مقالات دينية

صلّوا … أحسنوا … باركوا الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم

الكاتب: وردااسحاق
 

صلّوا … أحسنوا … باركوا الذين يسيئون اليكم ويضطهدونكم
في المسيحية قوانين وشرائع  خاصة وشاذة عن القوانين وشرائع الأديان والمعتقدات الأخرى ، لا وبل لا تتفق مع كرامة الأنسان وقوانين المجتمع . وفي بعض الأحيان لا يفهمها ويطيقها حتى المسيحي المؤمن بأنجيل المسيح لهذا نراه يتعارض وينقد ويتسائل عن صحة تلك العقائد المسيحية المدونة في أسفار العهد الجديد . فمثلاً سألني يوماً زميلي المسيحي وقال : أنا لا أعلم هل بابا روما هو معنا أم علينا ؟ فطلبت منه التوضيح ، فقال عندما نضطهد ونق*ت*ل ونطرد من قبل أعدائنا يطلب من المؤمنين ويقول ، صلّوا لأجلهم ، وأغفروا لهم ، وأطلبوا لهم الرحمة . أليس هذا تشجيعاً للأجرام والمجرمين ؟ كان جوابي له بالقول ، أن المحبة الصادقة في الأنسان المسيحي تكمن في تحمل كل شىء بوداعة وأتضاع ، والمحبة تحتوي وتتحمل كل شىء من عدو الخير لكي ترتفع وتسمو وتكتمل . لهذا أوصانا الرب يسوع في عظته على الجبل . قائلاً ( وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعدائكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا الى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم ) ” مت 44:5″ . وهكذا طبّقَ يسوع قوانين هذه المحبة حرفياً في حياته الأرضية وختمها على الصليب عندما طلب الغفران لصالبيه قائلاً ( يا أبتاه أغفر لهم ) ” لو 34:23″ . وهكذا فعل القديس اسطفانوس عندما صفح لراجميه وصلى من أجلهم قائلاً ( يا رب لا تقم لهم هذه الخطيئة ) ” أع 60:7″ . فعلينا أن نفهم هذا الدرس جيداً ونعلم بأن أعظم أنواع المحبة هو محبة الأعداء ، وأوصانا الرب بذلك قائلاً ( أحبوا أعدائكم ) . هكذا نكون كاملين كأبانا السماوي ” مت 5: 44-48″ . أنه كامل في محبته للجميع وحتى الذين يجذفون عليه ، وعابدي الأصنام ، وكافة الملحدين لهذا يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين ” مت 45:5″ .
نعم يبدو هذا الدرس صعباً على الكثيرين لأنه يمس كرامتهم الزائلة ، لكنهم مطالبون بالعمل به وذلك عندما يكون مستواهم الروحي أعلى من مستوى الخاطئين لأن المسيحي المؤمن هو نور لهذا العالم ويشرق في ظلمة أولئك الخطاة . ولأجل أن يقتنع جميع المؤمنين بهذه الوصايا عليهم العمل بها وتنفيذها حسب التسلسل التالي :
1-    الصلاة من أجل الذين يسيئون الينا ويضطهدوننا . كما فعل الرب على الصليب ، وكل قديسيه الذين ذاقوا كل ألوان العذاب الى أن نالوا أكليل الشهادة . لم نقرأ في سيرتهم كلمة شتيمة أو تذمر أو لعنة أوأنتقام ، بل كانوا أقوياء في الأيمان لأنهم يعملون بأن المنتقم الوحيد هو الله . فما عليهم الا التحمل من أجل الحفاظ على محبتهم الطاهرة فكانوا يتحملون بصبر وشكر أثناء التجربة . وكانوا يصلّون من أجل جلاديهم وسيافيهم وللقادة الذين كانوا يأمرون بتعذيبهم لكي يفتح الله بصيرتهم ويعتنقوا الأيمان المسيحي فيكون لهم الخلاص . والصلاة من أجلهم ليس ضعفاً بل قوة ترفع المصلي المتضع درجة في سلم المحبة .
2-    الأحسان الى المبغضين . أي عمل الخير والخدمة لهم عند الضرورة . ومجاملتهم في أفراحهم ، هكذا نقاوم شرهم بالخير . ونطفىء نار غضبهم وحقدهم بماء المحبة . هذه هي الحكمة المسيحية . وهذه هي أحدى الوصايا في هذا الدرس ( يقول الرب لي النقمة . أنا أجازي … فإن جاع عدوك فأطعمه . وإن عطش فأسقه ، لأنك أن فعلت هذا تجمع نار على رأسه … لا يغلبك الشر ، بل أغلب الشر بالخير ) ” رو 12″ .
