شيخوخة الخلايا وعمر الإنسان – بهجت عباس
أو ما تسمّى Senescence وتعني التدهور التدريجي في وظائف الكائن الحيّ الطبيعية نتيجة التقدم في العمر بيولوجياً لتوقف الخلايا عن الانقسام. وبمرور الزمن تتراكم هذه الخلايا (الشائخة) وتنتشر في الأنسجة المتعددة من الجسم ، وإذا انتشرت في كلّ أجزاء الجسم، يزيد احتمال الموت كلّما تقدّم الكائن في العمر. ونتيجة لهذه العملية البيولوجية تضعف الفعاليات اللازمة التي تودّيها أجهزة الجسم، فعلاماتها في الإنسان الذي تعدى السبعين من العمر مثلاً تكون زيادة احتمال الإصابة بالأمراض المعدية، تصلب المفاصل والتهابها والروماتزم وقصر القامة بعض الشيء حيث توهن عظام الظهر فتصبح رقيقة فيقصر طولها بعض الشيء، وبعد الثمانين من العمر تفقد العضلات قوّتها ومرونتها مما يؤثر على الثبات والموازنة فيكون السقوط محتملاَ ، وهذا قد يؤدّي إلى حدوث كسور في العظام. تؤدّي (شيخوخة) الخلايا كليّاً إلى قلّة إنتاجها وبهذا يضعف الجسم . وهنا يأتـي مفعول فيتامين بي 2 (رايبوفلافين) حيث يُبطئ الشيخوخة بتنشيطه الميتاكوندريا لإنتاج الطاقة. ولكن هل الناس جميعاّ متساوون في هذا الشأن؟ ليس حقّاً! فبعض الأفراد يشيخ بطريقة أحسن من البعض الآخر، وهذا يعود إلى عوامل عدّة. فهناك الوراثة الجينية، ونظام الحياة المتّبع وعوامل البيئة (المحيط الذي يعيش فيه الفرد) وسنأتي عليها لاحقاً.
أمّا علائم الشيخوخة فهي التغضّن أو التجعّد في الجلد، الجفاف مع ظهور بقع صبغية عليه، ارتخاء في نسيجه، فقدان شعر الرأس أو المشيب، اختفاء نضارة الوجه أو شحوبه وغير ذلك.
هل يمكن التخلص من شيخوخة الخلايا؟
ليس حقّاً، ولكن يُمكن إبطاء أو تأخير شيخوخة الخلايا وتسمّى أيضاً (زومبي) بإطالة عمر الخلايا قبل أن تشيخ وذلك باتّباع تغذية صحيحة، تمارين بدنية منتظمة، تقليل الهمّ والغمّ والنوم الكافي. وثمة بعض الأغذية التي توقف أو تًبطئ الشيخوخة وأهمها هي:
الفراولةStrawberries والتوت Berries بأنواعه والحمضيات والتفاح والخضار كالملفوف (لهّانة) والقرنابيط والفلفل الحلو الأحمر وذو الألوان الأخرى والشاي الأخضر والكركم والزنجبيل وغيرها. فهذه الأغذية تعمل ضدّ الأكسدة وتزوّد الخلايا بما تحتاجه من فيتامينات ومعادن ضرورية لوظائفها وتكاثرها وسلامتها.
أمّا التمارين البدنيّة المنتظمة، فتقلّل من عدد الخلايا الشائخة أو تُبطئ زمن شيخوختها وتزيد من قابلية الجسم في إدامة نشاط خلاياه للقيام بوظائفها المطلوبة.
