العدد الثاني عشر يهود العراق عشية ثورة 14 تموز 1958م
بقلم | مجاهد منعثر منشد
بعد اندلاع الثورة ضد الحكم الملكي بقيادة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم (1) سنة 1958 , كان معظم اليهود قد هاجر هجرة جماعية بنسبة 95% مع إسقاط الجنسية العراقية عنهم ومصادرة ممتلكاتهم في 1950-1951م.
وحسب الإحصاء الرسمي لسنة 1957 كان عدد اليهود لا يتجاوز الخمسة آلاف، غالبيتهم يسكنون في بغداد والبصرة.
وخلال الفترة من 1951 ـ 1957 م عان اليهود الباقون بعض الضغوط من القوميين , وكانت لهم بقية في السجون ,ولكن ولم يكن عددهم يتجاوز 15 أو 20 في سنة 1954 …إذ كلما أنهى سجين يهودي محكوميته يصرف النظر عن نوع تهمته , كانوا يرسلون من السجن إلى إس*رائي*ل قسراً(2).
وبعد قيام ثورة تموز 1958 كان عدد السجناء السياسيين اليهود قليل فهم أربعة فقط , يعقوب مصري ومئير كوهين وأنا ويوسف زلوف ,وشلوموا كرادي(3) وكانت الأوامر بعد إطلاق سراح اليهود عام 1961 أن يرسل مخفوراً إلى بغداد لتسفيره إلى إس*رائي*ل.
ولكن جرت بعض الاحداث بعد عشرة ايام من الثورة ,أذ اندلع حريق هائل متعمد في مستودعات الكيلاني للنفط في كمب الأرمن الواقع في ناحية الرصافة من بغداد ..وكانت دائرة الاتهامات والشبهة باتجاه اليهود , ولكن الزعيم صرح بأن الحريق حادث لا يتهم فيه اي تنوع او فرد من الشعب .
وبعد كم يوم جاء رد على الحادث المذكور حيث تم أحراق احد الممتلكات اليهودية وهي مدرسة لورا خضوري للبنات والتي كانت تحت عهدة الطائفة ثم سكنها لاجئون فلسطينيون.
ولكن الحياة عادت الى طبيعتها بالنسبة لليهود بعد شهرين من تلك الاحداث.
وعند استلام الزعيم زمام امور الحكم تنفس اليهود الصعداء وفك القيود عنهم وتحسنت وضعيتهم , فقد الغى جميع الاجراءات المتخذة ضدهم في العهد الملكي . ومنحهم الحرية الكاملة والمساواة في الحقوق. والغيت القيود التي تلزم اليهود الذين يرومون مغادرة العراق بالعودة اليه في غضون ستة اشهر بموجب القانون رقم (11) المنشور في شهر كانون الثاني 1960 ، وتمتع اليهود في هذه الحقبة بأمن نسبي وبازدهار اقتصادي.
وربما ان تداعيات يهود العراق لمظلومية نقل مقبرتهم في عهد الزعيم هي المظلومية الوحيدة في فترة حكمه حسب اعتقادهم .ويقولون ازالة المقبرة في سنة 1961 تمهيدا لتشييد برج في محاولة لتقليد برج عبد الناصر في القاهرة.
وفي الأشهر الأولى لقيام الثورة توجه الحاخام الأكبر ساسون خضوري لتهنئة عبد الكريم في مقره في وزارة الدفاع ..
وطرح الزعيم على الحاخام الأكبر فكرة نصب برج بغداد في مقبرة اليهود فتم الاتفاق على ترحيل المقبرة من أجل النصب المذكور , فهو اتفاق وليس اجبار او مظلومية كما يدعي البعض من اليهود .
ومن المواقف المشهودة للشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم مع يهود العراق , عندما القي القبض من قبل الامن العام على الدكتور داود كباي واقتادوه إلى المديرية بتهمة الجاسوسية لإس*رائي*ل ولعدم ثبوت الادلة اطلق سراحه مع مصادرة امواله , فقدم طلب لمقابلة الزعيم وقابله عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع وكتب بإعادة ما تم مصادرته من ماله بهذه العبارة (يعاد المبلغ إلى الدكتور داود فانا اعرفه ولا يمكن أن يتجسس على الدولة).
لقد كان الشهيد الزعيم رجلا وطنيا يستخدم اسلوب المساواة والعدالة في حكمه , ويعتبر البقية من اليهود في العراق حالهم حال باقي الاطياف والتنوعات الدينية العراقية .
ولذلك لم يروق حكمه للولايات المتحدة الامريكية , اذ تدخلت الاخيرة بشكل سري في العراق ابتداء من ثورة 14 تموز/يوليو 1958 وحتى انقلاب حزب البعث الذي أطاح بحكومة قاسم في 8 شباط/فبراير 1963م.
وقد كان هناك تعاون وثيق بين حزب البعث ووكالة المخابرات الامريكية (سي.آي. أي) للاطاحة بحكومة قاسم وتصفية منجزاتها وخاصة بما يعرف بالقانون رقم 80 الذي سحب امتيازات التنقيب عن النفط على الأراضي العراقية من الشركات النفطية الأجنبية خارج عن ما كانت تستثمره فعلاً. وقد تأكد وجود هذا التعاون بالوثائق والتصريحات الشفهية للمسؤولين ألأمريكان…
إضافة الى تصريحات بعض القياديين في حزب البعث من أمثال علي صالح السعدي، الذي أفضى لمجلة الطليعة المصرية في منتصف الستينات بتصريح قال فيه:نحن جئنا الى السلطة بقطار أمريكي. كما أكد على ذلك أيضاً الوزير والقيادي السابق في حزب البعث هاني الفكيكي وآخرون من كوادر حزب البعث(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) عبد الكريم قاسم (1914- ت 1963 ) , وينتسب لقبيلة خفاجة حسب ما يذكر خاله محمد محمود مولد التميمي تولد 1907 ونشر ذلك في مجلة المنهال الثقافية الصادرة عن مجلس شيوخ العشائر العراقية المستقل في العراق ,العدد 45, السنة الثانية ,ربيع الثاني 1430هـ نيسان 2009م .
وسكن في حي المهدية (المجاور للاحياء اليهودية), وسكن ايضا في سنة 1926 في حي (قمبر علي) القريب من الاحياء اليهودية التي قطن فيها الكثير من اليهود.
(2) حسقيل قوجمان , ذكرياتي في سجون العراق السياسية, ص75.
(3) المصدر السابق , ص 101.
(4) انظر اطروحة وليم زيمان, التدخل السري للولايات المتحدة في العراق خلال الفترة 1958-1963,جذور تغيير النظام في العراق الحديث بدعم من الولايات المتحدة, ترجمة/ عبد الجليل البدري , أطروحة قدمت إلى كلية الجامعة البوليتكنيكية في ولاية كاليفورنيا، بومونا، للحصول على درجة الماجستير في التاريخ في عام 2006 قسم التاريخ.