مقالات دينية

امتحان الأيمان … والتجربة

الكاتب: الشماس نائل بربري

 

                                   إمـتـحــان الأيـمــان والـتـجـربــة

 

من رسالة القديس يعقوب 1 : 2 – 18

يحدثنا الرسول يعقوب في الأصحاح الأول من رسالته من 2 – 12 عن نوع من التجارب سمّاها امتحانات الأيمان وتحدث عن ثلاثة أشياء وهي : احسب  –  اعرف  –  وأطلب . اولا قال احسب ( احسبوه كل فرح ) عندما تأتي امتحانات الأيمان  لأنه يجب أن نفرح ولا نغتم لأننا سنحصل على النقطة الثانية وهي اعرف ( عالمين ان امتحان ايمانكم ينشيء صبرا ). فهذا الأمتحان وهذا الفرح سينشيء فيّ شيء جديد غير موجود وأنا محتاجه جدا وهو – الصبر . ولكن كيف سأحتمل هذا الأمتحان؟ يقول الرسول يعقوب الشيء الثالث وهو – اطلب ( إن كان احدكم تعوزه الحكمة فليطلب من الله ). وهذا هو النوع الأول من التجارب وهو امتحان الأيمان . ويحدثنا القديس يعقوب من الآية 13  – 18 عن نوع ثاني من التجارب تختلف عن النوع الأول – من جهة المصدر – من جهة ما تظهره او ما تنتجه فينا التجربة – وايضا من جهة نهاية التجربة .

فتجربة النوع الأول ( امتحان الأيمان ) مصدرها الله لأنها امتحانات للأيمان كما نقرأ في سفر التكوين 22 : 1 ( وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن ابراهيم ). وتاكيدا على هذه الآية يقول الرسول بولس في رسالته الى العبرانيين 11 : 17 ( بالأيمان قدّم ابراهيم ابنه اسحاق وهو مجرّب ). فهذا هو المصدر وهو الله . واما ما تظهره او ما تنتجه  فعرفنا ان ما تنتجه تجارب النوع  الأول هو – الصبر . أما نهاية امتحان الأيمان قال القديس يعقوب ( طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة , لأنه اذا تزكى ينال اكليل الحياة ). اذا امتحان الأيمان مصدره – الله . وما ينتج عنه هو – الصبر . ونهايته – اكليل الحياة .

أما تجارب النوع الثاني فمصدرها – الشيطان ( لا يقل أحد اذا جرّب إنب أُجرّب من قبَل الله , لأن الله غير مجرّب بالشرور وهو لا يجرّب أحدا ).  فكيف تأتي هذه التجارب اذا ؟ بالحقيقة ان الشيطان يستغل ما بداخلنا من الطبيعة الفاسدة أو الخطية الساكنة فينا حتى يدخلنا بهذا النوع من التجارب , عكس النوع الأول من التجارب التي يستغل الله الطبيعة الجديدة التي فينا بالمعمودية والأيمان والتي يريد الله ان تنمو فينا الى ان تصل الى ملء قامة المسيح .

فكيف يستغل الشيطان الطبيعة العتيقة التي فينا ؟ ان أعداء الأنسان ثلاث – الشيطان والعالم والجسد . فالشيطان يأتينا بكل ما يملك العالم من إغراءات – فن – ثقافة – معرفة – علم وغيرها فيحرك في داخلنا الجاسوس الذي يعمل لحساب الشيطان وهو الطبيعة العتيقة الفاسدة التي فينا . فالشيطان يستخدم العالم ليغري الطبيعة العتيقة فيحرّك – الشهوة . وعندما تثار الشهوة بداخلنا يبدأ الجسد يطلب التنفيذ . عندما نتكلم عن الشهوة نقصد كل الشهوات التي فينا وليس الشهوة الجسدية فقط . فهكذا يحاربنا الشيطان بأستخدام اغراءات العالم ليثير فينا الشهوة فنسقط في الخطية .

