مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء / الخدمات الاساسية (الارتكازية ) الحلقة التاسعة

الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
الخدمات الاساسية ( الارتكازية ) /الحلقة التاسعة

خاص/ مانكيش كوم

الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي

سأحاول في هذه الحلقة عرض التطور التاريخي للخدمات الارتكازية الاساسية في بلدة منكيش،وهي تتمثل بما يأتي:

الماء:
اعتمد سكان منكيش في الماضي مثل غيرهم من سكان القرى والمدن الاخرى على الينابيع أو الانهار لتلبية أحتياجاتهم من الماء ،فالطبيعة الغنية بالمياه التي تحيط بمنكيش ساعدت سكانها في الحصول على المياه اللازمة للاستخدامات البشرية والحيوانية والنباتية منذ القدم.وكانت طريقة نقل الماء من الينابيع للاستعمالات البيتية بواسطة(الزق) وهو عبارة عن كيس مصنوع من جلد الحيوان ،وأيضا استخدمت الجرات لنفس الغرض وبالذات لنقل الماء لاغراض الشرب ،وكانت هذه الجرات تحملها النساء على اكتافهن .

أما حصول الماء لاغراض الغسيل ، كانت النساء تتجمعن عند موضع في بساتين القرية الشمالية ،حيث يجري ماء الينبوع الكبير من مكان مرتفع على شكل شلال صغير عرف محليا ( خرخيرا ) وبعض الاسر تذهب الى ينابيع المياه الاخرى المنتشرة حول منكيش أو الى النهر الموسمي،وذلك لغسل الملابس والفرش المنزلية والاستحمام بعد تدفئة الماء بطرق تقليدية عن طريق أشعال الحطب في الموقد الذي يُبنى مؤقتا من الحجارة.

ظلت هذه الحالة قائمة ألى أن تولت الدولة مسألة تقديم خدمات المياه النقية للمواطنين في مطلع الستينات فمدت أنابيب أسالة الماء من الينبوع الكبير الى البلدة بعد خزنها وتنقيتها في خزان من الكونكريت ،وقد أُنشأت لهذا الغرض ثمان حنفيات في ساحات البلدة القديمة لتشترك فيها عدة أسر من المحلة السكنية،فبدأت الاسرة تدفع فاتورة الماء الشهرية بمبلغ حددته البلدية بشكل متساوٍ للاسر المستفيدة من هذه الخدمة ،واستمرت عملية نقل الماء من هذه الحنفيات الى البيوت بواسطة الصفائح ” التنك ” ، كانت العوائل تحصل عليها من أصحاب الدكاكين البقالية بعد أن يبيع البقال محتواها من الدهن النباتي، بينما ظل ألأهالي يستعينون بالينابيع ذات الماء العذب لاستخدامات الشرب ،،فترى حينها في المساء يحملن الفتيات ما بوسعهن من الجرات والصفائح لنقل الماء ألى البيوت ،ومن أشهر هذه الينابيع المُعتمد عليها(كورنكا )وعين( رابي كورئيل)الواقعتان جنوب القرية.

وفي سنة 1974 جهزت البلدية انابيب اسالة الماء الممتدة الى كل بيت ،فاصبح بأمكان كل أسرة منكيشية الحصول على الماء النقي وبسهولة ،ولزيادة كمية الماء لتغطية أحتياجات ألأهالي حفرت البلدية ثلاث آبار أرتوازية في سفح ألجبل لتضاف مياهها الى مياه الينبوع الكبير لتلبية الحاجة المتزايدة للماء ،وثم تدريجيا بدأت البلدية حفر آبار اخرى ،وذلك لانحسار الامطار والثلوج في المنطقة حيث تعتمد الينابيع في مياهها المتدفقة على مدى سقوطها.وقد أسهم هذا التطور في توفير الماء للسكان في تغيير نمط المعيشة لتحولها من الحياة التقليدية ألى الحضرية ،وثم رفع المستوى الصحي للاهالي لحصولهم على الماء النقي للاستعمالات البشرية ،ووفرت ألوقت الكافي والجهد للمرأة التي كانت تصرف وقتا طويلا في توفير الماء للاستعمالات البيتية المختلفة ،وتبذل جهدا عضليا مما كان يؤثر على صحتها العامة وبالذات على  المفاصل .

