الحوار الهاديء

ردًا على بروفسور الذم والنقد: تحليلك لمواقف البطريرك ساكو غير موفق

د. عبدالله مرقس رابي  

 ردًا على بروفسور* الذم والنقد:

 تحليلك لمواقف البطريرك ساكو غير موفق

د. عبدالله مرقس رابي

   باحث أكاديمي

             شاهدت اللقاء  الذي اجراه تلفزيون اشور مع البروفيسور أفرام يلدز في 22/11/2017 على اثر رسالة الذم والنقد التي بعث بها الى غبطة البطريرك مار لويس بطريرك الكنيسة الكلدانية بعد ما أصدر السينهودس الاخير المنعقد في روما للكنيسة الكلدانية بعضا من التوصيات أو القرارات والتي يبدو أنه لا يتقبلها بدليل ما جاء في أجوبته عن الاسئلة التي طُرحت عليه من قبل المذيع، والحالة النفسية القلقة الانفعالية التي تميز بها أثناء الحديث.

نظرتي العامة عن اللقاء:

 هو عبارة عن سؤال وجه من قبل المذيع الى البروفيسور افرام، حيث سأله: للمرة الثانية تبعث برسالة انتقاد على تصرفات البطريرك ساكو في ادارته للكنيسة الكلدانية، ما هو سبب هاتين الرسالتين؟ وقد بعثهما باللغتين الانكليزية والسورث معللا ذلك ان الاجيال الحالية ما عادت تفهم ما يراد بالسورث. وهذا تصريح خطير من نشطاء في الشؤون الاثنية لشعبنا لمن يتحسرون على بقاء اللغة واحيائها فهو يكشف ان لغة السورث ما عادت وسيلة مشتركة للاتصال الاجتماعي بين أبناء شعبنا لصعوبة استيعاب كلامه ورسالتيه اذا اكتفى بالسورث بدون اللجوء الى اللغات الاخرى.

من المظاهر الاخرى للمقابلة عدم الانسجام في الجواب بطريقة سلسة مفهومة وسياق موحد متسق، فيجد المتلقي الصعوبة في التعرف على ما هو الهدف الذي يرمي اليه من الرسالتين، اضافة الى تداخل كلمات لاكثر من لغة في الحوار، والشيء الذي أثار اندهاشي ان الكلمات التي استخدمها الرجل لا ترقى الى مسؤولية استاذ جامعي، فطالما قدم نفسه بدرجة بروفيسور فلا بد ان اجوبته ومبرراته تنسجم مع هذه الدرجة العلمية، وسيتبين ذلك ادناه .

أما عن الاعلامي، فتبدو ان طريقة طرحه للاسئلة هي تحريضية وتتماشى مع ما يهدف اليه الضيف، بدلا من ان يكون مستقلا ومحايداَ وموضوعياَ في طرحه للافكار. فتجلت تأثيرات الانتماء الايديولجي عند كل من الاعلامي وضيفه. أخيرا، يبدو ان ما بعثه الى غبطة البطريرك مار لويس هو رسالتان وعلى نفس السياق.

التعقيب

والان ساتناول تعقيبي على ما جاء في جواب البروفيسور المذكورعن السؤال الذي طرحه المذيع عن سبب الرسائل الموجهة للبطريرك مار لويس:

(سبب كتابتي الى غبطته، المرة الاولى قلت له أن الطريق الذي تنهجه، هو طريق يقود إلى الانحدار، ليس طريق المحبة والاتحاد والوئام، في المرة الاولى قلت له أنت اب روحي ولست اب دنيوي، فلا تهبط بدرجة كهنوتك الى شيء علماني، ولكن كما رايت، لم اجد أي تغيير في تصرفاته، وكأنما كل جهده ينصبّ، حول: كيف أنا اقيم اسما جديداَ وامة جديدة وبخاصة في بلد لغير بلد اشور).

يتضح من هذه العبارة، ان رد فعله بنصائحه هو انعكاس لما جاء في السينهودس من التوصيات والقرارات للحفاظ على الهوية الكلدانية !! ويأتي ويكرر هذه الكلمات في سياق حديثه ثانية، مما يربكنا في كيفية مسايرة الرد عليه، وعلى كل حال، ساتابع فقرة فقرة من حديثه.