لو أردنا ان نعرّف التجربة – نستطيع ان نقول انها اثارة الشهوة داخل جسد الأنسان . وداخل جسد الأنسان شهوات كثيرة مثل- شهوة الأكل – شهوة حب الأمتلاك – الشهوة الجسدية – شهوة المال والغنى – شهوة النجاح – شهوة محبة الحياة – شهوات الحواس الخمسة ( النظر – الشم – اللمس –الذوق – السمع ) وغيرها . فالشيطان يحاول اثارة كل هذه الشهوات فينا . وعندما تثار الشهوة في داخلنا تبدأ بطلب اللذة او المتعة الوقتية . واللذة ترضي ذات الأنسان وعندما يتمتع الأنسان باللذة لا يفكر بنتائجها بقدر ما يهتم بأتمام اللذة . فعندما يغري الشيطان الأنسان فيحرك الشهوة وعندما يشعر بلذتها تفقده الأرادة . لأن اللذة تسلب ارادة الأنسان فيهتم الأنسان يأتمام اللذة بدون التفكير بالنتائج . فيقيـّد الأنسان لآتمام اللذة ليشبع الشهوة التي اثيرت بداخله فهذه التجارب التي تحدث عنها الرسول يعقوب . وبمعنى آخر نجد العلاج الذي قدمه الله لنا وهو ان الشهوة خلقها الله في داخلنا ولا نستطيع ان ننكر ذلك . ولكن هذه الشهوات حُكـِم عليها بالموت في داخلنا بالمعمودية . وأعطانا الله امكانية ان نميت بالروح أعمال الجسد . فيقول الرسول بولس في رسالته الى غلاطية 5 : 16 ( اسلكوا بالروح ولا تكمّلوا شهوة الجسد ). فعندما اخذنا المعمودية اخذنا معها امكانية ان نضع اللجام على الشهوة حيث يقول الرسول بولس في رسالته الى غلاطية 5: 24 ( اللذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات ). بهذه كانت الخطوة التي مكننا الله من السيطرة على الشهوة وهو – الروح القدس . والشيء الثاني الذي نسيطر به على الشهوة هو انه مثلما الخطية تجذب الأنسان لابد بالمقابل هناك قوة تجذب بالأتجاه المعاكس وهي – كلمة الله. حيث يقول الرسول يوحنا في رسالته الأولى 2 :  16- 17  ( لأن كل مافي العالم : شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة , ليس من الآب بل من العالم . والعالم يمضي وشهوته , واما كلمة الله فتثبت الى الأبد ). اذا مثلما الشهوة تجذب كذلك كلمة الله تجذب ايضا بعيدا عن الشهوة . والشيء الثالث الذي به يجذبنا المسيح هو كما قال في انجيل يوحنا 12 : 32 ( وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع ). فأذا –  قوة الصليب – ايضا تجذبنا بعيدا عن الخطية  مهما كانت اغراءات الشيطان .

لحد الآن انا أعمل مقارنة بين نوعين من التجارب وسندخل في التفصيل الذي تحدث عنه الرسول يعقوب . فعرفنا أن تجارب النوع الأول ( امتحان الأيمان ) مصدرها الله وتجارب النوع الثاني ( اغراءات العالم ) مصدرها الشيطان . وما تنتجه تجارب النوع الأول هو ان تنشيء فينا صبرا . وما تنتجه تجارب النوع الثاني هو اردأ مافي الطبيعة العتيقة وهو – الشهوة التي تنتج عنها كل افعال الخطية . قد يسأل البعض ان هذه الطبيعة العتيقة موجودة في الأنسان المسيحي مثلما هي موجودة في الأنسان غير المسيحي فما الفرق ؟ . أقول ان الجواب صحيح انها موجودة في المسيحي وغير المسيحي , ولكنها في غير المسيحي أهدأ كثيرا مما هي في المسيحي ( كنت اتصور العكس ) . فالحقيقة هي ان الشهوة اكثر هدوءا في انسان العالم لماذا ؟ لأن الشهوة في انسان العالم مشبعة وكلما يطلبها الجسد يلبي له انسان العالم  هذه الرغبة . اما في الأنسان المسيحي الروحاني فهي مقيدة وملجمة , فتثور الشهوة عندما تجد لها منفذا . لناخذ مثال من الكتاب المقدس : داؤد عندما تحركت الشهوة في داخله ارتكب أبشع الخطايا – زنى وق*ت*ل – وهو ما لايفعله الأنسان الطبيعي على الأقل , لأن داؤد كان رجل الله وكان ملكا .

