"مؤامرة" المدرسين
مؤامرة جديدة أبطالها من يطلقون على أنفسهم جزافاً الكوادر “التربوية” -عن أي تربية يتحدثون؟-، لا هدف لها سوى تعطيل العملية التربوية في وقت حرج جداً حيث انطلقت في هذا الشهر (نيسان) وهو فترة التحضير للامتحانات النهائية وتحصيل المعدل السنوي.
نعم هي مؤامرة وليست مطالب شرعية ولا مشروعة ولا منطقية فهذه الشريحة الوظيفية الوحيدة التي لديها عطل سنوية تتراوح بين أربعة إلى خمسة أشهر سنوياً، وهي الوحيدة التي لا يصل دوامها إلى ست ساعات يومياً بخلاف جميع موظفي الدولة، وليس لديهم بصمة حضور ولا أي ضوابط مثل باقي الموظفين، كما أنهم الشريحة الأقل عطاءً -باستثناء المخلصين لمهنتهم منهم وأهم أقلية ضئيلة جداً-، وبرأيي كل من أعلن الإضراب عن الدوام منهم يجب طرده من الوظيفة.
هؤلاء المضربون عن التدريس وليس عن الدوام هم أنفسهم الذين بسببهم نضطر نحن ذوي التلاميذ والطلبة إلى دفع رواتب شهرية للمدرسين الخصوصيين لتدريس أبناءنا وبناتنا لكون هؤلاء يتعمدون “التسخيت” والإهمال في إيضاح المناهج الدراسية للتلاميذ والطلبة لدفعنا إلى اللجوء إليهم، أما العائلة الفقيرة التي ليست لديها إمكانية الدروس الخصوصية فليذهب أبنائها وبناتها إلى جحيم الجهل بسبب هؤلاء.
المدرسون ليسوا فقط أقل الموظفين عطاء وأكثر تعطيلاً، بل هم أيضاً الشريحة الوحيدة التي تعطل الدولة دوامهم لأتفه الأسباب ومنها تقلبات الطقس، فإذا كان المطر غزيراً تم تعطيل دوام المدارس، إذا اشتد البرد تم تعطيل دوام المدارس، إذا ارتفعت درجات الحرارة تم تعطيل دوام المدارس، إذا تلقت إحدى الجهات السياسية أوامر داخلية أو خارجية تم تعطيل دوام المدارس، وبالمحصلة النهائية نجد أن المدرس يجلس في بيته أكثر مما ينخرط برسالته العظيمة التي لا يستحق حملها بكل صراحة -أغلبهم وليس جميعهم-.
بأي حق يطالب هؤلاء “المتآمرون” امتيازات إضافية إلى جانب امتيازاتهم الحالية التي لا يستحقونها، في حين أن موظف البلدية يحصل على أقل راتب وهو صاحب الفضل عليّ أنا وعلى هؤلاء “المتآمرين” في تخصلينا من قذارتنا ونفاياتنا ولولاه لغرقت بيوتنا وشوارعنا بالأزبال والقذارة؟، بأي حق يتساوى هؤلاء مع موظف الموارد المائية الذي يؤمن ليّ ولأطفالي وأهلي وبلدي أساس الحياة؟، أية عدالة هذه التي تجعل من هؤلاء أفضل وأعلى دخلاً من موظف وزارة السياحة الذي يسوق الصورة الحضارية والجميلة عن بلدي إلى الخارج؟، أي ظلم هذا الذي يجعل شريحة “التسخيت” هذه على قدم المساواة مع شرطي المرور الذي تصليه شمس الصيف بجحيمها، أو الجندي الذي يغيب عن عائلته لثلاثة أسابيع وهو في أي لحظة معرض للموت على يد الار*ها*بيين؟، أي مساواة في الرواتب يطالب بها هؤلاء؟!.
ثم السؤال الأهم والأبرز، لماذا الإضراب والتظاهرات فقط في محافظات وسط وجنوب العراق؟، هل باقي المدرسين في المحافظات الأخرى يعيشون في نعيم يختلف عن غيرهم؟، بل لماذا الإضراب في مناطق محددة من جانب الرصافة ببغداد بينما الكرخ الدوام طبيعي؟، ثم لماذا أبرز قادة هذا الإضراب “التأمري” من جهة سياسية معروفة وسبق أن كان قائداً لتظاهرات المحاضرين المجانيين في الدورة البرلمانية السابقة؟، ثم لماذا هذا التوقيت والتحشيد للإضراب والتظاهرات مع قرب الانتخابات؟!.
عادة كل شريحة وظيفية أو عمالية تتخذ من نقابتها أو النخبة التي تمثلها وسيلة لتحقيق مطالبها، لكن الغريب أن المدرسين في “مؤامرتهم” هذه أعلنوا رفضهم لنقابة المعلمين العراقيين واعتبروها جزءً من المشكلة فما هو السبب رغم أنها نقابة منتخبة من قبلهم؟!.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.