ألأضاءة :
أعتمد سكان منكيش في الماضي على الوسائل التقليدية في ألاضاءة ليلا، فاستخدموا وسيلة بسيطة وهي ( الفتيلة ) المعروفة محليا ( شرايا ) مصنوعة من الصوف ،وبعد طمسها في الدهن الحر تشعل فتضيىء قليلا ،وثم بعد ذلك كانت تطمس في النفط بعد وصوله الى منكيش وبكميات قليلة جدا ،ولم يكن بمقدور كل أسرةِ الحصول عليه.

في مطلع الثلاثينات دخلت الفوانيس والمصابيح النفطية الى منكيش واستطاعت الاسر الحصول عليها تدريجيا، ففي البداية كانت مقتصرة على بعضها ،كما باشرت البلدية باضاءة الطرقات ،فوضعت الفوانيس في صناديق مجيمة في تقاطع الطرقات أو في رأس الزقاق ،حيث كلف مؤظف من البلدية بأضاءتها عند غروب الشمس وألى شروقها يأتي لأطفائها، ومن الذين أُسندت هذه العملية اليه (أبلحد ميخو من آل داوذ ) ألذي عمل في البلدية أيضا جابيا لمبالغ فاتورات الماء.

وفي سنة 1972 أُستحدثت خدمات ألأنارة الكهربائية وبذلك دخلت منكيش طورا جديدا في هذا المجال ،حيث وصلت الطاقة الكهربائية الى كل بيت وأُنيرت الطرقات ،فودعت ألمصابيح ألنفطية وحل محلها ألمصابيح الكهربائية ،واصبح لوجود هذه الطاقة مردودات أجتماعية وأقتصادية وصحية ونفسية ،فوفرت الراحة النفسية والبدنية لافراد الأسرة لاستخدامها في الاجهزة المنزلية المتنوعة التي دخلت الى منكيش تدريجيا ،كالغسالات والثلاجات والمكواة ،حيث وفرت هذه الأجهزة ألراحة لربة البيت بعد أن كانت تبذل جهدا كبيرا بدونها ،وأتاحت الفرصة المريحة والصحية للطلبة لأكمال واجباتهم المدرسية دون بذل اي جهد بصري كما في السابق ،ومع وجود الكهرباء دخل جهاز التلفزيون ألى البيت المنكيشي وثم ألستلايت في السنوات الاخيرة ،مما كان لهذه الاجهزة أثر كبير في التغيير الاجتماعي والسلوكي لسكان البلدة.

خدمات النقل:
اعتمد الانسان في السابق في التنقل ونقل الاشياء الخفيفة على جهده العضلي مثل نقل الماء كما ذكرنا سابقا ،ونقل بعض المنتجات الزراعية من الحقول فكانت ألمرأة تنسج لها كيس يسمى (برزونة ) وتضعه على ظهرها لتنقل به المنتجات الزراعية من الحقل  ،أما لنقل البضائع الثقيلة كالمنتوجات ألزراعية مثل الحنطة والرز واستخدامات التجارة والتنقل لمسافات طويلة  أستعان الانسان المنكيشي كما هو سائد آنذاك في المجتمع التقليدي بالحيوانات،ومنها البغال والحصان والحمير . كما أستخدم المنكيشي هذه الحيوانت لنقل الاشخاص من القرية وألى قرية باكيري لكي يستقل السيارة والسفر الى دهوك لقضاء حاجات أساسية وبالذات الصحية ،حيث كان طريق دهوك  – عمادية مبلط تبليطا فنيا وعليه توفرت المركبات المارة من قرية باكيري المار منها الطريق المعبد .

وفي نهاية الخمسينات فُتح الطريق الفرعي باكيرات – منكيش ،فبدأت المركبات تدخل الى منكيش من ذلك الحين.