فقلنا ان مصدر امتحان الأيمان هو الله وما تنتجه هو الصبر ونهايتها اكليل الحياة . اما التجارب فمصدرها الشيطان وما تنتجه هوالشهوة ونهايتها يقول الرسول يعقوب ( الخطية اذا كملت تنتج موتا ). فهذه اول مقارنة بين امتحان الأيمان وتجارب الشيطان. ايضا نستطيع ان نقارن بين النوعين من التجارب  على اساس ان التجارب الأولى هي امتحان لتنشيء فينا صبرا وتؤدي بنا للنضج كما قال الرسول يعقوب ( لتكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء ) . اما تجارب الأغراء التي تحرك الخطية يكون نتيجتها الموت .

ومقارنة اخرى ان تجارب امتحان الأيمان هي تجارب من الخارج . اما تجارب الشيطان فهي من الداخل . قال الرسول يعقوب ( احسبوه كل فرح عندما تقعون في تجارب متنوعة ).مثل تجربة المرض – وهو اعطانا مثل عن الغني والفقير ( وليفتخر الفقير المتضع بأرتفاعه , اما الغني فبأتضاعه ). ومثل آخر عندما يقع ظلم على انسان من الآخرين – ومثل آخر انسان يعيش في حالة مادية بسيطة  فكلها هذه تجارب من الخارج . اما تجارب النوع الثاني فهي من الداخل وهي اثارة الشهوة والصراع مابين الطبيعة العتيقة والطبيعة الجديدة التي حصلنا عليها بالمعمودية .

فعندما نقع في تجربة لابد ان نميز نوع التجربة هل هي امتحان ايمان ام تجربة شيطان . ان نميز بين تجارب نهايتها حياة ابدية وتجارب نهايتها الموت . وأن نميز هل هي تجارب داخلية ام خارجية . فلهذا قال الرسول يعقوب ( ان كان احدكم تعوزه الحكمة فليطلب من الله ) . فالذي لا يستطيع ان يميز بين تجارب امتحان الأيمان وبين تجارب اغراء الشيطان فهذا تعوزه الحكمة فليطلب من الله . لأنه من الخطر ان نكون واقعين تحت تجربة ونظنها من النوع الآخر . والأكثر خطورة اننا عندما نقع في تجارب النوع الثاني ونظن انها من النوع الأول . فلنأخذ داؤد ايضا مثلا لذلك لأنه اجتاز هذين النوعين من التجارب . فتجارب امتحان الأيمان عندما كان مطاردا من الملك شاول وكان حال داؤد ( احسبوه كل فرح ) فأنشد احلى المزامير والتسابيح وعاش حياة ترضي الله في تلك الفترة . أما عندما اجتاز النوع الثاني من التجارب عندما انجذب وانخدع من الخطية عندما زنى مع زوجة اوريا الحثي . فماذا كانت النتيجة قال داؤد ( كل ليلة اعوّم سريري بالدموع ). وعندما نقرأ سيرة الأباء القديسين نجد ان معظم تجاربهم كانت امتحانات الأيمان وبأتضاعهم كانوا ينسبونها بأنهم خطاة .  اما نحن فنقع في تجارب النوع الثاني ونقول ان الله يمتحننا . فلهذا يجب ان نكون حكماء في تقييم الأمور . بعض الأحيان تكون الخطية جسدية واضحة ولكن هناك خطايا نفعلها ولا نحسبها خطايا لأنها مخفية ونحن مقتنعون بها – مثل شهوة الأكل وشهوة حب الأمتلاك وشهوة الغنى بطريقة غير مشروعة  وغيرها .

