مقالات دينية

قداسة (خوسيه سانشيز ديل ريو) من وجهة نظر خاصة!

الكاتب: سيف ماجد عزيزة
اليوم الذي كان ينتظره الكثيرون من محبي الام تيريزا، وانا احدهم، قد لاح فجره في الافق. فقد اختار البابا المح*بو-ب فرنسيس يوم الرابع من سبتمبر 2016 ليكون اليوم الذي فيه تعلن قداسة تلك الراهبة التي قضت سنين عديدة وهي تنظر الى وجه الرب يسوع من خلال رؤيتها لوجوه افقر الفقراء والمرضى في شوارع كالكاتا.الشئ الذي يميز مناسبة تقديس الام تيريزا عن الكثير من مناسبات تقديس العديد من القديسين والقديسات السابقين واللاحقين هو انها احدى المرات القلائل التي يقدس فيها شخص معروف على المستوى العالمي, لدرجة انه خلال تصفحي لوسائل التواصل الاجتماعي،لاحظت استغراب الكثيرين من الناس في مداخلاتهم وتعليقاتهم على خبر اعلان قداسة الام تيريزا لظنهم انه لا يمكن  لشخص مبجل ( Venerated) بقدر تبجيل الام تيريزا في مختلف الجماعات الكاثوليكية حول العالم ولم يعلن قديسا بعد. لا بل ان اراد شخصا ان يبحث عن معنى كلمة مبجل ( Venerated) في موقع غوغل, فان موقع غوغل سيعطي معنى الكلمة مع المثال التالي: “ان الام تيريزا مبجلةً كقديسة” من اجل المساعدة في فهم كيفية استعمال الكلمة. بالاضافة الى البابا القديس يوحنا بولس الثاني, من الصعوبة ان نجد شخصا ذو وجه مالوف عالميا واعماله وحياته معروفة لكل المسكونة قبل ان يتم تقديسهم كالام تيريزا.  في نفس اليوم الذي حدد فيه الفاتيكان موعد تقديس الام تيريزا، تم تحديد اربعة تواريخ اخرى من اجل اعلان قداسة اربعة قديسين اخرين. على الرغم من ان الاربعة الاخرين لا يملكون الشهرة العالمية التي تملكها الام تيريزا، ولا بد لنا ان نتداول اعمالهم والدروس من حياتهم فيما بيننا.لطالما هنالك اشياء رائعة يمكن تعلمها من اشخاص عاشوا حياة بطولية. سأنظر في السطور التالية في حياة احد هؤلاء الاربعة ، الطوباوي خوسيه سانشيز ديل ريو.لماذا خوسيه بالذات؟ ربما لانه الاصغر عمرا بين الخمسة الاخرين الذين حددت تواريخ تقديسهم حيث كان يبلغ من العمر 14 عاما عند وفاته. او ربما بسبب الرابطة التي شعرتها تجاه خوسيه بسبب طبيعة عملي كمعلم في المدارس الثانوية حيث ان جميع طلابي ينتمون للفئة العمرية القريبة من عمر خوسيه. او ربما لان الشر الذي عانى منه خوسيه هو نفس الشر الذي عانى و يعاني منه المسيحيون من مدينة الموصل(مسقط رأس والدي ) والقرى القريبة منها قرابة السنتين حتى الان.قبل سنة من الان، حظيت بفرصة التعرف على الطوباوي خوسيه ديل ريو خلال قداس في كنيسة القديس بنديكت اللاتينية في تورونتو. وعندها كان الاب الساليسياني ( من رهبنة القديس بوسكو) يتحدث في موعظته عن الخجل والتخوف والاهمال لهويتنا المسيحية والذي يعاني منه الكثيرين في هذا الجيل، واننا نعيش في زمن يعتبر فيه الشخص المؤمن “مختلف” و “غريب الاطوار”. في اثناء الموعظة، ذكر الكاهن مثال الطوباوي خوسيه،الصبي الكاثوليكي المؤمن صاحب الـ 14 ربيعا، و الذي ولد وعاش في المكسيك قبل حوالي 100 عام والذي تم اعتقاله من قبل الحكومة المكسيكية المعارضة للايمان الكاثوليكي في ذلك الحين. فقد تم سجن وتعذيب خوسيه واقتياده الى المقبرة.حيث أروه قبرا محفورا معدا له و اعطوه خيار انكار ايمانه المسيحي من خلال قول جملة” الموت للمسيح الملك” لكي يطلق سراحه و يعود الى بيته و عائلته او الموت. حينها صرخ ابن الـ14 عاما صرخته الشهيرة ” Viva Cristo Rey” يعيش يسوع الملك، ونال اكليل الشهادة في الحال.