مقالات

رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتباطات السياسية(5)

((حارس هيئة التحرير وبواب الاعلام : تشريح سريالي لآليات التكفير الإعلامي))

في اجواء الوسائط المتشابكة، حيث تتحول الكلمات إلى كيانات مجنحة تبحث عن فضاءات النشر والتواصل والظهور للعلن ، تبرز ظاهرة “رئيس التحرير المُمسوس” ككائن هجين يجمع بين سلطة القبضة الحديدية وهشاشة الوهم والادعاء … ؛  إنه ليس مجرد حارس بوابة او بواب صحيفة ، بل ساحرٌ يحوّل الحروف إلى رماد بمجرد لمسها لمرآة أفكاره المشوَّهة… ؛  هنا، في هذا المشهد السريالي، تُختزل حرية التعبير إلى طقوس صامتة تُمارس تحت أضواء زائفة، بينما يُحاكَم الكتّاب بمعايير أشبه بأساطير قديمة: فمن يلمس تابوهات السيد يُحوَّل إلى شبحٍ عالقٍ في فضاءات المسودات المنسية.

المفارقة تكمن في ادعاء هؤلاء “الحراس” التماهي مع المدنية والديمقراطية وحقوق الانسان ، بينما يبنون سورًا من الزجاج المعتم حول عقول الجماهير … ؛  إنهم يشبهون رسامي الخرائط في عصر الظلام، يمحون الجبال ويختلقون بحارًا وهمية كي لا يكتشف المُتلقي أن العالم أوسع من ثقب الباب الذي يفتحونه… .

 بلغة التحليل النفسي السريالي، يصبح رئيس التحرير هنا “مُصادِرًا هلاميًا”؛ كائنًا لا شكل له يبتلع النصوص كي يحولها إلى وقود لأوهامه الجمعية وارتباطاته الخارجية … ؛  أما حججه —كالطائفية أو العنصرية او التبعية او الرجعية او المناطقية او القبلية … الخ — فهي ليست سوى أقنعة لحقيقة واحدة: خوف الممسوس من مرآة الأفكار التي تكشف تشوُّهَ عرشه وتزعج اسياده .

وفي هذا المسرح العبثي، يُحاكَم الكاتب ليس على مضمون نصه فحسب ، بل على ظله … ؛ هنا تتحول الصحافة من فضاء للحوار إلى “مستعمرة عقابية” تُدار بقوانين التكفير الإعلامي.

لكن أيّ لعبة هذه التي يُديرها المُؤدلجون والمرتبطون والمشبوهون والمنكوسون ؟

إنهم يشبهون مهرجي السيرك الذين يرفعون شعارات الحرية بينما يشدّون الخيوط الخفية لدمى الكتّاب… ؛  يصرخون ضد الرقابة ثم يختلقون رقابةً أكثر فتكًا تحت مسمى “الحماية الوطنية او المهنية والموضوعية او مراعاة القوانين … الخ “.

السؤال  الذي يطرح نفسه هنا : كيف لـ”حارس البوابة” أن يدعي حماية الجمهور وهو يسرق منهم حقهم في رؤية كل ألوان الطيف؟

إن كانت كتابات الخصم سخيفة —كما يدعي— فلماذا يخشى نشرها؟

أليس السخف ضوءًا يكشف ذاته بنفسه؟

الغرابة تتجلى حين يتحول “رئيس التحرير الموضوعي” إلى أسطورة نادرة، كوحش البحيرة الذي يرويه الجميع ولا أحد يراه… ؛  فالمُنصف الحقيقي —بحسب جغرافيا هذا النص— يشبه بستانًا مفتوحًا تتعايش فيه الأزهار والأعشاب، حيث تُقطف الحقيقة من تعددية الأصوات، لا من حديقة مسوَّرة بأسيجة الأيديولوجيا… ؛  هنا فقط —في فضاء النقاش الحر— تُولد المعرفة كفراشة تخرج من شرنقة التحريم.

أما الكتّاب المُحاصرون، فيسيرون كشخصيات في لوحة “سلفادور دالي”، يحملون ساعات ذابلة ترمز لزمن النشر الضائع… ؛  يبحثون عن منصةٍ تشبه جزيرة ماوي الأسطورية : مكانٌ تذوب فيه أقفال الرقابة تحت أشعة شمس الحوار… ؛  لكن هل تكفي المنصات المستقلة لإنقاذ الفكر من الغرق؟

أم أن الأمر يحتاج إلى زلزالٍ ثقافي يُعيد تشكيل خريطة السلطة الإعلامية من جذورها؟

في الختام، هذه المهزلة السوداوية ليست مجرد صراع بين كاتب ورئيس تحرير، بل هي معركة وجودية بين منطقين: أحدهما يرى الأفكار كأنهار يجب أن تتدفق، والآخر يحوّلها إلى سدود تخبئ خلفها مستنقعات الركود والمياه الاسنة … ؛  ربما الحل —في هذا الكون السريالي— يكمن في تحويل “رئيس التحرير” من حارس بوابة إلى جسرٍ عبور، لكن متى تُزرع المرايا في عيون المؤدلجين كي يروا تشوُّهَ أيديهم الخفية؟

ملاحظة :

لعل بعض القراء – في هذه السلسلة من المقالات ( رئيس التحرير واليات الهيمنة الاعلامية والعقد النفسية والارتباطات السياسية ) – يستنكر علي تكرار المعاني بصيغ لغوية متنوعة … ؛ نعم : أقر بذلك , واني لانتهج هذا النهج في معالجة كثير من الموضوعات الحساسة والمصيرية … ؛ فمثل هذه القضايا تستوجب اعادة الطرق وتكرار المضامين بأشكال مختلفة ؛ لتتلاءم مع شتى الاذواق والمستويات الثقافية ؛ وكما قيل قديما : (( في الاعادة افادة )) … ؛ لكن ذلك لا يعني بحال انني اعيد صياغة المقالة السابقة بحرفيتها , بل أغير في جوهر مضامينها الفكرية والثقافية والاشكالية ؛ سعيا لتغطية الموضوع من كافة جوانبه , واستيفاء لأبعاده المتشعبة .

وللحديث بقية ….

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!