والآن ندخل في تفاصيل الآيات كما ذكرها القديس يعقوب . ففي الآية 13 يقول ( لا يقل احد اذا جُرِب إني أجرّب من الله لأن الله لا يجرّب بالشرور ). نستطيع ان نقول انه من الممكن تجارب النوع الثاني هي بسبب تجارب النوع الأول . يعني ممكن ان ندخل في امتحان الأيمان وبدون ان نشعر تتحول الى تجارب النوع الثاني . لكن القديس يعقوب يرفض هذه الفكرة ( لأن الله لا يجرب بالشرور ) . ولكن لنأخذ مثل انه من الممكن ان ندخل في امتحان الأيمان بأن اتضايق من شخص أو شخص يظلمني في العمل وانا ساكت وأرى الآخرين يأخذون رواتب اكثر مني او يترقون في الوظيفة على حساب الغير . لحد الآن هذه تجارب من النوع الأول وانا احتملتها واكون شاكر على كل شيء ( اذا تزكـّى ينال اكليل الحياة ). اما اذا طالت التجربة تبدأ تتحول الى تجارب النوع الثاني , فأقول ان الله نسيني ولا يسمع صلاتي وهذا الشخص يستمر يظلمني . وأبدأ بالدعاء عليه واتمنى له الموت واتمنى له الخسارة في عمله  وعدم التوفيق وووو. فالقضية بدأت بتجربة من النوع الأول ولكن انتهت من النوع الثاني لأني بدات اكره وأحقد واحسد وطمع وغيرة . فبدل من ان اتعلم الصبر وأصلي الى الرب وأطلب منه ان يفتح عيون هذا الشخص والتمس له العذر على تصرفاته . اكون قد تحولت الى شخص يكره ويحقد ويضمر الشر للآخر . فلنأخذ مثل من الكتاب المقدس على كيفية تحول التجارب الأولى ( من الخارج ) الى التجارب الثانية ( من الداخل ). ابراهيم عندما قال له الله اترك ارضك وعشيرتك وكان هذا امتحان الأيمان  لأبراهيم فنجح في الأمتحان وترك ارضه وعشيرته وذهب الى ارض كنعان. فجاءه الأمتحان الثاني عندما وصل ارض كنعان وجد ان هناك مجاعة في المنطقة . فلو فكر ابراهيم وقال ان الله الذي قادني الى هذا المكان رغم ان هناك مجاعة فهو سيرعاني ويحل المشكلة .او على الأقل يشير اليّ الله ماذا افعل كان ابراهيم نجح في الأمتحان . لكن للأسف امتحان الأيمان هذا قاد ابراهيم الى تجارب النوع الثاني فيقول الكتاب ( انحدر ابراهيم انحدارا متواليا الى مصر ) وكانت النتيجة أنه سلـّم زوجته ( ساراي ) الى فرعون مصر وكذب وقال انها اخته . فدخل في تجارب النوع الثاني . أما يوسف الصديق الذي دخل في النوع الأول من الأمتحان وحاول الشيطان ان يغريه ولكنه اجتاز الأمتحان بنجاح فائق . دخل يوسف امتحان الأيمان بأن اخوته حسدوه وباعوه كعبد الى بيت فوطيفار والشيطان حاول ان يستغل حالة يوسف والمناخ الذي عاش فيه ليوقعه في تجربة الأغراء بامراة سيده . والشيطان هيأ له الجو المناسب ليستغل الفرصة  وينجذب وينخدع من شهوته . وكان ممكن ان يقول اني مجرد عبد وزوجة سيدي هي التي طلبت مني ان اضطجع معها . فلم ينجح الشيطان في خطته ليوقع يوسف في الفخ . ولكنه نجح جزئيا عندما دخل يوسف السجن وبدأ يفكر بطريقة بشرية للخروج من السجن عندما طلب من رئيس السقاة ( اذكرني امام فرعون ) وهنا يبدو شهوة محبة العالم وشهوة الحرية تحركت داخل يوسف ويمكن انه استعجل في هذا الطلب ولم ينتظر توقيت الله فيقول الكتاب ( فنساه رئيس السقاة سنتين ) . فالدرس الذي نتعلمه من هذا اننا يمكن ان نجتاز تجارب امتحان الأيمان التي ستنشيء فينا الصبر لنصل للنضج والكمال ونحصل على الحياة الأبدية . وقد تتحول هذه التجربة الى اغراء الشيطان ونسقط في النوع الثاني من التجارب ونلوم الله ونقول انه هو السبب بما يحصل لنا . لكن يجب ان نأخذها قاعدة ويكون جوابنا دائما ( ان الله غير مجرّب بالشرور ). لأن طبيعة الله قدوس وطبيعة اعمال الله مقدسة . فلايمكن ان يسمح بتجربة فيها اغراء الخطية . وان اي تجربة فيها اغراء الخطية فهي ليست من الله . فلهذا قال الرسول بولس في 1 كورنثس 10 : 13 ( لن تصيبكم تجربة الا بشرية ). وايضا الرسول يعقوب قال كما قرأنا ( ولكن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته ). فأنا اقول ان الشهوة في حد ذاتها ليست خطية لأن الله خلق فينا الشهوات لتؤدي عمل معين في استمرار الحياة . ولكن الخطية هي محاولة اشباع الشهوة بطريقة خاطئة .

