الحق في الخطأ – مصطفى العيساوي
الخطأ طبيعة بشرية يتصف بها البشر، ولأنها طبيعة البشر؛ فقد كان العفو والغفران من الله مُتاحاً بل وأسماء حسنى من أسمائه المقدسة وروي عن نبينا الأكرم )ﷺ) قال: “إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(
بيد ان الثقافة في مجتمعاتنا صادرت الخطأ من الإنسان منذ بواكير عمره، ولا يقصد بالخطأ بمفهومه الواسع وهو الإتيان بأفعال إجرامية أو غيرها التي تتعدى على حقوق البشر في الحياة، إنما الخطأ الذي يعتبر المحاولة الحتمية للنجاح للوصول إلى افتراض ما يعتقد أنه هو الصحيح حتى يثبت أنه غير ذلك، ولبيان المفهوم الدقيق “للحق في الخطأ” نتناول في هذا المقام معناه اللغوي الاصطلاحي الشطر الاول وموضعه من القانون المدني العراقي في الشطر الثاني.
اولاً: مفهوم الحق في الخطأ لغةً واصطلاحاً
الحق في اللغة: هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، والحق مصدر ( حق الشيء ) يحق ويحق بكسر المهملة والحق ضد الباطل والأمر المقضي والعدل والإسلام والمال والملك والموجود والثابت والصدق والموت والحزم، وجمع الحق حقوق وحقاق. وفي الاصطلاح: عُرِفَ بتعريفات عديدة فمنهم من عرفه بترجيح المصلحة بأنه “مصلحة محمية تسهر على تحقيقها والذود عنها قدرة إرادية” ومنهم من عرفه بترجيح الإرادة بأنه ” قدرة إرادية أُعطيت لشخص على سبيل تحقيق مصلحة” ومنهم من استبعد فكرة المصلحة والارادة وأتى بفكرة الاستئثار المعبرة عن التملك وأحاط بعناصر الحق وعُرِفَ بأنه ” الحق استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحمية”
أما الخَطَأُ في اللغة يعني: العدولُ عن جِهةِ الصَّوابِ، يقال: أَخطَأَ يُخطِئُ: إذَا سَلَك سَبيلَ الخَطَإِ عَمْدًا أو سَهْوًا، وأصلُ (خطأ): يَدُلُّ على تَعَدِّي الشَّيءِ، والذَّهابِ عنه . وفي الاصطلاح: هو أن يقصد الشخص بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده او هو ما ليس للإنسان فيه قصد مثال ذلك (يظن شخصاً أن الحق في جهته، فيصادف غير ذلك).
ويعرف الحق في الخطأ بأنه: “حق الإنسان في أن يُخطئ دون أن يتعرّض للعقاب أو الانتقاص من كرامته، ما دام خطؤه لا يُسبب ضررًا جسيماً للغير أو لا يُشكّل خرقًا واضحًا للقانون”.
ثانياً: موضع الحق في الخطأ في القانون المدني العراقي
يلتبس على الكثير خلطاً شائعاً بين “الحق في الخطأ والمسؤولية عن الخطأ”إذ لكلّ منهما مفاهيم وأحكام لها أسانيدها من القانون.
فالمسؤولية عن الخطأ هو مبدأ قانوني مكرّس في القانون المدني العراقي قوامه عدم الإضرار بالغير، حيث تنص المادة (204)من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ على ” كل تعد يصيب الغير باي ضرر…يستوجب التعويض”
ليخرج من نطاق النص السالف ذكره الخطأ الذي لا يترتب عليه ضرراً، بقدر ما يُحرك العقل على التفكير من أجل تلمُّس السبل الصحيحة للوصول إلى الحقيقة، ويجد ذلك سنده في أحكام العقد بموجب المادة
(١١٨/ ٣)من القانون المدني العراقي التي نصت على “…اذا وقع غلط في امور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط ان يعتبرها عناصر ضرورية للتعاقد”.
حيث ان الحقُّ في الخطأ من ركائز الحق في الاختلاف، والحقُ في الاختلاف ركيزةٌ أساسيةٌ تنعكس على المجتمع، وان الإنسانُ كائنٌ يصيب ويخطئ، والخطأ طريقُ التطور والتكامل؛ لأن كلُّ مَنْ يفكر يخطئ، ومَنْ لا يفكر لا يخطئ، وسلب هذا الحقَّ من الإنسان يتحول المجتمعُ إلى كائناتٍ متماثلةٍ متطابقةٍ، تفتقرُ إلى ملامحها الشخصية المتنوّعة والمختلفة، وتختفي صورةُ الفرد في المجتمع، ويصير الناسُ كأنهم روبوتاتٌ متشابهة، وهذا ما تتأسّس عليه وتفعله وترسخه كلُّ الأنظمة الشمولية المستبدّة.
صفوة القول: أن الخطأ هو وسيلة الصواب ، وأن الإنسانُ لا يتحررُ من الخطأ غالبًا إلا بعد وقوعه فيه، وإدراكه له،ومَنْ يمتلكُ شجاعةَ الاعتراف بهِ وتقبله يمتلكُ القدرةَ على تغيير ذاته.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.