العقل العربي ومحنة التغيير
أ. د. سامي جودة الزيدي
ما زالت الثقافة العربية تتبنى النقل والتقليد في بناء العقل العربي، ولم يحظ العقل البرهاني على مساحة كافية في أن يكون آلية من آليات التفكير المنطقي عند العرب، أن اختناق العقل في بئر الماضي لا يجعله قادرا على التنفس بحرية باجواء نقية، لذا كان من الصعب عليه أن يطرح الأسئلة ويخوض في مضمار البحث العلمي، بعد أن يضع لنفسه منطلقات تبدأ بالشك في ما حوله، لعله يصل بعد ذلك إلى اليقين .
أن من الصعب على العربي أن يقبل مبدأ الشك، لانه يبدأ من اليقين أولا، معتقدا بصحة كل شيء جاءه نقلا، فليس للعقل القدرة على ادراك الموجودات، فضلا عن ادراك الغيبيات، مما جعل المشكلة معقدة في بنيتها المعرفية .
عندما يصل العقل إلى الايمان بصدق معتقده فلا يمكن له بعد ذلك أن ينظر إلى من حوله فهو يعتقد بخطأ كل الاعتقادات التي تختلف معه انطلاقا من النظرة الأحادية التي تتبناها مرجعيته الثقافية والتي رسخت في ذهنه عقيدة اليقين الايمانية دون بحث وتمحيص وتحليل، لان الايمان لا يحتاج إلى شك، فالشك يسقط اليقين ويقلق الاتباع في البقاء في دائرة التقليد الاعمى، لذا يتكلس التفكير ويتبلد الذهن، ولا يجرؤ على طرح الاسئلة، ثم يتبعه الاخطر من ذلك لا يؤمن الا بالتقليدي والسائد مما يبعده عن التفكير في تغيير قيم الحياة بما يتلائم والتحولات الحضارية التي يشهدها العالم، فيظل متأطرا باطار الماضي، ويصبح للنص اثره في قيادة تفكيره نحو المحافظة على كل شيء يتعلق بالماضي الذي يعتقده معيارا لصحة التجربة البشرية. في ظل هذه الوعي لا يمكن بعد ذلك أن يقود هذا العقل التغيير والنهضة ما لم يتخذ آليات جديدة يمكن ان تحرر عقله من الإرتباط بالماضي بوصفه نصا حاكما لا يقبل التأويل ولا التشكيك.
أن حركة التغيير في المجتمعات ذات الثقافة الاستبدادية لا يمكن ان تنجز مهامها بسهولة ما لم يتوفر شرط الحرية الفكرية في تنوير المجتمع، إذ أن التنوير هو العتبة الأولى من عتبات التغيير نحو الافضل بما يتلائم والعصر ونهضة المجتمعات، فقد نجد في مجتمعات متخلفة راكدة الاعتقاد بأنها الأفضل بين امم العالم، كونها تحمل أرثا حضاريا موغلا بالقدم ، لكنها لم تسعٓ نحو تجديد مشروعها الحضاري بما يناسب الظروف الانية التي يعيشها العالم، فهي امة تعيش على رفاة اجدادها تنبش قبورهم صباحا وتوّدعهم فيها عند حلول الظلام.
أن مشروع النهضة والتغيير يبدأ من عقل ألامة بعد أن تشعر جيدا بأهمية التنمية والنهوض، وهذا يتطلب وعيا لحاضر تلك ألامة ومستقبلها، بأن التغيير هو الحل الذي ليس دونه حل، مما يجعلها تتمسك بقوة بعظماءها من مفكرين وعلماء وبناة ونخب ومجددين، لأنهم وحدهم من يمتلكون الحل، اما عندما تتجاهل تلك ألامة اولئك العظماء فإن ذلك يعني انها امة راكدة ميتة تنتظر أن تقبر فتزول إلى الأبد.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.