 يقول (لم أجد أي تغيير في تصرفاته)

يبدو أن البروفيسور يعاني من الثقة المطلقة بالنفس، وهذه مسالة غير صحية من الناحية النفسية، بدليل أنه يتوقع وواثق لمجرد رسالتين موجهة الى شخص ومهما يكون من المكانة والمسؤوليات، وحتى أن كان طفلاً أو شاباً، أو جاهلاً أو متعلماَ سيغير من مواقفه وتصرفاته. في حين أن مسألة تغيير المواقف والاتجاهات نحو الظواهر والاحداث هي عملية صعبة جداَ وفقاً لاساسيات علم النفس الاجتماعي، وقد يحتاج الانسان الى تغييرات جذرية ومتابعة مستديمة ودراسة كل المتغيرات لغرض التمكن من زحزحة تفكيره أو موقفه بما هو مقتنع به. وهذه المسالة، اي التغيير تعتمد على ما يتميز به المقصود تغييره من صفات وراثية ومكتسبة، مثلا، الطفل من السهولة تغيير مواقفه، ونلقي صعوبة عند المراهق، وصعوبة عند كبار السن، بينما لا نلقيها عند الشباب، قد تلقي سهولة في تغييرها عند العلماني مقارنه برجل الدين، كما نلقي صعوبة في تغييرها لذوي الخلفية الريفية بينما من السهولة تغييرها عند الحضري. وكما أن مسالة التغيير تعتمد على طبيعة السلوك او الموقف الذي يُراد به التغيير، فتغيير العادات ايسر من التقاليد، والتقاليد أيسر من القيم الراسخة ومنها الدينية مثلا، وهكذا ولا مجال هنا لتفصيلها. والمفروض من بروفيسور في الجامعة أن يتقنها بشكل أو بآخر.

البطريرك ساكو أب روحي ودنيوي

أذا كان في وجهة نظركم ان رجل الدين هو أب روحي فقط، ففي تقديري هذه وجهة نظر قاصرة وصاحبها استاذ جامعي. لانها وجهة نظر لا تستوعب ربط دور رجل الدين بمتغيرات المجتمع وبنائه، لماذا؟

الاكليروسي بأية درجة كهنوتية هو عضو في المؤسسة، وفي نفس الوقت فهو فرد من أفراد المجتمع له ولمؤسسته تفاعل مستمر ديناميكي مع بقية المؤسسات الاخرى التي يتكون منها البناء الاجتماعي، مثل المؤسسة العائلية والسياسية والتربوية والاقتصادية. وهذه المؤسسات كانت في المجتمعات التقليدية متداخلة لايمكن تمييزها، الا انها أصبحت متميزة المعالم في المجتمع المتحضر المعاصر. ووفقاً لمعطيات واساسيات علم الاجتماع، لا يمكن للمؤسسة الاجتماعية أن تعيش منعزلة عن الاخريات والا فانها لا تدوم.

وكل مؤسسة تقدم وظيفة تتكامل مع بعضها لتلبية أحتياجات الافراد في المجتمع. وهذه الوظائف هي ثابتة على مر التاريخ، بينما يختلف الاسلوب في تنفيذها من زمن الى اخر وبحسب تأثير المتغيرات المستجدة، ففي الوقت الذي اندمجت المؤسسة الدينية تماما مع السياسية في الحضارات القديمة، الا انها تغيرت في اسلوبها وعلاقتها تدريجياً نحو الانفصال في القرون الوسطى مع بقاء التدخل المباشر للمؤسسة الدينية في مظاهر الحياة ولكن ليس كما كان في الحضارات القديمة. وبعد عصر التنوير وما تبعه انحسرت التدخلات الكنسية كمؤسسة في الشؤون الحياتية والسياسة واقتصرت على مباركة الاعمال والانشطة وابداء الاراء والنصائح اذا اقتضت الضرورة لفائدة المؤمنين.

ولما كان المجتمع البشري والعقلية البشرية متجهة في القرن العشرين نحو تقليص دور الدين في المجتمع، نرى مع أطلالة القرن الحادي والعشرين الانبثاق مجددا لدوره في المجتمع وباطرّاد كبير بحيث ادى هذا الدور الى نشوب حروب مدمرة، وكما يحدث في الشرق الاوسط واماكن اخرى من العالم نتيجة انبعاث النزعة الدينية مجددا في المجتمع البشري. (وهذه الحالة هي موضوع لدراسات أجتماعية الان)

وكان لشعبنا المسيحي بكل اثنياته في العراق نصيب كبير من تداعيات النعرة الدينية وما نتج عنها من اضطهادات وتهجير وق*ت*ل. والاحداث لا تزال واضحة المعالم للجميع. فماذا تريد من البطريرك مار ساكو يا ترى؟ هل يبقى في صومعته يصلي من أجلنا كما كان الرهبان يصلون في قلاياتهم في الماضي لعله ينجو أبناء القرية من الكوارث؟ أم نريده ان يصلي ومع الجميع ويشاركهم المآسي ويبذل جهوده من أجل تخليصهم منها وبشتى الطرق المتوفرة وبالاخص لو لم يكن هناك البديل، وكما جرى بوضوح بعد غزوة تنظيم الدولة الاسلامية لمدننا وقرانا، حيث اختفت معظم الاحزاب السياسية التي كانت تمثل شعبنا رسمياً ولم نر لها وجود للسعي لانقاذ الشعب، بل بادرت الكنيسة في بذل جهودها بمتابعة ومسؤولية غبطته من أجل المسيحيين في العراق.

