مقالات دينية

ما الهدف من الصوم والصلاة

الكاتب: fr. mumtaz
 
ما الهدف من الصوم والصلاة
 
         غالباً ما نقراء أو نسمع لماذا نصوم؟ ومن ماذا نصوم؟ وهل من هدف لصومنا او صلاتنا. سنحاول من خلال هذه الاسطر القليلة، التوصل الى الاجابة الملائمة على الاقل للفهم والادراك من أن الصوم له هدف مهم في حياتنا. أعتماداً على بعض النصوص الانجيلية، الجواب الذي يخطر على بالنا دائماً، نقول: بما أن المسيح صام في البرية وإنقطع تماما عن الاكل والشرب، اذن نحن ايضاً نمتنع عن الأكل والشرب، كل هذا من اجل المصالحة مع الله. لكننا عندما نفكر في جوهر الصوم، إنه ليس من المهم جداً التركيز على الاكل، بقدر تركيزنا على الشعور بوجود الله الاهم في حياتنا، وهنا من خلال الصلاة ونحن صائمين نستطيع ان نتجاوز كل الصعوبات والتجارب كما فعل يسوع المسيح نفسه في البرية، اذ بصلاته وصومه تغلب على التجارب، بالرغم من صعوبتها؛ في وقت ضعفه وجوعه وعطشه وبحاجتة الى الاكل والشرب، يقول “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان لكن بكل كلمة تخرج من فم الله” متى 4: 4.
         قد يكون من المناسب جداً أن نتحدث عن الصوم والصلاة في آن واحد لأنهما متحدان معاً، لذا ينبغي على كل مؤمن مسيحي أن يصلّي في كل حين كما يتبن لنا في الانجيل لوقا: “وقال لهم أيضاً مثلا في أنه ينبغي أن يصلي كل حين ولا يمل”لوقا 18: 1 – 8. الصلاة والصوم يشتركان معاً في التذلل والتضرع الى الله لقبول طلبتنا ومن ثم الغفران لما ارتكبناه من سوءٍ ضد الاخرين. بهذا يقوددنا الروح القدس كما قاد يسوع للبرية.
        نقرأ ايضاً في انجيل  لوقا  مثل الفريسي والعشار في هذا النص “وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل. إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا واحد فريسي والآخر عشار. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع واعشر كل ما اقتنيه. وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلًا اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أقول لكم أن هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع”  لو 18: 9-14.
        فكرة النص هذا، من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع، هي أن ننتبه عندما نصوم أو نصلي ان لا نقع في مشكلة التكبر والغرور، والتباهى بصلاتنا وصومنا أمام الاخرين، وأيضا امام الله. يجب علينا ان نتضع ولا نتكبر بما نفعله ونقوله، كما اظهره الفريسي أمام الله، النموذج اللائق الذي يدعونا اليه يسوع هو أن نصبح كالعشار الذي يُحني رأسه الى الارض ويقول “اللهم ارحمني انا الخاطئ”. بهذا نستطيع ان نفهم وندرك القيمة والمعنى الحقيقي للصوم والصلاة في حياتنا.
        الصوم ليس فقط بالذهاب الى الكنيسة، أو التباهي أمام الاخرين لكنه الشعور بالاخر، والالتزام بمحبته والعطاء الدائم للانسان المحتاج. فهو نكران الذات من اجل الاتحاد بالمسيح يسوع مخلصنا، والتكامل بمساعدة الاخرين ان كانت مادية او معنوية. بهذا التكامل نقدم أنفسنا أمام الله بكل ما فينا من طاقات روحية و جسدية، لنكون بالفعل شهوداً للمسيح يسوع نشاركه الالامه باتحادنا الكامل به خلال هذه فترة الصوم المباركة.
         يؤكد لنا الكتاب المقدس بان الصوم له بعدين أساسيين: البعد المادي والبعد الروحي. في البعد المادي: على الانسان يمتنع عن الاكل والشرب وبالتالي عن الخطيئة كما ذكرنا سابقاً. والبعد الروحي ان يتحلى بفضيلة المحبة ومن ثم التجدد الدائم بامتلاكه قلب رحيم وتواضع بلا حدود امام الله الفائق رحمة وجمالاً وعظمةً. فيبقى الصوم كجواب لما قاله الله في الكتاب المقدس «ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ» سفر يوئيل 2: 12-13.
         الصوم الحقيقي هو الذي ينبع من داخل قلب الانسان لانه الاساس كل شيء، وليس بالمظهر الخارجي كما يقول يسوع “وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانيةً” (متى 6: 17). الله يقبل صوم الانسان، بالصلاة وبقلب صادق وأمين وبتواضع امام الله وأمام نفسه وليس للاظهار امام الاخرين. الاب هو الذي يرى اعمال الانسان وافعاله، بعلاقة آب بابنه المحب، حيئذ يكافئه علانيةً.
        فالهدف من الصوم هو كسر الخبز للجائع والاحساس والشعور به، وهو إيواء المسكين، والتقاسم بكل ما نملكه، والا لن يبقى معنى لصومنا هذا عندما نشعر بجوعنا، ولا نشعر بجوع الاخرين. ويبقى الهدف الاسمى  عندما نتحد مع الاخر بالمحبة والمسامحة والغفران بافكارنا وعقولنا. اذ نقرأ في سفر إشعياء 58: 6) أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. ألَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ..»
        اذن الصوم هو مشاركة الاخر إن كانت بمقاسمة الخبز أو بالمحبة والتعاون ومن ثم المسامحة والغفران. فالمسيح في حياته وتعاليمه، لم يحدد لنا الصوم، متى، وكيف، وفي أي وقت بالتحديد. ما فعله بخصوص الصوم  والصلاة، نراه يوبخُ الاخرين على شكلية صومهم وأيضاً صلاتهم، فالصوم ليس في الشكل او المظهر الخارجي وايضاً الصلاة ، لكنهما يركزان على جوهر اللانسان، المكان الغير الظاهر والمخفي. يقول يسوع: “وأما أنت فمتى صليت فادخل الى مخدعك، واغلق الباب وصلي الى أبيك في الخفاء وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” متى 6: 5 . فصلاتنا تكون قوية وفعالة عندما تكون في المخدع، أي في مكان الراحة والسكون، أما الصوم فيعطيها قوةً مضاعفة، لمقابلة الله في الخفاء والاستمتاع بحضوره.
الاب ممتاز عيسى قاشا
روما ـ 3/2/ 2015
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!