مقالات

الهجرة والتعاون الأوروبي-الأفريقي: بين عملية الخرطوم وعملية

يُعد التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الجنوب – لا سيّما في أفريقيا – أحد أهم محاور الحوكمة العالمية للهجرة في العقود الأخيرة. مع تفاقم أزمات الهجرة، وتزايد تدفقات اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين، برزت الحاجة إلى أدوات سياسية تُنظِّم الحوار وتُقنّن التنسيق بين دول المنشأ، والعبور، والمقصد. في هذا السياق، ظهرت عمليتان محوريتان تُجسّدان هذا النوع من التعاون الإقليمي: عملية الرباط كمسار غربي يشمل شمال وغرب أفريقيا وأوروبا، وعملية الخرطوم كمسار شرقي يربط بين دول القرن الأفريقي، ودول العبور، ودول المقصد الأوروبية. تُشارك مصر، بوصفها دولة محورية في معادلة الهجرة الأفريقية والأورومتوسطية، في كلا المسارين، فهي دولة عبور رئيسية، ودولة استقرار نسبي لمئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين، ودولة منشأ لفئات شابة واسعة تبحث عن فرص في الخارج.

عملية الخرطوم: من مكافحة التهريب إلى بناء الشراكات
انطلقت عملية الخرطوم في عام 2014 كإطار سياسي وتنسيقي يجمع بين دول الاتحاد الأوروبي ودول من القرن الأفريقي (مثل السودان، إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي، كينيا، والصومال)، بالإضافة إلى دول عبور رئيسية مثل مصر وليبيا. هدفت العملية منذ نشأتها إلى معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، ومكافحة تهريب البشر والاتجار بهم، وتعزيز قدرات الدول على إدارة الحدود، وتوفير الحماية للمهاجرين واللاجئين. رغم الانتقادات التي وُجّهت إلى العملية، خاصة فيما يخص تغليب البُعد الأمني على حساب حقوق الإنسان، فقد شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات العشر الماضية، مع تزايد الاعتراف بالحاجة إلى مقاربة شاملة للهجرة، تأخذ في الحسبان أبعاد التنمية، والتشغيل، والتعليم، وتمكين الفئات المستضعفة.
تأتي أهمية عملية الخرطوم لمصر من موقعها الاستراتيجي كبوابة شمالية لهذا المسار، فمصر لا تتعامل مع الهجرة من القرن الأفريقي بوصفها تحديًا أمنيًا فحسب، بل كمسألة إنسانية وتنموية تتطلب تعاونًا متوازنًا مع الشركاء الأوروبيين والأفارقة على حد سواء. من هذا المنطلق، جاء انعقاد الاجتماع الوزاري الثاني لعملية الخرطوم بالقاهرة يوم 9 أبريل 2025 ليؤكد التزام مصر بقيادة هذا المسار وتعزيز الحوار متعدد الأطراف.
شهد الاجتماع اعتماد “إعلان القاهرة الوزاري”، الذي وضع خارطة طريق جديدة للتعاون الإقليمي، بالإضافة إلى “خطة عمل القاهرة”، التي تُحدّد أولويات المرحلة القادمة، مع تسليم الرئاسة الدورية من مصر إلى فرنسا. حرصت القاهرة على أن يتضمن البيان الوزاري بنودًا واضحة حول دعم تنمية المجتمعات المستضيفة، وتعزيز فرص العودة الطوعية الآمنة للمهاجرين، وتطوير آليات الحماية الإقليمية.

عملية الرباط: نموذج غربي في التعاون الأورو-أفريقي
انطلقت عملية الرباط، عام 2006، لتمثل المسار الغربي للتعاون حول الهجرة، حيث تجمع بين دول شمال وغرب أفريقيا (كالمغرب، الجزائر، السنغال، ونيجيريا) ودول أوروبية مثل إسبانيا، فرنسا، وبلجيكا. يتميز هذا المسار بتركيزه الأكبر على الهجرة النظامية، وتعزيز فرص الشباب، ودمج الهجرة ضمن استراتيجيات التنمية الوطنية.
نجحت عملية الرباط في بناء شراكات مستدامة في مجالات التكوين المهني، وإدماج المهاجرين، وتعزيز دور الجاليات في التنمية، كما أنها تُعد منبرًا للحوار بشأن مكافحة الهجرة غير النظامية، وتفكيك شبكات التهريب، وحماية الحدود. تشارك مصر في هذا المسار أيضًا، إدراكًا منها لتقاطع المصالح الأمنية والتنموية عبر منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

المساران والتقاطعات: نحو مقاربة شاملة للهجرة
إن الرهان على نجاح عمليتي الرباط والخرطوم لا يرتبط فقط بمدى الالتزام السياسي للدول المشاركة، بل بقدرتها على دمج أبعاد الهجرة ضمن استراتيجيات التنمية المستدامة، واعتماد نهج حقوقي يُراعي كرامة الإنسان. في ظل تصاعد التحديات المناخية، والنزاعات، وانعدام الأمن الغذائي في مناطق واسعة من أفريقيا، فإن الهجرة ستظل ظاهرة مركبة تتطلب تعاونًا عابرًا للحدود. بين المسار الشرقي (عملية الخرطوم) والمسار الغربي (عملية الرباط)، تتقاطع مصالح مصر مع القارة ومع أوروبا، ما يجعل من مشاركتها النشطة في كلا المسارين ضرورة استراتيجية. إن مصر، بحكم موقعها الجغرافي والديموغرافي، قادرة على لعب دور محوري في إعادة صياغة خطاب الهجرة، من مقاربة أمنية ضيقة، إلى رؤية تنموية وإنسانية شاملة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!