مقالات دينية

لماذا نَسّبَ الكتاب المُقَدس هذهِ الكَلمات إلى الله ؟

لماذا نَسّبَ الكتاب المُقَدس هذهِ الكَلمات إلى الله ؟

بقلم / وردا إسحاق قلّو

كلنا نعلم بأن الله روح بدون جَسَد ، فالإنسان الذي يعيش في الجيد هو الذي تليق به صفاة كهذه ( غضَبَ ، ضَحَكَ ، تَعبَ ، إستراحَ ، ندمَ … وغيرها ) فلماذا ينَسّب الكتاب المقدس مثل هذه الكلمات إلى الله رغم كونها تعابير إنسانية ! وما هي غاية كاتب هذه الكلمات التي تتناقض حتى مع بعض الآيات التي تصف الله بصفات تليق به كروح مُنَزّه لهذا يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله ( لا يكل ولا يعيا ) ” أش 28:40″ أما صاحب المزامير فيقول عنه ( لا ينعس ولا ينام ) ” 4:121 ” لكن في آيات أخرى يصفهُ وكأنه إنسان يحتاج إلى الراحة ، فيصفهُ في هذه الآية ، قائلاً ( وبارك الله اليوم السابع وقدسهُ ، لأنهُ استراح فيه من جميع أعمال الخلق ) ” تك 2: 2-4 ” . فهل لله جسد لكي يتعب لهذا يحتاج إلى راحة . أم المقصود بإستراحَ هو بأنهُ أنهى العمل وأكملهُ . علماً بأن الله لا يبذل جهداً في عمل الخليقة لكي يحتاج إلى إستراحة ، بل كل شىء خلقهُ بكلمة ( كُن ) فكان كل ما أرادهُ .

وهكذا يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله يحزن . ولماذا يحزن ؟ فيقول الكتاب ( ورأى الرب أن شَّر الإنسان قد كثرفي الأرض ، وأن كل تصّورفِكر قلبه يتسم دائماً بالإثم ، فملأ قلبه الأسف والحزن لأنه خلق الإنسان ) ” تك 6:6 ” نلاحظ هنا بأن الله قد حزِنَ وتأسفَ . فهذه التعابير إنسانية دَوَنها كاتب السفر لكي يصل بالفكرة إلى مستوى عقل الغنسان فإستخدم نفس التعابير البشرية لكي يفهم الإنسان المقصود .

وفي سفر يونان النبي نقرأ هذه الآية ( فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعهُ بهم فلم يصنعهُ ) ” يون 10:3 ” الندم هنا ليست بالمعنى الحرفي ، بل تعني بأنهُ تراجعَ عن قراره وأعفاهم وهكذا وضحَ لنا النبي أرميا أيضاً ( طالع أر 11: 7-10 ) فالندم يعني العدول عن المرفق الأول بسبب توبة الإنسان وكما حصل في نينوى عندما أعلنوا توبتهم . كذلك هناك أقوال أخرى كتابية مماثلة فالنبي صموئيل وَضّحَ لنا بتعبير أدق ، قائلاً ( لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنساناً ليندم ) ” 1 صم 29:15 ” .

أما عن الله ( يضحك ) . فنقرأ أيضاً في العهد القديم علماً بأننا في العهد الجديد لم نقرأ عن الرب يسوع الذي حمل جسدنا بأنهُ قد ضحكَ يوماً أو أبتسم أو تمرض . في العهد القديم ذكر صاحب المزامير مرتان بأن الله يضحك ففي ” مز 4:2 “ ( تأمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحهِ قائلين لنقطع قيودهما ونطرح عنا رباطهما . الساكن في السموات يضحك ) . وفي ” مز 37: 131 ” ( الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه . الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت ) وهنا المقصود بالضحك هو إستهزاء الرب من خطط الشيطان فيبطلها بعدله لهذا سيعاقب الشرير وينصف الصديق المؤمن بهِ ( طالع أم 26:1 ) إذاً هذه كلها تعابير مجازية غايتها لكي نفهم قصد الله ، وعلينا أن نعلم بأن الله لا يحزن ، ولا يندم ، ولا يضحك ، ولا يبتسم مثلنا .

نعم تعب الله وجاع ونعس وعطش وبكى مثلنا عندما كان ظاهراً في الجسد . فهنا يتحدث الكتاب عن شخص يسوع الإنسان فكان يجب أن يشبه الإنسان في كل شىء عدا الخطيئة .

أما عندما نُسّبَت هذه التعابيرإلى الله الغير المتجسد فلا بد أن تعطي معنى آخر . فالنبي إشعيا يُعَبّر عن الله وكأنه اللسان الناطق له ، فيقول ( لكنك إستخدمتني بخطاياك وإتعبتني بآثامك ) ” أش 24:43 ) أن الله هنا يشكو أنه تعبَ من خطايا الناس وآثام شعبه ! أن الله قدوس يكره الشر ولا يطيقهُ ، ولعل هذا التعبير يكشف عن مدى كراهية الله للشر والخطيئة التي تفصل الإنسان عن الله فتجلب عليه غضب وتأديب الله له .

كما أن الله يتعب من الإنسان بسبب عبادته السطحية ، وبروده الروحي ، فلهذا لا يستطيع الإنسان بروائح الذبائح التي يقدمها لله أن يرضيه ( طالع أش 1: 11-20 ) . الله يتعب بسبب عدم إيماننا كما تعب يسوع من عدم إيمان الشعب اليهودي فزجرهم بقولهِ ( أيها الجيل الغير مؤمن حتى متى أحتملكم ) ” مت 17:17 ” وهكذا بسبب قِلّة الإيمان ومقاومة الروح القدس والتجديف له ( مت 12 ، أع 51:7 ) ومقاومة الإنسان للروح القدس نتعب الله الإنسان يسير نحو الهلاك ولأن الروح القدس هو الذي يحرق الآثام . كما أن الله يتعب من كل عمل شرير ، ومن كل كلمة فيها المعثرة للآخرين ، ومن الشتيمة ، والكذب ، والنفاق ، وإدانة الآخرين ، وغيرها التي تحزن الروح ، وتحرّم الإنسان من الحياة الأبدية ( طي 16:1 )

ختاماً نقول : علينا أن لا نأخذ الكلمات التي نقرأها في الكتاب المقدس والتي تنسب إلى الله بحرفيتها لأن الغاية منها هي لتقريب فكر الإنسان المحدود وفهمه لفكر الله اللامحدود . لهذا يجب أن نفهم تلك الكلمات من سياق الآية ، والغاية التي يريد الروح أن ينقلها لنا بهذه الصورة لكي تقربنا من الله والله منا . و ( لأنه من عرف فكر الرب فيعلمهُ ؟ وأما نحن فلنا فكر المسيح ) ” 2 قور 16:2 ” .

ليتمجد إسم الله

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن  ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!