مثلا شهوة الأكل هل هي خطية ؟ طبعا لا . لولاها لمات الأنسان ولكن محاولة الشيطان اثارة الشهوة بطريقة خاطئة . يعني انا اكلت وشبعت فتغريني الشهوة ان امد يدي لأستمر بالأكل . أو انا صائم واكون مدعو لوليمة عن احد الأصدقاء فأستغل الدعوة لآكل . فالخطية لا تغلب الأنسان الا اذا استسلم لها . ولكن كيف اغلب ؟ اذا قاومت هذا الأغراء ولم استسلم . ( فكل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع في شهوته ) . فلا نلقي اللوم على الله ولا على الظروف ولا على الناس .

 

وهكذا نستطيع ان نفهم ماقال الكتاب المقدس عن المسيح ( مجربا مثلنا في كل شيء عدا الخطية ). فالخطية هي اغراء من الخارج تثير شهوة في الداخل وتحرك الجاسوس الذي بداخلنا . فالشيطان بيده الـ REMOTE  والطبيعة العتيقة التي في داخلنا هي الـ RECEIVER   . فحاول الشيطان ان يغري المسيح في تجربة البرية كما يغرينا تماما . ولكن الفرق بيننا وبين المسيح هو ان المسيح بدون RECEIVER  . كما قال الملاك لمريم ( المولود منك قدوس ). ويقول الرسول بولس في رسالته الى العبرانيين 2 : 18 ( فيما هو قد تالم مجربا فهو قادر ان يعين المجرّبين ).

فهذه كانت المرحلة الأولى في الخطية وهي الأغراء ولحد الأن لاتوجد خطية في مرحلة الأغراء . لكن الخطورة في المرحلة الثانية ( الشهوة اذا حبلت تلد خطية ). والحبل هنا يعني الأقتران . فبماذا تقترن الشهوة لتلد الخطية ؟ الجواب هو الشهوة اذا اقترنت بالأرادة . نجد ان يسوع لم يجتاز هذا الأمتحان بل اجتاز امتحان المرحلة الأولى فقط – الأغراء .