وقد نالت السيارة أعجاب الناس ودهشتهم منها لاول مرة كما حدث لاهالي بغداد عندما أدخل الانكليز السيارة لاول مرة اليها في الحرب العالمية الاولى سنة 1918 ،حيث بدأوا يعاينوا من تحتها لمشاهدة الحصان الذي يسحبها. بدأ المنكيشيون أقتناء السيارات بنوعيها الخصوصي والاجرة وبالذات الذين عاشوا منهم في المدينة،وكثيرا ما عمل أصحاب سيارات الاجرة (التاكسي ) لنقل المسافرين من منكيش والى دهوك ،أو من منكيش وألى بغداد ،ومن الذين امتلكوا سيارت ألاجرة (خوشو حنا داوذ ) و( داود مرقس رابي ) و(يوسف عيسى مرخو ) و ( وداوذ جنو ) و (وردة بولس مقدو ) الذي استشهد وهو في طريقه الى دهوك ومَن معه من المسافرين في بداية الستينات من قبل قطاع الطرق ،و( يوسف توما مقدو)،وأزداد عددهم يوما بعد يوم فأصبح اليوم أغلب الاسر المنكيشية تمتلك سيارة أو سيارتين .

وقد بدأت المركبات الكبيرة (اللوريات ) تدخل البلدة منذ أنشاء الطريق المبلط فاستخدمت لنقل البضائع من المنتوجات الزراعية وبضائع البقالين من المدن والى دكاكينهم في منكيش ،وقد أشتهر عند المنكيشيين في الستينات صاحب اللوري (مجيد حجية ) من أهالي الموصل فاصبح مألوفا ومعروفا لكل المنكيشيين لاستمراره وتكرار رحلاته من منكيش والى الموصل،وعرف ايضا سائق اللوري (سيد طه )من اهالي الموصل .

ومن ذلك الحين وفرت المركبة الجهد الكبير لسكان البلدة ،فبدلا من قطع مسافات طويلة لأغراض التجارة ،فأن السلع تأتي الى بيوتهم بيسرِ،ِ وبالمقابل قل استخدام الحيوانات في النقل وانحسر في نقل المنتجات الزراعية من الحقول ،فقلما ترى اليوم الحمير أو البغال في منكيش .

خدمات الهاتف والبريد :
لم تكن وسيلة الاتصال الحديثة معروفة في الماضي سواء مع خارج منكيش أو بين ألأهالي في داخلها ،كان الخبر يصل الى القرية من الخارج عن طريق مرسل خاص من الجهات الرسمية ،وفي الداخل أستعان الأهالي بشخص يساعد المختار سمي (كزيرايا ) لنقل الاخبار وتبليغات المختاراليهم ،ومن المعروف في الخمسينات في هذه الوظيفة التقليدية ( شمعون كزيرايا ) في عهد المختار حنا ميخو صنا، وايضا المنادي ( ميخو يوسف ).

دخلت وسيلة الاتصال غير البشرية الى منكيش لاول مرة في الثلاثينات من القرن الماضي بعد أستحداث الناحية،وكانت عبارة عن تلفون خاص في مركز ألشرطة ،وبعد ذلك تأسست بدالة تقليدية يدوية سَهََلَت عملية الاتصال مع دهوك والموصل وأستخدمها الاهالي مقابل مبلغ معين ،وقد خصصت غرفة لنصبها في دار (متي حنا اوسو ) بالقرب من المستوصف القديم ،ومن القدامى المنكيشيين الذين عمِلوا فيها هما ( عيسى حنا قلو – رابي عيسى) و(شابو ميخو قاشا – أبو غائب ).

وفي سنة 1980 تاسست البدالة الالكترونية الجديدة وتكونت من 100 خط فاصبح بامكان السكان الاتصال باية جهة يرغبون بها حول العالم وسحبت بعض العوائل خطوطا هاتفيا لها ,وأما حاليا بمقدور أية اسرة امتلاك خط الهاتف ،علاوة على انتشار الهواتف الخلوية وباحدث موديلاتها وتصاميمها وأصبحت في متناول كل فرد .

أما خدمات البريد كان تطورها ملازما لتطور خدمات الهاتف ففي نفس اليوم الذي قُدمت خدمات الهاتف بدأت خدمات البريد تقدم الى أهالي منكيش ،فأصبح بامكانهم تبادل الرسائل مع أبنائهم وذويهم المقيمين في مختلف مدن العراق وبالاخص في العاصمة بغداد .

..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!