيل الحصر في المادة (30)، وتجاوز ما عليه النص الحالي في المادة (270/1) مرافعات، التي كانت تشترط كتابة قرار التحكيم بذات الطريقة التي يكتب بها الحكم القضائي، لكن هذه تمنيات واماني ما زال تحقيقها معلق على تشريع قانون التحكيم.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد

الهوامش===============
[1] المرحوم القاضي عبد الرحمن العلام ـ شرح قانون المرافعات المدنية ـ ج4 ـ مرجع سابق ـ ص 476

[2] قرار محكمة التمييز في دولة قطر رقم 44 – 45/2014 في 25/3/2014

[3] للاطلاع على قرار محكمة استئناف عُمان مراجعة مجلة التحكيم العالمية ـ مرجع سابق ـ العدد 55 و 56 ـ ص424

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!