وهكذا بالأحسان الى المبغضين يرتفع المؤمن درجة أخرى في طريق محبة الأعداء ، ويقترب من تنفيذ الوصية الكاملة .
3-    باركوا لاعنيكم : هذه هي الدرجة الثالثة في الصعود على سلم محبة الأعداء هكذا سنحافظ في سيرتنا الطاهرة نحو الأمام بعدم معاملتنا لأعدائنا حسب أعمالهم أو أقوالهم . بل نذكر محاسنهم وأيجابياتهم وكل صفة جميلة فيهم لأجل تهدئتهم وكسبهم الى نور المسيحية رغم مواقفهم وكما فعل الرب مع السامرية على بئر يعقوب التي طلب منها الماء وظلت تقاومه وترفضه ، لكنه غيرها لمجرد قوله لها ( حسناً قُلتِ هذا ، قلتِ بالصدق . ليس لي زوج ) ” يو 17:4″ فغيرت نبرة كلامها وأعترفت به قائلة ، أرى أنك نبي . وهكذا كسبها وكسب بسببها كل أهل سوخار .
كذلك يجب على المؤمن أن لا يتذكر النقائص والشتائم والأعمال السيئة الصادرة من مضطهديه لكي لا تثيره فينبت فيه روح الحقد والكراهية والأنتقام . أنهم يعلمون طرق أضطهادهم للمؤمنين ويريدون أن يزيدون الضربات وينتقمون بها لكن عندما يكون رد فعل الصالحين لهم نابع من المحبة والهدوء سيهدئون هم أيضاً لا وبل يخجلون من مواقفهم لأن بهذه الطريقة نضعهم على خد قلبهم ، والقلب يصلح أسلوب صاحبه لكي يفيق ويعترف بالحق . هكذا نغيّر لغة ألسنتهم التي كانت تنطق باللعنة لكي تنطق بالبركة ، وكما قال الرسول ( من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة ) . فببركة لاعنيك أيها المؤمن سترتفع الى الدرجة الثالثة في سلم محبة الأعداء وتقترب من الدرجة الأخيرة .
4-   محبة الأعداء : وهي المرحلة الأخيرة التي بها نصلي لأعدائنا من كل القلب ومن أجل خلاصهم ونخدمهم ونشاركهم في السراء والضراء رغم مواقفهم المشينة . ونمدحهم في حضورهم وغيابهم دون تملق أو ضعف ، بل هو تنفيذ صادق للوصية . وهكذا سنتحدى الى أن نخلق بيننا رابطة المحبة ونرفع ذلك العدو الى منزلة الصديق والمعترف بخطيئته وهكذا نصل به الى نهاية الطريق ونكون سبب في خلاصه وبه نزرع الفرح في السماء والأرض . المحبة إذاً هي أعظم وصية مسيحية ، بل هي الشعار الذي تفتخر به المسيحية ( الله محبة ) فمن يثبت في المحبة متحدياً التجارب والمحن يثبت في الله والله فيه ” 1يو 16:4″  
ختاماً نقول ، أن المسيحية في العالم هي كالروح في الجسد . والجسد بدون روح ميّت . هكذا العالم بدون نور المسيحية سيسوده الظلام فيموت . المسيحيون يعيشون في العالم لكنهم ليسوا منه . فعليهم أن لا يختلطوا في أخطائه . الروح لا يجوز أن يسىء الجسد ، لهذا لا يجوز للمؤمن المسيحي أن يسىء الى ظالميه . لكن الجسد هو الذي يقاوم الروح لكي يعمل لما يشتهيه من خطايا وشهوات نجسة فيحاربه الروح لأنه لا يريد أن يشاركه في الأنغماس في تلك الملذات والشهوات الزمنية . فالمسيحيون أيضاً لا يجوز أن يسيئون الى العالم ، لكن العالم يكرههم لأنهم يقاومون رغباته . الروح تحب الجسد الذي يكرهها ، كذلك المسيحيون يحبون الذين يكرهونهم . الروح أسيرة الجسد ، كما قال الفيلسوف سقراط . لكن الروح تحفظ الجسد . المسيحيون مضطهدون في العالم ( أرسلكم كخراف بين الذئاب ) لكنهم هم الذين يحفظون العالم من الأنزلاق بصلواتهم وطلباتهم وبقدوتهم وأعمالهم الصالحة النابعة من تعاليم وصايا كتابهم المقدس . أنهم نور وملح الأرض .
فعلى كل مسيحي أن يتحمل أخطاء مضطهديه بوداعة وتواضع ليجبرهم الى أحترامه وأتخاذه قدوة لسيرتهم الخاطئة فيصبح سببا في تغييرهم وخلاصهم .
وهكذا نغلب الشر بالخير .
بقلم
وردا أسحاق عيسى

..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!