المسيحون العراقيون (12)
الكاتب: عبدالله النوفلي
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (12)
إن المسيحيين العراقيين عانوا الحرمان والاقصاء والتغييب في كافة فترات الحكم السابقة واستمر هذا الوضع حتى بعد التغيير الكبير الذي حدث عام 2003، فرغم كفاءتهم التي تكلمنا عن بعض جوانبها في الحلقات السابقة بحيث فرضوا أنفسهم على العراق إذ لا بديل عنهم، كما كانت حالة عمو بابا حيث أن المسؤولين عن كرة القدم كانوا يعودون للاستعانة به كلما أخفق مدرب ما في قيادة المنتخب العراقي كي يقوم هو بتصحيح مسار الفريق ويحصل على نتائج طيبة، وهكذا في حقول كثيرة، وهنا جدير بالذكر أن نذكر موقف البطريرك سعيد الذكر عمانوئيل الثاني ودوره المؤثر والمهم في ألحاق ولاية الموصل بالعراق نهائيا أبان عهد عصبة الأمم المتحدة في الثلث الاول من القرن العشرين، وكان شعبنا مشهور له بالأمانة والاخلاص لذلك كان المسؤولين يختارونهم كي يعملوا بمعيتهم أو لديهم لأن التاريخ لم يسجل حالات من الخيانة لديهم.
واليوم نتحدث عن الظلم الذي لحق بشعبنا بعد عام 2003، حيث تم استلاب حقوقه وطمسها رغم كل الحديث عن الديمقراطية وحقوق المواطنة وجبروت أمريكا التي تحدثت عن جعل العراق نموذجا للديمقراطية في المنطقة والتي من أجلها جيشت الجيوش وهاجمت العراق وحطمت كل بنيته التحتية وفتحت كافة أبوابه لكل من هبّ ودب بحيث أصبح دولة بلا قانون أو سلطة وباستطاعة من يشاء دخول أراضيه ومغادرتها دون أية ضوابط، لقد صحا العراقيون على فوضى عارمة وكأن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الامريكية كان تخبطا دون تخطيط مسبق رغم ما كنا نسمع من اجتماعات للمعارضة العراقية في الخارج!!! لكن يبدو ان هذه الاجتماعات لم تكن تناقش لمرحلة ما بعد السقوط، بل فقط أنهم كانوا يناقشون كيف سيقسمون السلطة بينهم ومن سيعتلي الكرسي هنا او هناك ومن يحتل هذا المبنى او ذاك بحيث وجدنا عند قدوم قوات الاحتلال دخل بمعيتها ممثلوا الأحزاب وكان لكل حزب هدف معين فقام باحتلاله كي يصبح مقرا أو مقرات له من أبنية الدولة السابقة ومنها أحد أحزاب شعبنا أيضا. وهكذا أصبحت هذه البنايات التي كانت ملكا عاما للدولة، مستخدمة من قبل أحزاب وتيارات وتنظيمات أو حركات التي أصبح عددها بالمئات بعد أن كان العراق يُحكم من قبل سلطة الحزب الواحد!!!.
وأبان السقوط وخلاله كنت حاضرا لما يسمى بعملية تحرير قرى شعبنا حيث كانت عملية صوَرية بحتة لأن بالأساس لم تكن هناك سلطة خلال حرب احتلال العراق في تلك القرى بحيث دخلت هذه القرى قوى حزبية تابعة لهذا أو ذاك وكلٌ يحاول أن يحجز موضع قدم له فيها، وصادف أن حضرت تجمعا كان أحد قادة تنظيمات شعبنا يتحدث به، وخلاله تم توزيع مطبوعات حزبه تلك التي كانت تُطبع في كردستان العراق، ويبدو لي من خلال حديثه أنه كان قد زار أحد المطارين المسؤولين عن تلك المنطقة التي كان على ما يبدو بعض سكان تلك القرية او القرى المجاورة قد اشتكوا عما يحدث من تصرفات لحزب ذاك المسؤول للمطران، فقال عندها بالحرف الواحد لولا العيب من المطران لتصرفت بعن*ف مع أولئك الأهالي، فضحكت بداخلي وقلت اين هذا من الديمقراطية المزعومة؟ إذ هو منذ البداية يتكلم عن القهر والبطش والعين الحمراء من جهة ومن جهة أخرى يتكلم عن أسقاط الطاغية وعن الحرية والديمقراطية المنتظرة!!!
حقا لقد ضحكت حينها كثيرا وأنا أراقب هذا المشهد في تلك الواقعة التي جرت أحداثها أوائل نيسان 2003 في أحدى قرى شعبنا وحينها أدركت أن القادم أسوأ، وإذا كان قبل نيسان 2003 في العراق صداما واحدا فإنه سيكون الكثير من امثاله بعد ذلك.