دور البطريرك ساكو

ان دور البطريرك ساكو ليس دوراً هامشياً ليُستهان به، فهو يؤدي دوراً لم يكن بحسبان الكثير، فغبطته،لا يسعى، كما زعمت بقلة لياقة، لكي يكون وزيراً او رئيس دولة أو رئيس حزب، بل يدعو وبحسب المناسبة ومن اجل المؤمنين كل من له امكانية لانقاذ الشعب على المستوى الرسمي محلياً واقليمياً ودولياً، إنه يوصي السياسيين ولا يتدخل بشؤونهم، فهل مثلا قوله لدعوة السياسيين في العراق: نريد بناء دولة مدنية تعتمد القانون المدني وتحقيق السلام والاخوّة وقبول الاخر والتضامن ،هل هذا تدخلا بالسياسة؟ وهكذا يُصرح ويدعو الى مثل هذه الدعوات غيره من رؤساء الكنائس، فلا يتعرضون الى الانتقاد، بل يقتصر الانتقاد عليه! مما يدعونا، تناقضكم، الى القول: ان انتقادكم هذا هو تحت تاثيرات ايديولوجية تدفعك وكما تبيّن من اسلوب المذيع وهي ليست موضوعية.

  وهل تعد دعوته وتشجيعه وبل مساهمته في تأسيس رابطة كلدانية ثقافية اجتماعية تدخلا بالسياسة؟ واهدافها واضحة كل الوضوح هي لبناء وتعزيز وترسيخ الثقافة والهوية الكلدانية. وان كان جنابكم يدرك ان دعوته للاهتمام بالهوية والثقافة الكلدانية هي دعوة للتقسيم، فانك متوهم تماماً. فهناك العديد من المستويات الثقافية تؤكد عليه وتطالبه بأن يكون رائداً وراعياً للتراث والحفاظ على الهوية الكلدانية ومنهم اساتذة جامعيين في اوربا وغيرها. فالدعوة للحفاظ على هوية المؤمنين في الكنيسة ليست شأنا دنيوياً ولا تقتصر  على العلمانيين فقط، لأن رجل الدين هو جزء منها ويعيشها ويتطلب منه ممارسة عمله الديني في سياق تلك الثقافة.

البطريرك ساكو باحث

البطريرك ساكو في الوقت الذي هو رجل دين، فانه، باحثُ مثلك ومثل الاخرين، يدرس ويبحث ويطور خبرته ومعلوماته ومعرفته عن الظواهر الحياتية مما يؤدي الى تغيير مواقفه وأرائه عن تلك الظواهر وفقاً للمستجدات المعرفية. وهذه هي من أهم ميزات الباحث العلمي والا هل تريد أن يبقى الباحث متعصباً لرأيه، كما هو للأسف شأنك، ومنغلقاً ومتقوقعاً على ذاته؟ لو كان ذلك لما حصلنا أبدا على التقدم والتغير نحو الاحسن والافضل وبقينا كما هي قبائل الامازون وخط الاستواء على حالتهم يخافون من المرآة والنظر إليها! ارجو مراجعة امكاناتك ومواقفك العلمية من الاحداث والظواهر في مجال اختصاصك فهل هي تلك الافكار التي بدأت بها البحث العلمي؟ بالطبع كلا؟ فلابد هناك تغيير وتطور قد حصل في افكارك. وهذه الاساسية في البحث العلمي اذا لم يدركها القاريء والكاتب الاعتيادي، انما الاستاذ الجامعي مثل جنابكم حتما يدركها لانه يعيشها، فلا أستغراب بأن يغير في افكاره ومواقفه (البطريرك ساكو) حاله حال أي باحث آخر.

