آراء متنوعة

وداعاً للسلاح.. حزب العمال بين متغيرات الواقع وخيار السلام

في تحولٍ تاريخي غير مسبوق، أعلن حزب العمال (PKK) تخليه عن الكفاح المسلح بعد عقودٍ من الصراع الدموي الذي أرهق الجغرافيا والسياسة في المنطقة.

يأتي هذا القرار في ظلّ متغيرات دولية وإقليمية عميقة، وتطورات تكنولوجية قلبت موازين الحروب وغيرت أساليب المقاومة، إضافة إلى جهود سياسية حثيثة لإقناع الحزب بجدوى السلام وعبثية الاستمرار في دوامة العن*ف.

لقد بات واضحاً أن السلاح لم يعد وسيلة فعّالة لتحقيق المطالب القومية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب لغة الحوار والانخراط في العمل السياسي ضمن أطر الشرعية والقانون.

كان لنداء زعيم حزب العمال الكوردستاني عبدالله اوجلان الاثر البارز في رضوخ قادة الحزب الحاليين الى صوت العقل وكان أحد أبرز العوامل الاخرى التي دفعت باتجاه هذا القرار هو التطور المتسارع في التكنولوجيا العسكرية وازدياد فعالية تقنيات الحرب الحديثة، وعلى رأسها الطائرات المُسيّرة والصواريخ الذكية وأنظمة الاستخبارات المتقدمة…

هذه التحولات قلّصت من فعالية الحركات المسلحة التقليدية، حيث أصبح من الصعب على الجماعات المسلحة أن تنجح في خوض حرب عصابات ضد جيوش تمتلك تفوقاً استخباراتياً وتكنولوجياً هائلاً.

إضافة إلى كل ذلك، فإن الأجواء الدولية أصبحت أقل تقبلاً للحركات المسلحة، خاصة بعد تصاعد مفاهيم “مكافحة الار*ها*ب” إذ بات من السهل اتهام اي حركة تحررية بالار*ها*ب

هذا الى جانب التزام المجتمع الدولي بمعايير صارمة في التعامل مع الحركات التي تتبنى العن*ف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية.

فالمجتمع الدولي بات يفضّل الحلول السلمية والدبلوماسية في حل النزاعات العرقية أو السياسية، وهو ما شكل ضغطاً إضافياً على حزب العمال الكوردستاني لإعادة النظر في استراتيجيته.

ولا يمكن إغفال الأثر الإنساني العميق الذي خلفته سنوات القتال. فقد دفع المدنيون في المناطق الجبلية ثمناً باهظاً نتيجة العمليات العسكرية المتبادلة، وذاق الآلاف مرارة التهجير، والاعتقال، والتهميش.

ومع ازدياد الأصوات الكوردية، المطالبة بوقف نزيف الدم واعتماد النضال السلمي، أصبحت فكرة استمرار الكفاح المسلح عبئاً أخلاقياً ثقيلاً على الحزب.

لعبت القيادة السياسية في إقليم كوردستان دوراً محورياً في الوصول إلى هذه المرحلة المفصلية للحفاظ على ارواح شباب الكورد التي باتت تزهق في حرب غير متكافئة.

فمن خلال قنوات الحوار غير المعلنة والجهود الدبلوماسية، وظف الإقليم علاقاته الإقليمية والدولية، لتأسيس مرحلة سياسية جديدة قوامها الحوار والانفتاح، بعيداً عن السلاح .

قرار حزب العمال الكوردستاني بالتخلي عن السلاح لا يعني نهاية القضية الكوردية في تركيا، بل يشكل بداية جديدة لمرحلة قد تكون أكثر واقعية ونضجاً، تقوم على النضال السياسي والدبلوماسي وفتح قنوات الحوار مع الدولة التركية والمجتمع الدولي.

وقد يُعيد هذا القرار الزخم للقضية الكوردية من خلال إبراز الوجه المدني للشعب الكوردي ومطالبه العادلة في إطار من الحقوق والحريات الأساسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!