الوصية المنصبة على عقار لا تحتاج إلى التسجيل! – علي عظيم
لا يخفى على أحدٍ أن للتصرف النقال لملكية العقار أربعة أركان، وهي: كل من الرضا، والمحل، والسبب، والتسجيل لدى دائرة التسجيل العقاري. منها ما يطلق عليه بالركن الموضوعي، وهي الرضا، والمحل، والسبب، وهذه الأركان يشترط توافرها في كافة التصرفات لتكتسب الصحة بحسب القواعد العامة للقانون المدني. والنوع الآخر من الأركان يطلق عليه ركن الشكلية، وهو استثناء عن القواعد العامة، حيث لا تبطل التصرفات التي لم يشترط القانون استيفاءها لشكلية معينة.
والركن هو ما يبنى عليه الشيء، وبالتالي إذا تخلف ركنٌ ما، يستتبع بالضرورة تخلف ما بنيَ عليه. فإذا تخلف أحد أركان التصرف النقال لملكية العقار، بطل التصرف وكأنه لم يكن، مما يعني إن لم يستوفِ التصرف ركن الشكلية يكون حكمه البطلان وكأنه لم يكن. لكن، هل يوجد تصرف فاقد لركن الشكلية عند نشوئه إلا أنه يعد صحيحاً؟ هذا ما سأجيب عنه في هذا سياق.
يتمثل ركن الشكلية في التصرف الناقل للملكية بالتسجيل لدى دائرة التسجيل العقاري، كما نصت على ذلك المادة 1126 الفقرة ثانياً ق.م.ع، التي جاء فيها: “والعقد الناقل لملكية عقار لا ينعقد إلا إذا روعيت فيه الطريقة المقررة قانوناً”. وكذلك المادة 508 ق.م.ع، كما نصت المادة 3 من قانون التسجيل العقاري: “2 – لا ينعقد التصرف العقاري إلا بالتسجيل في دائرة التسجيل العقاري.”
والتصرفات الناقلة للملكية العقارية أنواع، وهي:
1- البيع.
2- المقايضة.
3- الهبة.
4- الوصية.
أما الميراث، والشيوع، والحيازة المكسبة للملكية، ليست بتصرفات إنما وقائع تكتسب الملكية فيها بحكم القانون.
وبما أن أحكام البيع والمقايضة في التصرف الناقل للملكية لا خلاف عليها فيما يخص ركن الشكلية؛ لوضوح أحكامهما أولاً، ولكثرة وقوع البيع ثانياً، ولاقتراب أحكام المقايضة من أحكام البيع، سأسلط الضوء على أحكام الهبة والوصية.
عرف القانون المدني العراقي الهبة في المادة 601 أولاً بأنها: “…تمليك مال لآخر بلا عوض…”، وهذا التصرف ينولد وتترتب آثاره فوراً أثناء حياة الواهب. لكن، حتى يكون صحيحاً إذا انصب على عقار لابد أن يسجل في دائرة التسجيل العقاري، كما أكدت ذلك المادة 602 من القانون ذاته، والتي جاء فيها: “إذا كان الموهوب عقاراً، وجب لانعقاد الهبة أن تسجل في الدائرة المختصة”. نستشف من هذا أن الهبة، كالبيع والمقايضة، توجب التسجيل إذا كانت منصبة على عقار، وإن لم تسجل تعتبر باطلة كأن لم تكن.
أما الوصية فقد عرفها قانون الأحوال الشخصية العراقي في المادة 64 بأنها: “…تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، مقتضاه التمليك بلا عوض”. أي أن التصرف لا ينتج أثره في الحال، إنما هو معلق على شرط، وهو موت الموصي. وفي هذا السياق لابد أن نتساءل هل يشترط التسجل أثناء نشوء التصرف لتعتبر الوصية المنصبة على عقار صحيحة؟ تجيبنا عن ذلك المادة 249 أولاً من قانون التسجيل العقاري بالنفي، والتي تنص: “تسجل الوصية الواردة على حق الملكية العقارية، سواء كانت الوصية بالتمليك أو بصرف ثمن العقار (الوصية بالعين)، أو بريع العقار، بعد وفاة الموصي…” أي أن التصرف صحيح ما زال الموصي على قيد الحياة، كما ذكرت سابقاً، لكن يتوجب التسجيل بعد وفاة الموصي. كما يؤكد على ذلك أستاذنا الزلمي، الذي يقول: “في ضوء التشريعات العراقية، كل تصرف ينصب على عقار، باستثناء الوصية، يكون باطلاً ما لم يسجل في دائرة التسجيل العقاري”(1).
1- أنظر: الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي، أصول الفقه في نسيجه الجديد، بيروت، 2016، ص299.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.