رسالة مفتوحة من مواطن من إقليم كوردستان إلى السيد عضو
عبدالسلام بەرواری
إلى السيد عضو المحكمة الاتحادية العليا المحترم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب إليكم اليوم لا بصفتي قانونيًا أو سياسيًا أو حتى ناشطًا مدنيًا، بل بصفتي مواطنًا عراقيًا بسيطًا، أبًا وجدًا ومتقاعدًا أمضى عمره في خدمة هذا الوطن، وبنى أسرته على قيم المواطنة، والانتماء، والثقة بالدولة والدستور.
سيادة القاضي،
تنظر اکثر من ملیون و اربعمائة الف عائلة في اقلیم کوردستان الی الجلسة المقبلة لمحکمتکم الموقرة في الایام المقبلة للبت في الشکوی المرفوعة ضد قرار السیدة وزیرة المالیة بإیقاف صرف رواتب موظفي الاقلیم، و ینتظر افراد هذە العوائل ان تصدر محکمتکم الموقرة قرارا ولائیا بإیقاف تنفیذ قرار الوزیرة المشار الیە.
لقد کان قرار عدم صرف رواتب موظفي الاقلیم قبل العید عقوبة غیر انسانیة مست آلاف العوائل في إقليم كوردستان التي باتت تئن تحت وطأة الظلم، والحاجة، والقلق الدائم على مصير أبنائها.
اني أكتب إليكم معبرا عن مشاعر ذلک الاب الذي لم يعد قادرًا على النظر في عيون أولاده وأحفاده دون أن يشعر بالعجز والخذلان. و الزوجة غیر القادرة علی الاجابة علی سؤال طفلتها الصغیرة حول سبب عدم حصولها علی رداء جدید تلبسە في العید کصدیقها. اکتب بإسم شعب لا یقبل الذل و الظلم، شعب ساهم في بناء العراق الجدید و في رسم ملامح عراق اتحادي، دیمقراطي یشعر کل مواطنیە بأنهم ابناء هذە الدولة التي تنظر الیهم بعین راحدة، شعب فشلت کل محاولات إجبارە علی قبول الظلم.
قبل أيام، وفي صباح يوم العيد، جاءني حفيدي الصغير، الذي لا يتجاوز عمره الثماني سنوات، ووقَف أمامي ممسكًا بيده الصغيرة وهو يقول لي:
“أعلم يا جدي أنك لم تستلم مرتبك التقاعدي… لا بأس، لا تعطيني عيدية هذا العام.”
قالها ببراءة مؤلمة، وبرضى لم أتوقعه من طفل كان ينتظر تلك اللحظة منذ أسابيع، يعدّ الأيام، ويحلم بهديته الصغيرة. نظرت إليه وقلبي ينكسر، ليس فقط بسبب العيدية، بل لأنني شعرت لأول مرة أن هناک مسعی لدفع جيل كامل الى القبول بالإحباط بدل الأمل، و بقبول الظلم بدل المطالبة بالعدالة.
سيادة القاضي،
قرار وزيرة المالية بإيقاف تمويل رواتب موظفي إقليم كوردستان لم يكن قرارًا إداريًا عابرًا، بل إخلالًا بمبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور العراقي. لقد تجاوز هذا القرار حدود السياسة، وتحوّل إلى أزمة إنسانية مست حياة الناس في أدق تفاصيلها، من رغيف الخبز إلى دواء الأطفال، ومن فرحة العيد إلى إيجار البيوت. و لکنە لم ینل من صمودهم و دفاعهم عن حقوقهم.
سیدي القاضي.
ان المواطن العادي هنا في اقلیم کوردستان یتسائل: کیف یمکن لموظفة حکومیة، کالسیدة الوزیرة. ان تعطي نفسها الحق في إصدار قرار یخالف في أن واحد: مادة دستوریة و قانونا نافذ المفعول و قرارا واضحا من المحکمة الاتحادیة العلیا؟
إن قرار الوزيرة، وبحسب ما نتابعه كمواطنين، يخالف بوضوح قرارا سابقًا صادرًا عن محكمتكم الموقرة، الذي أوجب صرف الرواتب دون تمييز أو تأخير، او ربط بأي خلاف سیاسي. كما أنه يتعارض مع المادة (121/ثالثًا) من الدستور، التي تمنح الإقليم صلاحياته المالية والإدارية، وتضمن له حقه في التمويل العادل. کذلک یخالف قانون الموازنة الاتحادیة و کل الاتفاقات التي تم التوقیع علیها بین بغداد و أربیل.
ما ذنب الموظف اذا کانت هنالک خلافات لا علاقة لها بە شخصیا؟ ولماذا يُعاقب المواطن في رزقه، بسبب ذلک؟ وما الرسالة التي نوجهها لأطفالنا حين نقول لهم إن مواطنتهم ناقصة، وإنهم لا يستحقون ما يستحقه نظراؤهم في بقية المحافظات؟
سيادة القاضي،
نحن نثق في عدالتكم، وفي إنسانيتكم قبل حكمكم. نعلم أنكم آباء وأجداد قبل أن تكونوا قضاة، وأنكم تُدركون جيدًا حجم الألم الذي يعتصر قلوب الناس حين يُسلب منهم حقهم في حياة كريمة. لذلك نناشدكم، من باب العدالة والضمير، أن توقفوا تنفيذ هذا القرار الجائر، وأن تصدروا حكمًا يلزم الحكومة الاتحادية بصرف الرواتب بشكل منتظم، دون تأخير أو شروط سياسية، وأن تمنعوا تكرار هذا الخرق مستقبلاً. ان شرعیة مؤسسات الدولة تکمن في مدی قدرتها علی حمایة المواطنین و رفع الظلم الملحق بهم/
کلي ثقة، من منظور إنساني بحت، بأنک ستکون في مقدمة زملائک الذین سیتوصلون الی قرار عادل یزیل هذا الإجحاف و یعید الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، وأن ترفعوا عنّا هذا الشعور القاسي بأننا مواطنون من الدرجة الثانية في وطن يُفترض أن يكون واحدًا للجميع.
مع خالص تقديري واحترامي،
مواطن من إقليم كوردستان
أب وجَدّ ومتقاعد
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.