هل ينجح ترامب في طي ملف نتنياهو القضائي
هل ينجح ترامب في طي ملف نتنياهو القضائي
لا صوت يعلو على صوت ترامب
التدخل في الشؤون الداخلية يُقصد به تدخل دولة أو منظمة دولية في شؤون دولة أخرى دون أن يكون هناك سند قانوني يسمح لها بذلك. والهدف من هذا التدخل هو إلزام الدولة التي تم التدخل فيها باتباع سياسة معينة في شؤونها الداخلية، كما يهدف إلى تقييد حرية الدولة والاعتداء على سيادتها واستقلالها.
هذا المفهوم يتنافى كليّا مع حالة تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين مارس ضغوطا على الجهات النافذة ذات العلاقة بهدف محو القضايا الموجّهة ضد رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي بنيامين نتنياهو أمام المحاكم الإ*سر*ائي*لية. ذلك يُعد سابقة غير معهودة، إذ جوبه مطلب ترامب برفض صريح من قبل المشرعين والأحزاب المعارضة في إس*رائي*ل، واعتبروا ذلك تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الإ*سر*ائي*لي. وقد عبّر زعيم المعارضة يائير لابيد عن ذلك بقوله “إس*رائي*ل دولة مستقلة، ولا يوجد سبب للتدخل في نظامنا القضائي.”
هناك أصوات تتعالى من داخل إس*رائي*ل تُحذّر من أن العبث بالمنظومة القضائية هو بداية لتفكك الدولة واضمحلالها. فلا شك أن القضاء يُعد من الأمور الأساسية التي تسعى الدول المستقرة والأنظمة الحقيقية إلى ترسيخ أركانه وتعزيز مكانته. فساد القضاء هو انعكاس لفساد النظام السياسي، فالنظام السياسي الفاسد يبحث عن قضاء فاسد يشبهه، كي يغطي على جرائمه، ويبرّئ نفسه، ويخلي مسؤوليته من أيّ تهمة. ومن خلال الواقع المعيش، تُستخلص هذه الفلسفة التي تحكم طبيعة القضاء وأصوله.
السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تختلف عن سياسات أيّ رئيس أميركي دخل البيت الأبيض قبله. هناك جوانب غامضة في شخصيته، وتُشعرك في بعض الأحيان أن قراراته تُصنّف ضمن خانة العبث السياسي. فمجرد مطالبته الجهات النافذة في إس*رائي*ل بإلغاء محاكمة نتنياهو، يُشبه وكأنه يعيش في غابة هو ملكها، وما تبقى من سكانها عبيد ينفّذون أوامره بلا تردد.
◄ ترامب وصف نتنياهو بأنه “بطل حرب”، وأضاف أن رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي “قام بعمل رائع بالتعاون مع الولايات المتحدة من أجل التخلص من التهديد النووي الخطير لإيران”
لقد اعتاد ترامب اتخاذ قرارات مفاجئة وغير محسوبة، كما حدث عندما نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بسيادة إس*رائي*ل على الجولان، ضاربا بعرض الحائط المؤسسات الدولية التي تفصل النزاعات وقت الحرب وتُنظّم الحلول بعدها. فما الذي تبقّى لتلك المؤسسات من دور؟ لقد جاء ترامب ليُلغي ما هو قائم، ويتدخل في شؤون الدول بطريقة لا تليق برئيس دولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية.
وقد فرضت إدارته مؤخرا عقوبات على أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، لمشاركتهم في إجراءات ضد إس*رائي*ل والولايات المتحدة. وقررت منعهم من دخول الأراضي الأميركية، ومصادرة أصولهم فيها. وهذه الإجراءات تُستخدم عادة ضد مسؤولين ينتمون إلى دول تُصنّف بأنها “معادية”. وتشتد الهجمات على تلك المؤسسات عندما تتعارض قراراتها مع رغبات الولايات المتحدة، أو تقترب من حليفتها إس*رائي*ل، لتصبح أشكال الانتقام مشروعة، في إطار وجه جديد للحرب ضد المنظمات الدولية، التي لا تسير في ركب واشنطن.
إذن، فإن المحاكم الإ*سر*ائي*لية تترقّب ما ستؤول إليه قرارات ترامب، الذي هدّد بقطع المساعدات عن إس*رائي*ل إن لم تمتثل لمطلبه. لكن قد يكون هذا التهديد أداة ضغط على المحاكم الإ*سر*ائي*لية والجهة التشريعية “الكنيست”، فيما يبقى مدى جدية ترامب في تنفيذ تهديده محل شك، لأن وقف المساعدات يتطلب قرارا من الكونغرس الأميركي، وهو أمر يصعب تمريره.
خلاصة القول: لم تعد هناك مؤسسات دولية تتمتع باستقلاليتها في عهد ترامب، وامتد هذا التأثير حتى إلى حليفته إس*رائي*ل. فبعد أن كانت إس*رائي*ل تتحكم في بعض قرارات الولايات المتحدة، انقلب الوضع اليوم وأصبح العكس هو الحاصل.
وعندما يُطالب ترامب بإلغاء كل ما يتعلق بالتهم الموجهة إلى نتنياهو، يبقى السؤال: هل هذا حرص منه على الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية لإس*رائي*ل، التي تخوض حروبا على أكثر من جبهة؟ أم أن الأمر مرتبط بقرار صادر من الدولة العميقة في أميركا؟
في تقديري، قد يكون للدولة العميقة دور في ذلك، خصوصا في ظل فوضوية قرارات ترامب، وعلاقته الشخصية بنتنياهو، وموقف الأخير من حرب إيران. فقد وصف ترامب نتنياهو بأنه “بطل حرب”، وأضاف أن رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي “قام بعمل رائع بالتعاون مع الولايات المتحدة من أجل التخلص من التهديد النووي الخطير لإيران،” وأشار إلى أن نتنياهو بصدد التفاوض على صفقة مع حركة ح*ما*س لطي هذا الملف نهائيا، مقابل ضمانات بعدم محاكمته والزجّ به في السجن، إلى جانب ضمان استعادة الرهائن.
هذه الأسباب مجتمعة دفعت ترامب للمطالبة بإلغاء محاكمة نتنياهو. وأخيرا، إذا نجح ترامب في فرض مطلبه بعدم محاكمة نتنياهو، فإننا نستطيع القول بثقة إن إس*رائي*ل، القوية بمؤسساتها، بدأت تتآكل من الداخل.
فتحي أحمد
كاتب فلسطيني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.