أيديولوجية الاصل والتسمية

وأما الايديولوجية المُشار اليها اعلاه والتي تدفعك لانتقاد البطريرك ساكو هي وكما تبين بوضوح عن الاصل والتسمية لشعبنا، وباختصار مقتضب سأوضح رأيي عن هذا الموضوع ،اذ أسهبت عنه بالتفصيل في كتابي الذي صدر في نهاية العام الماضي والموسوم (الكلدان والاشوريون والسريان وصراع التسمية، تحليل سوسيولوجي) بامكانك ان تحصل عليه من فرع الرابطة الكلدانية في اوربا، والا انا مستعد ان ابعثه اليك بريدياً. وبهذا الصدد أوضح الاتي :

البطريرك ساكو لا يُقيم اسماً أو امة جديدة ،لا على أرض آشور ولا على غيرها. غبطته يرى الواقع كما يلاحظ الباحث العلمي الواقع كما هو لا كما يجب، فهو يرى هناك ثلاث أثنيات هم، الكلدان والاشوريون والسريان يعيشون على الارض وينطلق من رعاية الاثنيات وفقاً لمفاهيمه الروحية كأب روحي وليس كسياسي مؤدلج وفق فلسفة حزبه. ففي الوقت الذي يرى هذا هو الواقع لشعبنا النهريني فغبطته لا يتدخل بشؤون الكنائس الاخرى للاثنيات الاخرى تكريساً للنظام وتوخي الفوضى، وفي المقابل لا يستوجب تدخل الاخرين بشؤون غيرهم الا من أجل التعاون والتضامن ضد من يتربص لابادتهم.

البطريرك يسعى لبناء البيت الكلداني

 ومن المنطلق أعلاه يتحرك البطريرك ساكو لبناء البيت الكلداني ويدعو الى تضامنهم أينما كانوا في البلد الام أو في بلدان الانتشار. فرأى من الضروري أيجاد أداة لتحقيق هذا الهدف، فجاءت فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية التي تخص فلسفتها التنظيمية في تحقيق أهداف متنوعة لبناء البيت الكلدان والحفاظ على الهوية الكلدانية اسوة بالاثنيات الاخرى من مسيحي الشرق أذ لكل منها منظماتها التي تدعو الى الحفاظ على الهوية الاثنية لها فما معنى الاعتراض على الكلدان فقط؟ وتأسست بمباركة سينهادوسية كنسية. ولماذا السينهودس هابط برايك، أ لانه يدافع عن هوية المؤمنين التي تستوجب الظروف الحالية لشعبنا ان تُقر من المسؤولين الروحانيين لانهم جزء من أثنيتهم ولهم الحق الدفاع وايجاد سبل الحفاظ على هويتها؟ في الوقت الذي تصف السينهودس هكذا، هناك من يصفه أكثر فاعلية وأجود سينهادوس في الكنيسة الكلدانية لانه في الظروف الحالكة التي تمر فيها الكنيسة مع المؤمنين، يأتي المجتمعون ليقرروا شؤون اثنيتهم والحفاظ عليها مع الاستمرار في واجباتهم الروحانية. فلا أعتراض من الاباء المجتمعين لانهم يناقشون ويقرون ديمقراطياً بحسب قناعتهم. وهذا بحدّ ذاته دحض لتساؤلك، وتثبيت من فمك لموقف البطريرك، والا هل لا تؤمن  بالديمقراطية؟

يقول (فيما يخص جنسي أنا آثوري)

  إن البطريرك أو غيره لا يُلزمك بأن تكون كلدانيًا او سريانيًا او عربيًا او اشوريًا او كورديًا او فرنسيًا. فالانتماء الاثني لا يُقر بقانون أو سلطة ما أو فرض على الفرد، بل الانتماء الاثني هو حصيلة وراثة أجتماعية بسبب التنشئة الاجتماعية التي يخضع اليها الفرد منذ نعومة أظافره، وهي متفاعلة مع دافع الانتماء في النفس البشرية. فالشعور بالانتماء الاثني هو جزء من العمليات العقلية، يساعدنا في فهم ذاتنا وما يحيط بنا، أي أدراك الفرد لذاته، بمعنى آخر وعي الذات لذاتها وما من حولها، فيدرك الفرد أنه كائن أجتماعي له عواطفه وانفعالاته وتفكيره، فالنفس البشرية تتفاعل من خلال المؤثرات الخارجية مع ما هو موجود داخل الذات، ذلك من خلال مظاهر الشعور المتمثلة بالادراك المباشروالاثر المركزي للتنبيه الحسي مع القدرة على الاختيار وثم أختيار علاقة المدرك في العالم الخارجي وقدرته على التاثير فيه. وانطلاقاً من هذه المظاهريدرك الفرد وجود من يحيط به من الاخرين الذين يتميزون أو يتشابهون بنفس الخصائص الاجتماعية والنفسية واللغوية والثقافية الاخرى كما ادرك ذاته، فينجذب للانتماء الى تلك المجموعة البشرية تحت مُسمى واحد لوجود المشتركات بين افراد تلك المجموعة، وهكذا يكون لكل فرد نفس الشعور والادراك، فيتحول الشعور الفردي الى الشعور الجماعي، ومن هنا ينشأ الانتماء الفردي. أو أي انتماء آخر وليس بالفرض قانوناً أو من مؤرخ أو باحث، وهذه العملية الاجتماعية تمر بمراحل متعددة الى ان تترسخ المشاعر الانتمائية في ذهن الفرد، (لايمكن تفصيلها هنا).ومن هذه النظرة التحليلية السوسيولوجية ارى اليوم وجود ثلاث مجاميع بشرية، لكل مجموعة مشاعر انتمائية مشتركة بين افرادها هم الكلدان والاشوريون والسريان. فلا يحق لي اولا او لك او للبطريرك او اي كان أن يفرض عليك او على غيرنا مشاعرنا الانتمائية الاثنية. فما أقره المجتمعون هو لمن يشعر بالانتماء الاثني للهوية الكلدانية ولا يخص او يُلزم الاخرين به. فاذن كما انك مقتنع بانتمائك الاشوري فهناك من هو مقتنع بأنتمائه السرياني أو الكلداني أو العربي أو الكوردي من المسيحيين في الشرق الاوسط.

