هل ينجح ترامب في طرد المهاجرين؟ – أيمن زهري
يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العائد إلى الساحة السياسية بخطاب متشدد ضد الهجرة، تحديًا ضخمًا يتمثل في تنفيذ وعده بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة. تشير التقديرات إلى أن عدد هؤلاء يتجاوز عشرة ملايين شخص، وهو رقم يعكس تعقيدًا هائلًا في معالجة ملف الهجرة ليس فقط من ناحية إنفاذ القانون، بل من حيث التداعيات الاقتصادية والإنسانية والسياسية أيضًا.
في حملته الأخيرة، تعهّد ترامب بترحيل نحو مليون مهاجر سنويًا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الحد الأقصى لما تم تحقيقه خلال سنوات رئاسته الأولى. وبافتراض أن هذا الهدف قابل للتحقيق – رغم الشكوك القانونية واللوجستية – فإن طرد أكثر من عشرة ملايين مهاجر سيستغرق عشر سنوات على الأقل، مع ما يتطلبه ذلك من موارد بشرية ومالية ضخمة، وأماكن احتجاز وترحيل واسعة، وقدرة قضائية شبه مستحيلة التنفيذ. حتى في أكثر فترات إدارته الأولى صرامة، لم تتجاوز عمليات الترحيل 267 ألف حالة سنوياً، وهو ما يوضح الفجوة الهائلة بين التخطيط والتنفيذ.
لكن الأثر الأكبر قد لا يكون في عدد الذين يتم طردهم، بل في تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي. تشير دراسات متعددة إلى أن المهاجرين غير النظاميين يساهمون في قطاعات حيوية كالبناء، والزراعة، والخدمات، وأن فقدان هذا العدد الهائل من الأيدي العاملة قد يؤدي إلى نقص حاد في سوق العمل وارتفاع في تكاليف الإنتاج، وحتى تهديد سلاسل الإمداد في بعض القطاعات. هذا بالإضافة إلى أن الإنفاق الحكومي على عمليات الاعتقال والمحاكمات والترحيل، يُقدّر بمليارات الدولارات، في وقت تعاني فيه الميزانية الأمريكية ضغوطاً متعددة.
ترحيل المهاجرين قد يؤثّر أيضاً على صورة الولايات المتحدة باعتبارها ملاذاً للمهاجرين والساعين للفرص، حيث ستتحول الصورة إلى دولة تنتهك حقوق الإنسان إذا ما تم تطبيق سياسات الطرد الجماعي على نطاق واسع، خاصة في ظل حالات معقدة تشمل أسرًا مختلطة، أو أطفالًا مولودين على الأراضي الأمريكية. سياسات الهجرة في عهد بايدن، رغم أنها لم تُحدث تحولًا جذريًا، كانت تميل إلى موازنة إنفاذ القوانين المتعلقة بالهجرة مع الحفاظ على “بعض” حقوق الإنسان من خلال التركيز على تسريع البت في طلبات اللجوء وتعزيز الحماية المؤقتة لفئات معينة.
أما ترامب الأول والثاني، فيطرح رؤية تتسم بالتشدّد والإقصاء، وتلغي العديد من مسارات الإقامة القانونية، كما يسعى لتقويض مبدأ اللجوء ذاته من خلال تسريع المحاكمات وتوسيع عمليات الاحتجاز. في الوقت الذي قد يُرضي فيه هذا الخطاب جزءًا من قاعدته السياسية/النتخابية، فإنه يضع الولايات المتحدة في مواجهة مع قيَمها كمجتمع مهاجرين، ويهدد تماسك نسيجها الاجتماعي على المدى الطويل.
د. أيمن زُهْري
*** يحظر النشر أو الاقتباس دون الإشارة للمصدر ***
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.