ان الشيطان بالمرحلة الأولى يستخدم الـ REMOTE  ويرسل اشاراته الى الـ RECEIVER  . فاذا كان الـRECEIVER مطفي يعني لا يستقبل اشارات او يرفضها لأنها اشارات غير معرّفة لديه . لكن اذا استقبل الـ RECEIVER واشتغل على الأشارات التي وصلته من الـ REMOTE  دخلنا في مرحلة الأقتران . لأن الأغراء بدأ يداعب الفكر والقلب والعواطف وهنا تولد الخطية . ولكن الرسول بولس في رسالته الى رومية 6 : 12 يقول ( اذا لا تملـّكن  الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته ). لا تملكّن الخطية اي لا تتجاوب معها ولا تستسلم لها ( لكي تطيعوها في شهواته ).

هنا ياتي دور الأرادة التي يجب ان تقف وترفض كل الأغراءات والأفكار والميول . وهكذا اصبحت الحياة المسيحية ليست مشاعر وترتيل وتسبيح وحضور قداس , ولكن ايضا ان تحرك في داخلنا الأرادة لأن المسيحية هي فعل ارادة . وهذا هو الفرق بين الطفل والأنسان الناضج . فالطفل تحركه الرغبة  والمشاعر , لكن الناضج  تحركه الأرادة . فلحد الأن الموضوع سهل في قضية الشهوة ( اذا حبلت ) وهو بداية الغلط . مثلا تأتينا افكار اذا رفضناها قطعنا الطريق على الشيطان ولكن هذه الأفكار اذا اصبح فيها اخذ ورد يعني دخلنا المرحلة الثانية  ويبقى التنفيذ . في هذه النقطة اعتبر المسيح ان الخطية قد تمت , لأنه في الموعظة على الجبل تحدث عن الوصايا العشرة وقال ” قيل لكم لا تق*ت*ل .. وانا اقول لا تغضب لأن الغضب يؤدي بك الى الق*ت*ل ). وهكذا بقية الوصايا اعتبر المسيح الدخول بالمرحلة الثانية يكون قد دخل بالخطية .

اما المرحلة الثالثة وهي ( الخطية اذا كملت تنتج موتا ) . فنرى هنا مراحل الخطية هي :

أولا – اثارتها ( في القلب )  ثانيا – التلذذ ( في عقل وفكر الأنسان ). تملـّك الخطية ( الفعل ) ويصبح هذا الفعل مستمر.

فأي نوع من الموت تنتج الخطية اذا كملت ؟ هناك نوعين من الموت : موت روحي وموت أبدي . الموت الروحي هو عندما تتملك الخطية من الأنسان وتستعبده فتفصله عن الله . يقول الرسول بولس في رومية 8 : 13 ( ان عشتم حسب الجسد فستموتون ) . اذا استمر الأنسان في الموت الروحي ( الأنفصال عن الله ) يؤدي به الى الموت الأبدي . ويقول الرسول بولس ايضا في رومية 5 : 12( لأنه بأنسان واحد دخلت الخطية الى العالم, وبالخطية الموت, وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس ).

السؤال هنا كيف نتغلب على الخطية او على التجربة التي في موضوعنا ؟ الجواب :

أولا- نضع امامنا هذا الموت ( الأنفصال عن الله ) يعني الأنفصال عن المحبّة – الراحة – السلام – والهدوء . فيجب ان نفكر بالدينونة وغضب الله على الخطاة والذين لم يرجعوا اليه .

ثانيا – يقول الرسول يعقوب ( لا تضـّلوا يا اخوتي ) . هنا الرسول يعقوب يكلم ناس في الكنيسة . اذا يجب ان لا نضل ونتبع التعاليم التي نسمعها في هذا العالم وخاصة نعيش في بلاد نسمع فيها تعاليم عن الحرية وان جسدي ملكي واتصرف على كيفي وأريد ان اعيش حياتي وتعرفون الباقي مثل ظاهرة المثليين ( الذين يريدون الزواج ذكر بذكر او انثى بأنثى ) . المشكلة ان هذه الأفكار اصبحت مقبولة ليس فقط في الدولة بل وفي المجتمع وحتى في بعض الكنائس .

