مقالات دينية

الطائفية / وجهة نظر مسيحية

الكاتب: المطران سعد سيروب
 
الطائفية وجهة نظر مسيحية

المطران سعد سيروب
ما معنى الطائفة؟ وما هي الطائفية؟ يمكن تعريف الطائفة على انها ذلك الكيان الاجتماعي الذي يملك عدداً ومؤسسات وأبنية وأوقاف وشعارات وعادات. وجودها ضروري، ولكنها تفقد صفتها ووظيفتها إذا لم تعبّر عن حياة دينية أصيلة، هي في جوهرها سعي الجماعة إلى الله وطاعة محبته ومحبة أعضائها بعضهم لبعض ولكل إنسان من دون استثناء. ومن هنا، أريد أن أُحدّد بأن الطائفية، من حيث هي موقف روحي، هي أن يُعطى للكيان الاجتماعي الطائفي، أهمية بحدّ ذاته، بغض النظر عما يفرض أن يعبر عنه هذا الكيان من معان دينية، من حياة روحية الله مصدرها ومرجعها. انها التوقف عن المظهر الاجتماعي للكنيسة واهمال رسالتها الأصيلة المميزة. انها اعتبار الكنيسة تكتلاً اجتماعيا في الأساس يقوم تجاه تكتلات أخرى، لا يميزه عن الهيئات الاجتماعية كافة سوى شعائر فصلت عن مضمونها ولغة أفرغت من معناها. وما حدث في العراق في السنوات الأخيرة، هو ان الطائفة صارت تكتلاً سياسياً تقتسم الحكم وتتوزع الوظائف، وهذا بدوره دعم الموقف الروحي الذي أفرغ الطائفة من معانيها الدينية. ولهذا أريد أن أبين بعض الانحرافات الدينية الخطيرة الذي يؤدي إليه الموقف الروحي الطائفي الذي تغذيه الطائفية السياسية.
الانحرافات الدينية الناتجة من الموقف الروحي الطائفي 1. أفراغ المؤسسة من غايتها الروحية: لقد وجدت المؤسسة الطائفية بالأساس لخدمة المعاني الروحية التي هي مبرر وجود الجماعة الدينية. ليس الغاية منها اعتزاز الطائفة أو تعظيمها، بل خدمة الناس والله. فما الفائدة من كنائس مزينة ومجملة، بلا كهنة أكفاء ومستحقون يعلنون كلمة الله ويبثونها. فمالفائدة من بناء الهياكل، في حين أن لا اهتمام بالانسان وبناءه، بالمسكين والفقير والمهمّش؟ اتجهت المؤسسة الطائفية الى القشر وأهملت الجوهر!؟
2. علمنة الشؤون الكنسية: لقد صارت شؤون الطائفة أموراً يمكن بحثها من منظار اجتماعي أو اقتصادي. هذا يعني البحث في أمور الطائفة وأوقافها ومصادرها من زاوية علمانية مستقلة عن رسالة الكنيسة التي لم توجد الاوقاف إلا لخدمتها.
3. تشويه الهوية المسيحية: ان نتيجة مثل هذا التوجه الطائفي، دفعت الى اعتبار الإنسان مسيحياً لمجرد أنه ولد في طائفة مسيحية. هذا ما يجعل من الهوية المسيحية أمراً اجتماعيا بحتاً ويفرغها من بعدها الدينية الأصيل. الإيمان قضية ثانوية! فقد يشغل شخصاً ما منصباً أو وظيفة في الدولة باسم الكنيسة وهو غير مؤمن بها. وبهذا توضع الكنيسة بين يدي جماعة لا تعترف بالله ولا بكنيسته. فقد يتعايش الالحاد مع الانتماء إلى جماعة لا مبرر لوجودها كجماعة سوى إيمانها الديني. في أحدى روايات الكاتب المصري نجيب محفوظ يعترف أحد الشخوص قائلاً: “إني لا ديني وقبطي معاً، أشعر في أحايين كثيرة بأن بالمسيحية وطني لا ديني، وربما إذا عرضت هذا الشعور على عقلي اضطربت …” (السكريّة، مكتبة مصر 1964، ص 176). ألا يوجد في بلدنا عدد من المسيحيين ينطبق عليهم هذا الاعتراف؟! المنظار الطائفي يتنكر لضرورة الاهتداء الدائم (التوبة)، فيعتبر الإنسان نفسه مسيحياً وقد انتهى الأمر.
4. تسخير الله لخدمة المصالح الانانية: الموقف الطائفي ينحدر إذاً بالله الى مستوى تصورات البشر، ولكنه أيضاً يسخره لخدمة المصالح، لخدمة الانانية الفردية والجماعية. أقصد بالمصلحة الجماعية “كرامة وعزّة الملّة”، والتي تكون على حساب المسيح معلمها وسيدها الذي جاء “لا ليُخدم بل ليخدم وليقدم نفسه فداء عن كثيرين” (متى 20/ 28). وأما المصلحة الفردية فهي أن ينتفخ بعض أفرادها بانتمائه الى كتلة مكرّمة، مهابة، وان يتمكن من الوصول الى الوظائف والنفوذ والجاه.
5. نبذ المحبة الأخوية: لا بد ان تمر علاقتنا بالله بعلاقتنا بالانسان، الذي هو المكان المفضل لتجلي الله. قبول الله يأتي بقبول الآخر. الموقف الطائفي يجعل من الطائفة كتلة منغلقة على مصالحها وأمجادها، ولذا فلا بد لهذه الكتلة في تهالكها وراء المغانم الترابية والمجد الدنيوي من أن تصطدم بغيرها من الكتل المتهالكة وراء المصالح عينها. من هنا يأتي الحق وتنشأ الكراهية. حيث تبحث كل جماعة عن مصالحها رافضة الله والآخرين دائسة على الايمان ومتنكرة للمحبة.
من هنا يمكننا القول، بان الطائفة إذ تؤله ذاتها، تتغرب عن الله وفي آن واحد تتغرب عن الآخرين. يصبح الآخر هو الغريب المجهول وبدلاً من معرفته على حقيقته نلصق به العيوب لا نود الاعتراف بوجودها فينا، فنتهمه بالكفر واللاأخلاقية والاعوجاج.
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!