وستسأل حتماً كيف أنا آشوري ومنتمي الى الكنيسة الكلدانية وكما ظهر في لقائك؟

تقول انا مؤرخ، فهل فاتك بأن الكنيسة الشرقية انتمى اليها مجموعات بشرية مختلفة أثنياً، من العرب والكورد والفرس والتركمان والافغان والهنود والكلدان والاشوريين والسريان؟ فالكنيسة هي أممية جامعة وليست قومية او اثنية، فاذا تقوقعت على أثنية معينة، فتخالف المبادىء المسيحية بالطبع. والمشكلة هنا هي تسميات اثنية لكنائسنا المنشطرة من الكنيسة الشرقية بعد تعدد انتماءاتها المذهبية. كانما الكنيسة الكلدانية تخص الكلدان فقط، والاشورية تخص الاشوريين فقط والسريان تخص السريان فقط. وهذا خطأ تاريخي في التسمية الاثنية للكنائس، فحقها في حمل تسمية اثنية يبقيها، وضمن رسالتها الانجيلية، منفتحة إلى احتضان الاثنيات الاخرى ولكن مع هذا الاعتبار التسموي للكنائس فهل هناك مانع غدا لو انتمى أحد الاكراد أو العرب المسلمين او بوذيا للكنيسة الاشورية أو الكلدانية نقول له لايجوز لانك لست اشوري او كلداني! بالطبع لا يمكنها -الكنيسة- النفي لانها ستخالف وصية الرب. وفعلا هذا ما حدث هنا في كندا وقد انضم من الفرس والعرب والكورد المهاجرين الى الكنيسة الكلدانية ولم تمنعهم وبمعرفتي الشخصية.

أليس الان من الهنود ضمن الكنيسة الاشورية ومنهم اساقفة وكهنة؟ فهل هم آشوريون؟ وهل الهنود من الكنيسة السريانية في الهند هم سريان؟ وماذا عن عرب مدينة مأدبة في الاردن الذين كانوا في الماضي القريب ضمن الكنيسة الكلدانية كما وضح لي الاب حنا الكلداني اثناء وجودي في الاردن، هل هم كلدان؟ فاذن ما المانع الان ان يكون جنابكم أو من يشعر بالانتماء الاثني الاشوري أو السرياني ضمن الكنيسة الكلدانية أو بالعكس؟

التشبث بما قاله البطريرك بيداويد

ومن هذا المنطلق أيضاً أقول خطأ من يتشبث بما قاله البطريرك مار روفائيل بيداويد: أنا اشوري، فما هو المانع أن يكون اشوري اذا كان فعلا مقتنعاً بذلك الانتماء، ولو أنه اطلقها لترسيخ مفاهيم التقارب والالتقاء في فترة كان عضوا في لجنة الحوار بين الكنيسة الاشورية والفاتيكان، ومن جهة اخرى هل نسيتم أن هناك عدة بطاركة في سلسلة بطاركة الكنيسة المشرقية من المغول والعرب والفرس، ارجو أن تبحث عنهم. قد يكون لنا في المستقبل ايضا بطريرك من اصول كوردية او عربية او فارسية فما المانع؟ أضافة الى أن رأي البطريرك بيداويذ هو شخصي لانه غير ملم بالتاريخ اذ اختصاصه اللاهوت فقط وما علاقة اللاهوت بالاثنية؟ ولماذا لا تعد تصريحه تدخلا بالسياسة بينما تعد تصريح السينهودس بأكمله وما يقوم به البطريرك ساكو تدخلا بالسياسة؟ أليس هذا تناقض لديكما انت والاعلامي؟