على الرغم من اننا قد نتفق مع ما قاله ذلك الكاهن الساليسياني حول الخجل والاهمال الذي ينتاب الكثيرين من هويتهم المسيحية هذه الايام ، الا انه يجب علينا ان نبقي شمعة الامل والتفائل مشتعلة. فالذي حدث للجماعة المسيحية في الموصل قبل سنتين ستذكره الكتب كأحدى اروع القصص البطولية لمسيحيي الشرق الاوسط في التاريخ الحديث. فحينما استولت الميليشيات الاسلامية المتشددة المعادية للمسيحية والمعروفة بد*اع*ش على المدينة، اعطوا الجماعة المسيحية الخيارات التالية: انكار الايمان المسيحي واتباع الدين الاسلامي،البقاء على الدين المسيحي مع دفع الجزية ( و هي ليست الضرائب المعروفة في الغرب كما يدعي البعض) وكلنا نعلم ان ذلك لن يضمن سلامتهم ، أو الرحيل عن المدينة فقط بثيابهم التي يلبسونها ( ترك بيوتهم و اموالهم وكل ما يملكون)،او البقاء والموت. إلا أنما قامت به الجماعة المسيحية، والتي تقدر بعشرات الالاف لن ينسى ابدا. فقد رحلوا عن مدينة آبائهم وأجدادهم  جميعا تاركين كل شئ و لم تسجل حالة انكار ايمان واحدة. ان رواية مسيحيي الموصل الداعية للتفائل تجعلنا ندرك ان قصة الطوباوي خوسيه هي ليست كقصص الف ليلة وليلة من الماضي السحيق والتي ليس لها علاقة بحاضرنا.ان الجزء البطولي في قصة حياة الطوباوي خوسيه ليست فقط في الطريقة التي استشهد فيها،وانما ايضا في الطريقة التي عاشها. القصة تروي بأن خوسيه طلب من أمه بالحاح بأن توافق على ذهابه وانضمامه الى الجماعة الكاثوليكية الثائرة ضد الحكومة الطاغية المعادية للكاثوليكية والتي منعت الناس من ابسط الحقوق الايمانية كالذهاب للكنيسة والاشتراك بالذبيحة الالهية ، حقا.. كلما اتذكر بأن خوسيه مات فقط لانه اراد ان يُمنح الحق في الذهاب للكنيسة في ايام الاحد،ادرك كم محظوظين نحن الذين نتمتع بهذا الحق وأن الطاغية الوحيدة المعادية للكاثوليكية التي تمنعنا هي كسلنا في ايام عطل نهاية الاسبوع واهمال ايماننا.عندما قرأت عن صاحب الـ 14 عاما وعن ورعه بايمانه وشعوره بالمسئولية تجاه قضية من قضايا العدالة الاجتماعية في زمنه ، تذكرت العهد الذي اخذته عندما اصبحت معلما في مديرية تورونتو للمدارس الكاثوليكية والذي ياخذه كل مدرس كاثوليكي بأن يعمل على نشر القيم الكاثوليكية ، بالاضافة الى المناهج التي يدرسها بين الطلاب وخاصة ان اعمار الطلاب الذين أقوم بتدريسهم هي مقاربة لعمر خوسيه. هذه القصة تمنحني الثقة في ان القيم الكاثوليكية التي نعلمها للطلاب هي الخطوة التي يحتاجونها ليضعوا اول قدم في طريق القداسة.لكن، من خبرتي الشخصية،استطيع ان اقول بأن قيادة الطلاب لطريق القداسة يتطلب تدخل اناس اخرين أهم كثيرا من المعلمين. فلو امعنا النظر في قصة حياة خوسيه سنعرف بالتأكيد من هم هؤلاء الاشخاص. عندما القي القبض على خوسيه و أودع السجن، حاول المسؤولين عن حبسه و تعذيبه تشجيع امه على زيارته يوميا متأملين انه برؤيته لدموع والدته سوف يحن ويضعف ايمانه وينكره لكيما يخرج و يعود مع والدته الى البيت. ولكن ، و بمساعدة عمه الكاهن، كانت الام تخبئ القربان المقدس في الطعام التي تجلبه له. بعض من شهود العيان يذكرون بأن خوسيه كان يبحث عن القربان ، يحمله بيديه ويركع و يتناوله بكل خشوع. بالحق ، كيف يمكن لشخص ان يضعف ايمانه عندما يملك عائلة كعائلة خوسيه.لقد اختار البابا فرنسيس يوم السادس عشر من اكتوبر 2016 ليكون اليوم الذي يعلن فيه قداسة الطوباوي خوسيه سانشيز ديل ريو. من باب الصدفة هو يوم عيد ميلادي ايضا. بعد بضع سنوات من الان ، عندما تأتي ابنتي التي ولدت حديثا لتفاجئني بكعكة عيد ميلادي في الـ 16 من اوكتوبر، سوف يكون عندي قصة جميلة لاخبرها بها… يعيش يسوع الملك .  ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!