وكلمة ( لا تضلـّوا ) ذكرت في الكتاب المقدس عدة مرات فيقول الرسول بولس في 1 كو 6 : 9 ( لا تضلوا : لا زناة , ولا عبدة أوثان , ولا فاسقون , ولا مأبونون , ولا مضاجعوا ذكور , ولا سارقون , ولا طمّاعون , ولا سكيرون , ولا شتامون , ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ) . وايضا يقول في الرسالة الى غلاطية 6 : 8 ( لا تضلوا ! الله لا يشمخ عليه . فأن الذي يزرعه الأنسان ايّاه يحصد ايضا . لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا . ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة ابدية ). فيكمل الرسول يعقوب الآية ويقول ( كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الأنوار ).

ثالثا –  للتغلب على الخطية يجب ان نفتكر صلاح الله  – عطاياه وخيراته . كل عطية صالحة – فلننظر الى الكلمتين في الآية ( كل ) و ( صالحة ) . يعني انه لا توجد عطية غير صالحة من الله بل كل العطايا هي صالحة وليس بعض العطايا فلهذا قال مؤكدا ( كل عطية ) . اذا كل عطية صالحة يجب ان يكون مصدرها الله . فاذا كان هناك عطية في حياتي وأريد ان اعرف اذا كانت صالحة ام غير صالحة يجب ان ابحث عن مصدها . اذا كانت من الله فهي صالحة واذا كانت من البشر فهي غير صالحة وايضا اذا كان هناك شيء غير صالح ومصدره الله فهو اكيد صالح في النهاية . فلنضع امامنا هذه الثلاثية :

كل عطية صالحة مصدرها الله – وكل عطية مصدرها غير الله فهي غير صالحة – عطية من الله وأن تبدو غير صالحة في نظرنا ولكنها صالحة .

فأذا أغرانا الشيطان بأنه سيعطينا فعطيته غير صالحة – اكذب وانا اطلعك من المشكلة – اسرق ولا احد سيعرف – ازني ولا احد يراك . اما عطايا الله وان تبدو فيها شيء من الألم فهي صالحة – بولس وشوكته في الجسد . فالشيطان ضحك على آدم وحواء وقال لهم سأعطيكم عطية صالحة لو اكلتم من الشجرة . في حين ان الله قال لهم لا تأكلوا من الشجرة .

حتى نتغلب على الخطية يجب ان نتذكر صلاح الله كما في مزمور 103 ( باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته ) . فعندما نتذكر صلاح الله ينجينا من الخطية ونسيان صلاح الله  يوقعنا في الخطية  وأعطيكم مثل على الحالتين . فلنأخذ نسيان صلاح الله في قصة داؤد عندما زنا مع زوجة اوريا الحثي . فأرسل له الله النبي ناثان في سفر صموئيل الثاني 12 حتي يتوّب داؤد فقط فكّره بصلاح الله , فلم يوبخه ولم يضربه . ناثان النبي حرّك قلب داؤد للتوبة بأنه ذكـّره بصلاح الله  وقال له تذكر كنت في مربض الغنم ومسحك ملك , اقامك وأجلسك مع رؤساء شعبك , وأنقذك من بين يدي شاول , وملـّكك على شعب اس*رائ*يل . واذا كان هذا قليل فكان سيعطيك اكثر وأكثر . وعندما انكسر داؤد وتذكر صلاح الله له أغرق سريره بدموعه .

