مقالات دينية

فَأَنا أُريدُ أَن أُعطِيَ هذا الأَخير، كَما أَعطَيتُكَ

فَأَنا أُريدُ أَن أُعطِيَ هذا الأَخير، كَما أَعطَيتُكَ
إعداد / جورج حنا شكرو
لِلأَسف الشَّديد لَقَد تَرَبَّينا وَاعتَدنا على اختِيارِ الأَوَّل وَالأَفضَل انطِلاقًا مِنَ المـُقارَنَةِ المَشروعَة بَينَ بَعضِنا البَعضَ ، وَالَّتي بِجانِبٍ مِنها تَضَعُنا في إِطارِ المـُنافَسَة وَالحَسَدِ وَالغَيرَة وَقَد تَصِل رُبَّما إِلى حَدِّ العُنفِ أَو إِلى الدَّينونَةِ في رَفضِ الآخَر ، فيما مَسيرَةُ نُضجِنا الإِنسانيّ تَأخُذُنا إِلى تَقَديرِ وَاحتِرامِ قُدُراتِ كُلِّ شَخصٍ بِمُفرَدِهِ كَكائِنٍ حُرّ . يَسهُلُ عَلَينا مُلاحَظَةَ مَن الأَنجَح وَالأَبرَع فيما بَينَنا ، وَلَكِن يَصعُبُ عَلَينا تَمييزُ المـَواهِبِ وَتَمايُزَها . هذا الأَمر مَعَ الشُّعورِ بِالنَّقصِ وَما يُرافِقهُ مِن غَيرَةٍ قَد يُؤَدّي إِلى تَحطيمِ الأَشخاص ، وَإِلى الدُّخولِ بِأَزمَةٍ وَصِراعٍ مَع الله ، باعتِبارِ أَنَّهُ المـَسؤول الأَوَّل وَالأَخير عَن خَلقِ كُلِّ إِنسان ، فَيُصبِحُ غَيرَ عادِلٍ وَغَيرَ مُنصِفٍ وَبِالتَّالي لَيسَ إِلَه المـَحَبَّةِ وَالحَقّ الَّذي عَرَّفَنا عَلَيهِ الرَّبَّ يَسوع . لِكَسر هَذا الجِزء الخاطِئ مِن قَواعِدِ تَربِيَتِنا ، يُقَدِّمُ لَنا يَسوعُ مَثَلًا يُشيرُ إِلى المـُشكِلَةَ الَّتي أَتَينا عَلى ذِكرِها ، فَمِن بابِ النَّظرَةِ الأُولى نَجِدُ اللهَ غَيرَ عادِلٍ ، وَإِذا أَمعَنَّا النَّظَرَ نَجِدَهُ أَنَّهُ العَدلُ وَالمـَحَبَّةُ وَالحَقّ .
يا بُنَيَّ ، في حَياتِكَ تُطالِبُ بِحُقوقِكَ على أَساسِ ما عَمِلتَ وَتَعِبتَ انطِلاقًا مِن مِعيارٍ يُقَدِّرُ جَهدَكَ بِإِنصافٍ ، وَهذا شَيءٌ جَيِّدٌ وَحَسَنٌ بَينَ النَّاس ، وَلَكِن لا تَستَطيعُ أَن تُطالِبَ بِحُقوقٍ إِن كانَ المـُعطى لَكَ أَكثَرَ مِمَّا تَستَحِق ، فَقَد باتَ عَلَيكَ أَن تَكونَ بِمَوقِفِ الشَّاكِرِ وَالمـُمتَنّ ، وَرُبَّما تَشعُرُ أَنَّكَ مَديونٌ لِمَن أَكرَمَكَ . هذا هوَ مُفتاحُ مَثَلُ العُمَّالِ في الكَرم . لَقَد أَكرَمَ صاحِبُ الكرِم وَأَعني بِهِ الآبَ السَّماويّ على مَن عَمِلوا أَوَّلًا وَمَن عَمِلوا أَخيرًا ، الإِثنَينِ أَخَذوا أَجرَهُمُ العادِل ، وَلَكِن الآخَرونَ أَخَذوا إِكرامًا مُضاعَفًا عَلى استِحقاقِهِم ، وَأَيضًا باتوا في مَوقِفِ المـَديونِ وَالشَّاكِر . خَطَأُ الأَوَّلونَ أَنَّهُم جَعَلوا مِن أَنفُسِهِم مِقياسًا لِلعَدلِ وَنَسَوا إِكرامَ السَّيِّدِ لَهُم . على وَقعِ هذا المـَثَلِ أَحُثُّكَ لِتَتَمَوضَع في مَكانِكَ الصَّحيح كَمَخلوقٍ وَأَن تَنظُرَ إِلى كُلِّ ما أُعطِيَ كَفِعلِ مَحَبَّةٍ وَنِعمَةٍ مِنَ اللهِ ، لِكَي تَعمَلَ وَأَنتَ مُمتَنٌّ وَشاكِر إِذ صِرتُ لَكَ بِمَثابَةِ الدِّينارِ الَّذي افتَدى حَياتَكَ ، لِتَعرِفَ أَنَّكَ مَح*بو-بٌ مِنِّي لا لِعَمَلٍ عَمِلتَهُ ، فَأَدخَلتُكَ إِلى كَرمي ، وَعَرَفتَ كَرَمي إِذ أُعطي الرُّوحَ بِغَيرِ حِسابٍ . أُشكُر على ما أُعطِيَ لَكَ وَما أُعطِيَ للآخَرين .
لا يَنحَصِرُ مَوضوعُ الحَقِّ وَالعَدلِ عِندَ العَمَلِ وَالمِهنَة ، بَل يَمضي ضُمنَ العَلاقَةِ مَع الله إِلى الدَّعوَة ، فَكَيفَ يَكونُ اللهُ عادِلًا إِذا كانَ قَد مَيَّزَ أَشخاصًا بِدَعوَتِهِ لَهُم ، مِثلَ العَذراءِ مَريَم وَالقِدِّيسِ يُوسُف وَالرُّسُلُ وَآخِرُهُم بولُس ، بِالإِضافَةِ إِلى كُلِّ الأَنبِياء ؟ إِن غَفَلَنا التَّمايُزَ وَتَنَوُّعَ المـَواهِب نَقَعُ بِشَرَكِ اللَّاعَدالَةِ ، وَإِذا نَظَرَنا إِلى تَدبيرِ اللهِ الخَلاصيّ مِن جانِبِ الخَيرِ العامّ ، نَكتَشِفُ أَنَّهُ يَدعو الجَميع وَيَحُثُّهُم لِيَعمَلوا لِخَيرِ الجَسَدِ الواحِدِ كَأَعضاءٍ مُتَمايِزينَ عَن بَعضِهِم البَعض وَأَيضًا مُتَكامِلين . إِنَّ دَعوَةَ بولُسَ لِيَكونَ رَسولًا وَهوَ بِمَثابَةِ مَن عَمِلَ آخِرَ ساعَةٍ في الكَرمِ نَظَرًا لِدَعوَةِ الأَنبِياءِ أَوَّلًا، وَالرُّسُلُ ثانِيًا ، هيَ جَوابٌ قاطِعٌ على أَنَّ اللهَ عادِلٌ وَمُنصِفٌ . أَنتَ أَيضًا مَدعُوٌّ فكُن لله شاكِرًا .
رَبّي يَسوع ، أَنتَ الحُرِّيَّةُ الحَقَّة ، الَّتي بِفِعلِ حِكمَةِ روحِكَ القُدُّوس تُظَهّرُ لِعَقلي وَقَلبي الكَرامَةَ الَّتي مَنَحتَني إِيَّاها . أَنتَ يُنبوعُ العَطاءِ وَالعادِلُ وَالمـُنصِفُ إِذ تُعطي بِكَرَمٍ آخِذًا بِحالِ ضُعفي وَوَهني وَخَطيئَتي ، لِئَلَّا يَغدو عَطاؤُكَ لي دَينونَةً، بَل نِعمَةً تَؤولُ بي لِأَشكُرَكَ لا عَلى الخَيرِ الَّذي أَعطَيتَني إِيَّاهُ بَل عَلى كُلِّ خَيرٍ تَصنَعَهُ في العالَم ، آمين . “s.t joseph

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!