أمّا العوامل الوراثية فتتلخص بما يلي:
يتكون كروموسوم الخلية البشرية من جزيئة واحدة من الدنا وبروتينات متعددة . تكون الدنا على شكل خيط ذي نهايتين (طرفين) ، أما كروموسوم الخلية الجرثومية (البكتريا) فيكون على شكل حلقة ، أي أنّ نهايتيه متصلتان ، أو بالأحرى بلا نهاية. ترتبط في نهايتيْ هذه الدنا (كروموسوم الخلية البشرية) مواد نووية صغيرة تتكون من ستّ قواعد نايتروجينية تسمّى تلوميرات Telomeres ذات تسلسل TTAGGG ( ثايمين ، أدنين وگوانين على التوالي و تسمّى هذه القواعد نيوكليوتايد –حجر بناء الدنا) ويتكرر هذا التسلسل 2000 مرة في نهاية كل كروموسوم ، أيْ بنسق TTAGGG…TTAGGG..TTAGGG… ويعاد هذا التعاقب ألفيْ مرة في كل نهاية من نهايتيْ الكروموسوم . هذه التلوميرات تفصل الكروموسومات بعضها عن بعض ، ولولاها (كما لاحظت بربارا ماكلينتوك في الثلاثين من القرن المنصرم) لالتصقت الكروموسومات المجاورة وسببت تشوهاً في الخلية يؤدي إلى الموت . ولكن عندما ينقسم الكروموسوم في دورة الخلية يفقد بعضاً من هذه التلوميرات التي لا تُعوّض فتتقلص سلسلة التلومير عند كل انقسام حتى لا يبقى إلا قليل منها فلا ينقسم الكروموسوم ولا تنقسم الخلية فتموت ويتضاءل الجسم حجماً عند فقدانه الخلايا في مرحلة الشيخوخة والعمر المتقدم
فموت الخلية هنا هو طبيعي ويسمى (موت الخلية المُبَرمَج) . فخلايا الطفل تنقسم حواليْ مئة مرة قبل أن تموت ، بينما خلايا الشخص ذي السبعين عاماً تنقسم بين 20 إلى 30 مرة قبل أن تموت . إن تقلص التلوميرات يقلّص عمر الإنسان . ولكن هذه التلوميرات قد تُعوَّض ، أي تُضاف إلى الكروموسوم عندما تكون ثمة خميرة في الخلية تسمى التلوميريس ، التي تنتج هذه التلوميرات، فتعيش الخلية مدة أطول ما دامت التلوميريس موجودة وقد تكون أبدية لا تموت كالخلية السرطانية . فالكروموسومات الموجودة في الرجل المسن تكون أقصر مما هي عليها في الشاب ، لتقلص التلوميرات فيها . لذا يكون إنتاج الخلايا الجديدة في الشيخوخة أقلّ ، وهذا ما يجعل الجروح والأمراض تتطلب وقتاً أكثر للشفاء . إن (شيخوخة التضاعف) ، أي بطء تكرار أو تولّد الكروموسوم ، كما أطلق عليه ليونارد هاي فليك ، تلعب دوراً ، إن لم تكن الأهم، في شيخوخة الإنسان ، لأنها الساعة التي تحدد العمر.
ومن هذه الناحية يمكن الاستنتاج أنّ سبب (قصر) عمر الانسان نتيجة الغمّ أو الضغط النفسي المزمن الذي يسبب إفراز الكورتيزول الذي يثبّط إنتاج التلوميريس ومن ثمّ التلوميرات. فكثرة وجود التلوميريس يطيل عمر الانسان (مصحوباً) ، وليس دائماً، بالسرطان وقلّة وجودها تؤدّي إلى (تقليص) الخلايا العملاقة – تي T فبهذا تقوى الخلايا السرطانية من ناحية وتسبب (القلّة) مرض القلب التاجي وهشاشة العظام وغيرها من الأمراض من ناحية أخرى، فيقصر عمر الانسان.. وللتعامل مع هذه المشكلة وللحفاظ على التلوميرات أكثر ما يمكن، يجب التخلّص أوّلاً من الغمّ المُزمن أو الكآبة الدائمة بقدر المستطاع، لتجنّب إفراز الكورتيزول، بعلاج نفسي أو أيّ شيء آخر.
وخلاصة الأمر هي التركيز على الفواكه والخضروات، وخصوصاً الرمّان، العنب ، التفاح، والبروكولي والقرنابيط والفطر والبقوليّات والمكسّرات بأنواعها وهذه كلّها تحوي موادّ قويّة ضدّ الأكسدة. فهي تطيل عمر التلوميرات وتصلّح الخليّة. أما الكح-و*ل والمواد الدّهنية واللحوم الحمراء والغذاء المصنّع بكلّ أنواعه ، فتصبّ في (تقصير) التلوميرات ومن ثمّ الشيخوخة المبكّرة وموت الخليّة. وما يجدر ذكره أنّ تلوميرات الخلايا الجذعيّة يزيد طولها خلال فترة الصوم عن الطعام ولكنّه يبقى ثابتاً إذا كانت فترة الصوم عن الطعام طويلة. والخلايا الجذعيّة هي الخلايا (الأوّليّة) التي تتحوّل إلى أيّ نوع من خلايا الجسم .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.