آراء متنوعة

رائحة الطعام التي تعصف بالروح

رائحة الطعام التي تعصف بالروح

أسواق طعام تنبعث منها روائح طيبة وزكية
في مطعم مغربي ببروكلين تناولت طاجين بلحم الغنم وإلى جانبه صحن كس*-ك*سي. الكثرة والسعة ميزتان أميركيتان. لذلك تقدم المطاعم ما يفيض عن حاجة الفرد.

أوروبا بخيلة جدا مقارنة بالكرم الأميركي، ذلك حكم واقعي على الرغم من قسوته، حتى طعام الآخرين في أوروبا هو نوع من التقليد الفاشل أو الاستعادة الزائفة.

في كل منطقة من مناطق نيويورك هناك أسواق للطعام، ينتشر فيها الأميركان القادمون من مختلف أنحاء الأرض؛ الصينيون والفلسطينيون والمكسيكيون والمغاربة والكوريون والفيتناميون وغيرهم.

تدخل إلى السوق فلا تزعجك الروائح. روائح طيبة وزكية. أولا لأن الأطعمة هنا لا تنتمي إلى نوع الطعام السريع والجاهز وثانيا لأن المواد المستعملة في الطبخ جيدة وطازجة.

تتجاور الشاورمة والفلافل مع التاكو المكسيكي والتوفو الصيني والتوكبكي الكوري، وليس مفاجئا أن تعثر على المندي اليمني.

اليمنيون لهم حضور بارز في نيويورك، كنت أبحث عن مقهى قريب من متنزه واشنطن سكوير، فعثرت في الشارع الثالث على واحد، فإذا بي أقرأ بحروف كبيرة جملة “أهلا وسهلا” بالعربية.

كان مقهى يمنيا واسمه “قهوة”. تذكرت حينها ما كان صديقي جارالله الحجاجي يرويه لي عما كان يسميه أميركا اليمنية. لولا ذلك المقهى لبقيت حكايات الحجاجي سجينة سوء الفهم.

أسعدني ذلك الشاب الذي يعمل في المقهى وهو يخبرني أن هناك فروعا لمقهاهم في نيويورك وهمس لي “إن احتجت لأي شيء عمي أنا في الخدمة.”

اليمنيون ما أكرمهم وما أرقى أخلاقهم.

وإذا ما كان الطاجين الذي تناولته في المطعم المغربي قد أعادني إلى ذكريات أول طاجين تناولته في حياتي وذلك في مدينة أصيلة قبل أكثر من ثلاثين سنة، فإن وجبة الفاصوليا التي تناولتها في اليوم التالي بمطعم دومنيكاني قد دفعتني إلى التفكير في زيارة تلك الدولة التي تقع في البحر الكاريبي.

رائحة الطعام تعصف بالروح وتصنع أفكارا متخيلة عن العالم.

أما كان الطعام يُقدم في سوق عكاظ التي كان كبار الشعراء العرب يقرأون قصائدهم فيها؟

يُخيل إليّ أن الطعام يصنع ذائقة الإنسان الأساسية. من غير تلك الذائقة قد لا يتعلم الإنسان شيئا عن تذوق الموسيقى والشعر والرسم وسواها من الصنائع الجمالية.

كتبت التشيلية إيزلبيل الندي التي اشتهرت بروايتها “بيت الأرواح” التي حولت إلى فيلم رواية بعنوان “أفروديت” هي عبارة عن وصفات للطعام.

مَن يقرأ تلك الرواية لا بد أن يتأكد من أن تاريخ الشعوب يمكن كتابته من خلال التعرف على طرقها في صناعة غذائها. “امش نصف ساعة بعد الغداء” تلك وصية صرت مع تقدم العمر أفهم أسبابها لذلك حرصت دائما على ألّا أشرب اللبن مع الطعام فهو من أشد المنومات تأثيرا.

يشرب العراقيون لبن أربيل مع الكباب فتنتهي مقاومتهم ويستسلمون للنوم بدلا من أن يمشوا.

فاروق يوسف
كاتب عراقي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!