المسائل الروحية والاثنية

عندما يقر السينهودس الكلداني مسائل تخص الثقافة الكلدانية والهوية الكلدانية أو تأسيس تنظيم مثل الرابطة يهتم بترسيخها تخص من يشعر بانتمائه الاثني الكلداني ممن هو ضمن الكنيسة الكلدانية، أما اذا اقر السينهودس مسائل تخص الروحانيات مثل الطقس أو ما يرتبط باسرار الكنيسة والمعتقدات فهي تخص وتشمل كل من هو ضمن الكنيسة الكلدانية بغض النظر عن انتمائه الاثني. فلا اعتقد أن هناك مشكلة في انتمائك الى الكنيسة الكلدانية وانت اشوري في مشاعرك الانتمائية. وهكذا لو كان أحد عربيًا كما في ابرشية لبنان أو كورديًا. فالرابطة هنا لا تخصك بل تخص من له مشاعر انتمائية كلدانية اثنياً، أما الاخويات الكنسية الروحية فهي تخصك لانها تشمل كل من هو ضمن الكنيسة الكلدانية، فهو حر في الانتماء اليها من عدمه. وهذا لايمنع أيضا أن تكون ابن اشور شئنا أم أبينا  كما ذكرت في لقائك، ولا يمكن ان تمنع أحدًا ان يكون كلدانياً شئت أم أبيت لانه هكذا عرف نفسه منذ نعومة أظافره. وهنا يمكن القول :أن قولك (شعبنا كان يفهم أن هذا المزج والمزاوجة بين الاسمين اي كلدان آشوريين، يفهم منها الجانب الديني كلداني والجانب الاثني او القومي آشوري) هذا خطأ تاريخي في عقلية من يفهمها كذلك، ببساطة ليس هناك مذهب ديني بتسمية كلدانية بل المذاهب المسيحية معروفة وذكرتها جنابكم في لقائك فهم الكاثوليك والارثوذكس، وجماعات الاصلاح من بروتستانيتة، أنكليكانية وسائر أنواعها واتباع الكنيسة المشرقية التي عُرفت بالنسطورية خطأً. فالتصحيح يكون: يفهمون انهم اشوريون ضمن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. لان التسميات الكنسية الاثنية مصطنعة سواءًا الكلدانية او الاشورية او السريانية او الارمنية وغيرها، فالتسمية الكلدانية للكنيسة سنة 1445 لقبول “نساطرة” قبرص في المذهب الكاثوليكي وهم أقروا بتسميتهم بالكلدان، يمكنك مراجعة الوثيقة الاصلية نفسها على رفوف الفاتيكان، وقد سميت الكنيسة المنشطرة من كنيسة المشرق بالكنيسة الاشورية عام 1968 في بغداد، واستحدثت تسمية كنيسة انطاكيا بالكنيسة السريانية بعد دخول قسم من اتباعها في الكاثوليكية بسبب الارساليات التبشيرية. ففي ضوء ما سبق لم يقسم البطريرك مار لويس مؤمني الكنيسة الى اثنيتين او قوميتين كما ذكرت في لقائك، اذا هذا هو الواقع بعينه. أي أنها متعددة الاثنيات كما هي الكنائس الاخرى ومنها الاشورية نفسها. كما أن أدعاؤك التحريضي ،أن البطريرك ساكو قال في فرنسا( نحن كنيسة كلدانية ومن لا يريد أنا ألقيه خارجاً) أنا على يقين لم يصدر هكذا كلام من غبطته وهو مسؤول لكنيسة كبيرة، بل حُور، فما هو مقصود به من غبطته لا يمكن تغيير أسم الكنيسة أثنياً ولا أحد يفرض علينا أن يكون أسماً مزدوجاً – الكنيسة الكلدوأشورية – والشعب الكلدواشوري وأكد أنه هذا غير مقبول، مما يدل انك حورت الفكرة بالاتجاه الذي تريده.

ويقول : (لي 30 سنة منهمك وداخل في الدراسات بعمق وعليه اعرف تاريخنا)

لاتظن انك لوحدك درست وتعمقت في الدراسات لمدة 30 سنة، وبحسب قولك مؤرخا وانا عرفت من استفساراتي وما جاء في هويتك الاختصاصية انك مختص في اللغة الارامية والعبرية وهذا لا يعني انك مؤرخ كما هو المؤرخ المختص فدراسة الشعوب القديمة لا تقتصر على اختصاص اللغة بل الى التاريخ والانثروبولوجية وعلم الاجتماع وعلم النفس لكي تحصل صورة شمولية ودقيقة عن الحالة الشعورية والاجتماعية والثقافية لهم. وعجبي انك تخلط انتماءك السياسي بتخصصك العلمي، فهناك العديد من أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث هم على حالك وأكثر وقد يكون أفضل أو أقل، فهم درسوا وتعمقوا في التاريخ ودرسوه ودرَسوه لطلبتهم واختلفوا مع معطياتك الدراسية، لانك تريد أن تقول نحن ( اثنية او قومية اشورية بمذاهب دينية مختلفة). لا استطيع أيضاً التفصيل بهذا الموضوع هنا وعليه ثانية ادعوك إلى مراجعة كتابي الاخير المذكور اعلاه ففيه خلاصة وزبدة أفكاري أيضا عن موضوع التسمية، وانا أدرس وأدرَس علم الاجتماع والانثروبولوجية وفروعهما وقد الفت واجريت عدة بحوث لاكثر من ثلاثين سنة أيضاً، توصلت الى ما يأتي:

اننا الاثنيات الثلاث، الكلدان والاشوريين والسريان ترجع اصولهم الى القبائل  البشرية النهرينية التي عاشت على ارض بلاد النهرين بشقيها بابل واشور وتصارعت بينها بحكم النظام القبلي السائد انذاك تمجيدا للملك واستحواذا للموارد ولم يكن بحسب النظريات الانثروبولوجية في تلك الازمان ما يعرف اليوم مشاعر الانتماء الاثني او القومي المستحدث من قبل السياسيين، بل الانتماء كان للالهة وتمجيد الملوك. ولم أر أية لقى أثرية أو حولية ملكية قد كُتب عليها القومية الاشورية او الكلدانية او السريانية او غيرها. وامتزجت دماء هؤلاء عرقياً واختلطت ثقافتهم الحضارية بكل أبعادها سواء بينهم أو مع القبائل الغازية من مناطق اخرى خارج بلاد النهرين، بدءًا بالفراتيين الاوائل والسومريين والاكديين والكوتيين والاموريين والحثيين والكشيين والحوريين والاشوريين والكلدانيين والاراميين والفرس والسلوقيين والفرثيين والساسانيين والعرب والمغول التتار والصفويين والعثمانيين. وانتشروا على ارض بلاد النهرين بحكم عوامل الحرب والهجرة والاضطهادات فلم يخلو عصر من العصور التاريخية من حركة ديمغرافية جغرافية لهذه الاثنيات صعودا ونزولا على ارض بلاد النهرين. فارجو بهذا الصدد مراجعة كتاب “اودد بوستيناي” الموسوم (نفي وترحيل الجماعي في الامبراطورية الاشورية الحديثة) المنشور عام 1979 وستلاحظ كم من المجاميع البشرية جاء بهم ملوك الاشوريين في حروبهم واسكنوهم على ارض اشور ومن ضمنهم الكلدان من بلاد بابل وباعداد هائلة، ومكثوا فيها، وارجو ان لا تقول لي قد عادوا، هؤلاء، كما يقول بعض محدودي النظرة التحليلية مثلما رجع بعض من اليهود الى ارض الميعاد، فرجوعهم هو لارتباطهم بعقيدة الهية هي ارض الميعاد اما الكلدان وغيرهم ليس لديهم في السابق هكذا عقيدة بالاضافة ان ظروف الاسر واحكامه لم تكن كما هي اليوم. وجنابك مؤرخ وتعرف كم ساهمت الحروب بعد الغزو الاسلامي والى يومنا هذا في تهجير ابناء شعبنا وملاحقتهم على ارض بلاد النهرين فاختاروا الاراضي الطبيعية التي كانت تحميهم من الظلم والق*ت*ل. وهكذا وفقا لاسساسيات نظرية الاقتباس الحضاري والتلاقح البايولوجي والثقافي الحضاري أمتزجت دماؤهم عرقياً واختلطت لغتهم وثقافتهم بمختلف عناصرها بحيث أصبح من الصعوبة التمييز بينهم عرقياً وأثنياً . وبعد دخولهم المسيحية تلاشت تسمياتهم الاثنية الى ان ظهرت النزعات والانفصالات المذهبية فعادت الى السطح ثانية ورسختها الاحزاب السياسية في عصرنا.

الاعتماد على المؤرخين

اعتمادك على المؤرخين لمعرفة الاصول الحضارية وما جرى ثقافياً واجتماعياً للشعوب القديمة التي عاشت على ارض بلاد النهرين يكون قاصراً ما لم تعتمد على مفاهيم ودراسات علوم الاجتماع والانثروبولوجية والنفس واللغة، فهي بتكاملها ستعطيك النتيجة الافضل عن دراسة الظاهرة تاريخياً وحاضرا. ولا تعول على كل من يكتب التاريخ فالعديد وحتى الاكادميين يكتبون تحت تاثيرات ايديولوجية سياسية وعاطفية انتمائية وتحت تاثير السياسات القائمة، كما أعتقد هو شأنك، والحديث هنا ايضا طويل عن هذا الموضوع فاكتفي لك بمثال واحد فقط وهو:

لابد قد سمعت عن الاثاري العراقي المعروف بهنام ابو الصوف الذي حفر باصابعه العلمية كل تلول بلاد النهرين شمالا وجنوبا، وكيف كان في ظل النظام البعثي السابق يقول في مقدمة كتبه ان العراق بلد العرب ومركزهم وهم وريثي بابل واشور، وثم بعد سقوط النظام يأتي احد الاعلاميين الاشوريين ويحاوره عن التسمية فيقول لا قومية ولا شعب غير الاشورية اي كلنا اشوريين، وبعد فترة ياتي احد الاعلاميين السريان ليحاوره ويقول: كذب من يقول نحن لسنا كلنا اراميين، لكي يقول الان نحن سريان! أ ليست عجيبة من أكاديمي مرموق يصرح هكذا اعلاميا؟ وهناك العديد من الامثلة لهكذا كتاب وأكادميين وعند الجميع عرباً وكوردا وكلدانا واشوريا وسريانا. فماذا تتوقع من مسؤول لحزب كلداني او اشوري او سرياني ما الذي سيستنتج لو كتب كتاباً عن هذا الموضوع، هل بامكانه ان يكون موضوعياً ام سيحرر كتابه وفقاً لفلسفة حزبه؟ وأخيرا عن هذا الصدد ما رايك اخي البروفيسور بعبارة اقتبستها من كتاب كُتب بلغة الام من قبل “كورش يعقوب شليمون وترجمه الى العربية وليم ميخائل في شيكاغو الامريكية عام 1995) وكورش هذا كان قد تخرج من اعدادية في اورميا وكانت خاصة بالارساليات التبشيرية  وانتمى الى الجيش الاورمي وترقى الى رتبة ملازم أول، كتب كتيب بعنوان”تاريخ الاشوريين منذ بداية القرن العشرين وخاصة في فترة الحربين العالميتين” وهو شاهد ميداني للاحداث التي جرت حيث عاشها بنفسه، فيذكر في كتابه في الفصل الاول عن التسمية ص 13 (في فترة الحرب العالمية الاولى اتى الى اورميا بعض اخواننا الاشوريين من ايروانا احدهم كان معروفاً ومثقفاً عُرف بأسم الدكتور فريدون اتوريا، أنا أذكربدقة هذا الدكتورمع الاستاذ بنيامين ارسانس وزملاء لهم بدأوا بتداول وشرح الاسم الاشوري لاول مرة “تمعن لاول مرة” .في البداية بدأ غريباً والكثير لم يقبلوا الاسم برحابة “تمعن لم يقبلوا” بمرور الوقت بدأ الاسم بالانتشار الى يومنا هذا) انتهى الاقتباس، أي مؤرخ نصدق جنابك البروفيسور هذا الشاهد والمثقف في زمانه أم غيره؟ فالمؤرحون لا يعوّل عليهم.

أذن

 غبطة البطريرك ساكو، لم يقسم ، ولم ولن يُلزم أحداً في فرض تسمية أثنية معينة عليه، ولا يقوم بمشروع تخريبي، ولا يعلمك ما هي هويتك بل انت تشعر بها وتعرفها بنفسك، وليس هادماً، وليس عدوا لاثنيتك. ولا يعمل شيئاً يؤدي الى السقوط والتباعد.

أما تعتمد على ما قيل في فرنسا او في ايران فهذا الاسلوب ليس لاستاذ جامعي، فالباحث لا يعتمد على القيل والقال دون دليل ووقائع.

وحديثك هو التقسيمي، وهو بما يزرعه من بلبلة هو الذي يبعد الشباب عن الكنيسة وليس البطريرك…

نعم ابناؤنا اليوم بانفسهم سيكتشفون من هم هوياتياً والعائلة هي المسؤولة عن ترسيخها وتنميتها ذهنياً

  تمنياتي لك بالموفقية واحترم لديك انتماءك الاشوري، على ان لا ينتقص لطفا مما يعيشه الاخرون من  انتماء…             

____________________________________________________________

ملاحظة

* البروفيسور “افرام يلدز” التدريسي في جامعة “سلامنكا” الاسبانية، في لقاء أجراه معه مذيع سياسي أشوري، في تلفزيون آشوري Assyria TV بتاريخ 22/11/2017  وجاء اللقاء في أعقاب رسالة ذم وانتقاد بعث بها افرام يلدز الى البطريرك ساكو، مبينا معارضته على معطيات صدرت عن السينودس الكلداني الاخير المنعقد في روما بتاريخ 4-8 اوكتوبر 2017

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!