وحادثة أخرى حدثت في قرية أخرى حيث أن القوى التي زعمت أنها حررت القرية سكنت في مدرستها الابتدائية لفترة من الزمن، وعند مغادرتها لتلك القرية أكتشف أهالي القرية بأن تلك القوة انتزعت مراوح المدرسة وأخذتها معها كغنائم الأمر الذي ينطبق عليها المثل القائل (حاميها حراميها).
ولنعد إلى الظلم اللاحق الذي عانى منه شعبي ومازال، وأذكر هنا الدستور الذي تمت كتابته على عجالة على أمل أن يتم تعديل المواد التي بها مشاكل في فترة محددة لاحقا وهذه الفترة تم تمديدها وأصبحت تأخذ مطاطية لا يعرف نهايتها أحد، فهذا الدستور قد ظلم حقوق شعبنا بالكامل وسلبهم كل حقهم بالعيش بحرية لأنه أعطاهم الحقوق كمواطنين كما هي لكافة مواطني العراق عامة وسلبها منهم بيد أخرى لأنهم غير مسلمين؛ ففي ديباجة الدستور وعن عمد وسبق أصرار أو عن جهل مقيت لم يتم ذكر شعبنا وتضحياته حتى ولول بكلمة واحدة أو بأشارة غير مباشرة وكأن مذبحة سميل كانت لذبح أغراب عن العراق … وكأن صورية وما تم من ذبح لأهاليها وكأنها ليست من قرى العراق وليس هذا فقط ولو أحصينا القرى التي دمرت أبان عمليات الأنفال والتي يعرفها أبناء شمال العراق كثيرا لوجدناها بأرقام كبيرة.
هذا نزر يسير من المعاناة التي عانى منها مسيحيوا العراق وتضحياتهم الجسام التي أغفلها كاتبوا الدستور عن عمد ورغم وجود ممثلين لشعبنا في لجنة صياغة الدستور والذي أنتقل بعض منهم إلى الأخدار السماوية ولا يمكننا سؤالهم عن مدى محاولتهم لفعل شيء وتم منعهم أو لم يستمع إلى ملاحظاتهم أحد أو لم يتم أعارتها أية أهمية فربما كانوا مجرد أرقام بلجنة ولذر الرماد في العيون وكي يتم أكتمال العدد وكي لا نقول لا يوجد من يمثل شعبنا في هذه اللجنة!!!
والأدهى من ذلك فإن الدستور في فقرة منه حرم غير المسلمين تماما من اتخاذ القرارات التي تخصهم أو سن قوانين خاصة بهم وتلك الفقرة تنصُّ: لا يجوز سن أو تشريع أي قانون يتعارض مع الثوابت الاسلامية المتفق عليها!!! هذه العبارة الفضفاضة التي أصبحت سلاحا لمحاربة غير المسلمين في مجمل أمورهم وحتى في تجارتهم لأن رد السلطات الحاكمة بأن هذا ضد الثوابت الاسلامية فيتم رفض المشروع أو ركنه جانبا أو تعطيله.
وأسوق هنا مسألة تجارة المشروبات الكح-و*لية وأجازة هذه التجارة التي تنظمها دائرة السياحة في العراق وهي المسؤولة عن تنظيمها وتجديد أجازة ممارسة المهنة لها… فإن من بيده الصلاحية لتجديد الاجازات وتم وضعه في هذا المفصل يعتبر هذه المهنة حرام فلا يقوم بالموافقة على تجديد الاجازة، هذا من جانب ومن جانب آخر هناك سلطة أخرى تلاحق من لم يقم بتجديد أجازته وتغلق له تجارته وتدعي بأنها لا تلاحق من له أجازة وهو حر بممارسة تجارته!!! إنه حقا لأمر مضحك تماما وعلينا تصور الحالة بحيث أصبح من يمتهن هذه التجارة بين فكي كماشة وصيدا سهلا للار*ها*بيين؛ منهم من يُفجر تلك المحلات ويقوم بنهبها كي يبيعها في الخفاء وبالسوق السوداء، ومنهم من يبتز أصحابها بفرض الأتاوات … وبعد أن كان الأمر منظما أصبح عشوائيا، وأنا شاهدت وأشتريت البيرة المبردة من صاحب عربانة متجول وكان واقفا كما كان يفعل كل يوم أمام سينما بغداد في علاوي الحلة ببغداد وعلى مرأى الجميع، وكان ذلك البائع من الذين يستحرمون التعامل بهذه المادة، فماذا نستطيع القول أو كيف نحلل هذا الأمر، فمن جهة يحرمونه ويحاربون من يتاجر به رسميا وبموافقة السلطات، ومن جهة أخرى يمارسون التجارة بها وأمام منظر الجميع.
وللحديث صلة
عبدالله النوفلي..