في المقابل يوسف الصديق انتصر في نفس الأمر في سفر التكوين 39 عندما جاءت زوجة فوطيفار تعرض الخطية على يوسف . ويوسف كان يذكر احسانات الله اليه ( هوذا سيدي لا يعرف ما في البيت , وكل ماله دفعه الى يدي , ولم يمسك عني شيء غيرك لأنك امرأته , فكيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطيء لسيدي ).  هنا عن اي سيد يتكلم يوسف – كنت اعتقد انه يتكلم عن سيده فوطيفار – فمن الذي دفع كل شيء بيده ومن الذي قال له لا تشته ما لقريبك اذا هو يتكلم عن سيده الصالح الله .

نستطيع ان نختم بتكملة الآية التي تقول ( كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند ابي الأنوار). فالله هو ابي الأنوار والذي خلق النورين – نور النهار بالشمس ونور الليل بالقمر – اما المعنى الروحي فهو نور الحكمة والمعرفة والصلاح والسلام والمحبة والتي هي ثمار الروح القدس . ويقول الرسول يعقوب ( ليس عنده تغيير ولا ظل دوران ). فأذا كان نور العالم فيه تغيير وفيه ظل نتيجة  الدوران ولكن الرسول يعقوب لم يقصد المعنى العلمي حينها الذي تفسيره نور الشمس يتغير في الصباح شكل ووقت الظهر شكل والغروب شكل والقمر عنده ظل نتيجة الدوران عندما تكون الأرض مابين الشمس والقمر يكون ظلام في القمر لأن ظل الأرض يكون ساقط على القمر . لكن الذي يقصده الرسول يعقوب ان الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران . والكتاب المقدس يقول في سفر ملاخي ( اني انا الرب لا اتغيّر ). اما بولس قالها في الرسالة الى العبرانيين ( المسيح هو هو امس واليوم والى الأبد ).

اذا ننتصر على الخطية : اولا – بتذكر الدينونة . ثانيا – نتذكر صلاح الله . وثالثا – يقول الرسول يعقوب ( شاء فولدنا بكلمة الحق ) وهذه هي الطبيعة الجديدة في المسيح . ( كل الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا ) والرسول بطرس قال في رسالته الأولى 1 : 33 ( مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية ) . اذا نحن مولودين ثانية بكلمة الحق والحق هو المسيح والكلمة التي قالها المسيح لنيقوديموس ( من لا يولد من الماء والروح لايقدر ان يدخل ملكوت السماء) فلهذا الله لا يهتم بالولادة الأولى ( الجسدية ) بل يهمه الولادة الثانية ( الروحية ) . امثلة من الكتاب المقدس – ابراهيم ولد اسماعيل الولادة الأولى ولكن الله نظر الى الولادة الثانية اسحق . واسحق ولد عيسو الولادة الأولى ولكن الله نظر الى الولادة الثانية يعقوب . وحتى المسيح نفسه لم يأت بالجسد من نسل الأبن الأول لكل من آدم وابراهيم واسحق ويعقوب ويسّى وداؤد .

لم يأت الرب يسوع من نسل قايين الأبن البكر لآدم بل من من شيث اخيه

ولا من نسل اسماعيل الأبن الأول لأبراهيم بل من اسحاق

ولا من عيسو الأبن الأول لأسحاق بل من يعقوب

ولا من الياب الأبن الأول ليسّى بل من داؤد الأبن الأصغر

ولا من امنون الأبن الأول لداؤد بل من سليمان

 فلم يهتم الله بالولادة الأولى ولكنه اهتم بالولادة الثانية . فولادتنا الأولى لاتهم الله لأنها من زرع بشر أما ولادتنا الثانية فهي ( شاء فولدنا بكلمة الحق ). ويقول الرسول يعقوب ( مولودين ثانية بالمعمودية لكي نكون باكورة خلائقه ).

وفي انجيل يوحنا يقول ( اما كل الذين قبلوه اعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنين بأسمه ).

 

                              آمــــــيــــــــــــــــــــــــــــــن

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

 

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!