آراء متنوعة

رصاص الار*ها*ب لم يق*ت*ل حلم (مروة)..

تحسين الشيخلي

في لحظة واحدة، تغير كل شيء.
كانت مروة، طالبة في المرحلة الثالثة من كلية الطب، تلاحق حلمها الأبيض بقلب مليء بالحياة والأمل، حين باغتتها رصاصة غادرة وسط مدينة بعقوبة، استهدفتها هي ووالدها مع سبق الإصرار والار*ها*ب. رصاصة اخترقت جسدها الهش فمزقت الحبل الشوكي وقضت على قدرتها على السير، تاركة إياها جالسة إلى الأبد فوق كرسي مدولب. رصاصات أخرى اخترقت جسدها، حتى غدت بين الحياة والموت، بينما ظلت السماء وحدها ممسكة بخيط حياتها الرفيع.
شاء الله أن تنجو مروة، لكن النجاة كانت بداية معركة أطول وأقسى. ثلاث سنوات من العلاج الطويل، الألم الصامت، والأمل الذي لا يخبو. ثلاث سنوات من مواجهة الإعاقات الجسدية بصلابة الروح. عادت بعدها إلى مقاعد الدراسة، لا لتكمل طريقها فقط، بل لتعيد كتابة قصة الحياة على طريقتها.
تخرجت طبيبة، رغم كل شيء، ورغم أن العراق، الذي أحبته، كان يضع أمامها عقبة أخرى: قانون التوظيف الذي يشترط السلامة البدنية. قاتلت سنتين، ناضلت بأصابع الإرادة وأظافر الصبر حتى انتزعت حقها في أن تكون طبيبة، لا كرسيها ولا جراحها ينقصان من علمها وكرامتها شيئًا.
مروة لم تكتفِ بهذا الانتصار. تابعت دراستها العليا، تخصصت في الأمراض الجلدية، واجتهدت حتى أصبحت اليوم طبيبة استشارية محترمة، رمزًا ناصعًا للعزيمة التي لا تنكسر.
قصة مروة ليست مجرد قصة صبر ولا مجرد حكاية نجاح. هي معجزة يومية، تشهد على أن الإنسان يمكنه أن يعبر محيطات الألم إذا كان قلبه معلقًا بالنجوم. هي درس في الإيمان، في النضال من أجل الحق في الحياة والعمل والحلم.
وقد كانت مبادرة الدكتور رافد اسماعيل، رئيس الجمعية العراقية الطبية في المملكة المتحدة وإيرلندا، باستضافة مروة ووالديها، امتدادًا لهذا الخط النبيل من العطاء والاعتراف. ففي عالم تملؤه الأخبار القاتمة، كان هناك من يضيء شمعة بدلاً من أن يلعن الظلام.
لقد جمعهم اللقاء لا ليكرم مروة فحسب، بل ليكرم الإرادة الإنسانية حين تنتصر على القسوة، ويثبت أن العطاء الحقيقي هو الذي يعترف بالمقاتلين الصامتين الذين لا تصنعهم الأضواء بل تصنعهم الأحلام المضرجة بالألم.
مروة… لا أدري هل قصتك قصة أمل أم قصة حياة أم شيء آخر، شيء لا تسمح اللغة أن تصفه بسهولة. أنتِ حكاية حية تنبت في زمن القنوط، وشهادة على أن الإنسان قد ينكسر جسده، لكن روحه، حين تتشبث بالحلم، تظل تطير.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!