آراء متنوعة

المسّيرات الاوكرانية تهاجم العمق الروسي

المسّيرات الاوكرانية تهاجم العمق الروسي

الفريق الركن صباح نوري العجيلي

المسّيرات الا*نت*حا*رية (المتفجرة أو الملغمة )، سلاح ثبت فعاليته في الحرب الاوكرانية – الروسية وفي غ*ز*ة ولبنان و(اس*رائ*يل) واليمن . وشهد هذا السلاح تطوراً تقنياً واستخداماً واسعا في السنوات الاخيرة وهو بمثابة صاروخ موجه يحمل عبوة ناسفة، وتصطدم المسّيرة بالهدف المطلوب وتنفجر عليه مباشرة لتلحق به الاضرار البشرية والمادية.

تشهد الحرب الروسية – الاوكرانية استخدام المسّيرات على نطاق واسعّ من كلا الطرفين ووصلت المسّيرات الاوكرانية الى العاصمة الروسية موسكو وهاجمت اهدافا بمافيها قبة الكرملين القصر الحكومي الرئيس .

تستخدم المسّيرات الا*نت*حا*رية بشكل عام في عمليات الق*ت*ل المباشر وضرب تجمعات العدو ومهاجمة الدبابات والاليات والمدفعية ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات والطائرات الجاثمة في المطارات.
في سياق الحرب الروسية الاوكرانية الطويلة الأمد وبعد الهجوم الاوكراني المباغت على منطقة كورسك الروسية، نفذت قوات الأمن الاوكراني في الاول من حزيران الجاري هجوماً مباغتاً بالطيران المسّير، حيث اطلقت 117 طائرة مسّيرة ا*نت*حا*رية اخترقت المجال الروسي انطلاقا من داخل الاراضي الروسية نفسها في محاولة لتجنب الدفاعات الجوية التي تنفتح على الحدود .
بدأت العملية بنقل الطائرات المسّيرة في حاويات أو صناديق خشبية تحملها شاحنات مدنية إلى عمق الأراضي الروسية وبالقرب من القواعد الجوية ومن ثم قصفت المسّيرات 41 قاذفة متمركزة في العديد من المطارات بما في ذلك قاعدة بيلايا الجوية في منطقة إيركوتسك الروسية، التي تبعد أكثر من 4000 كيلومتر عن أوكرانيا.

الهجوم الاوكراني واسع النطاق استهدف مطارات عسكرية ومنشأت لها صلة بالثالوث النووي الروسي، طالت 41طائرة عسكرية وامتد الهجوم على مسافة تفوق 4 الاف كيلومتر في عمق سيبريا .

استخدمت اوكرانيا طائرات FPV منخفضة التكلفة التي تم تهريبها بذكاء داخل حاويات وصناديق خشبية وهمية على متن شاحنات مدنية في تكتيك يحاكي اسطورة (حصان طروادة) مكنها من اختراق الدفاعات الروسية وتوجيه ضربات دقيقة من الداخل.

من ابرز الاهداف: قاعدة بيلايا الجوية قرب مدينة ايركوتسك التي تضم قاذفات استراتيجية روسية من من طراز TU-160 و TU-22M3 القادرة على اطلاق صواريخ بعيدة المدى.

وتعد هذه الضربة الاعمق داخل الاراضي الروسية منذ بداية الحرب وتشكل تحولا نوعيا في قدرات اوكرانيا على ضرب العمق الروسي وتعطيل البنية العسكرية الجوية لروسيا .

تزامن الهجوم الاوكراني مع تفجيرات استهدفت جسورا وسكك حديد في منطقني بريانسك وكورسك خلفت 7 ق*ت*لى وعشرات الجرحى.

وتزامن الهجوم ايضاً مع مفاوضات وقف اطلاق النار بين الجانبين الروسي والاوكراني في أسطنبول برعاية تركية.
خسائر الجانب الروسي:

– تدمير ثلث سلاح الجو الاستراتيجي الروسي وإن الضربات تسببت في أضرارٍ تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار، وأصابت 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية الروسية في قواعدها الجوية الرئيسية.
– الحاق اضرار بنحو 41 طائرة قاصفة روسية
– اضرار جسيمة بطائرات النقل الستراتيحي والانذار المبكر
– تعرض خمس قواعد جوية روسية الى أضرار مادية
– كسر هيبة روسيا كدولة كبرى وضرب معنويات القوات الروسية .

تقييم العملية :

عملية تعرضية استخبارية جريئة ومباغتة وبأساليب حديثة ومتطورة وتعد نصراً اوكرانيا في الحرب التي استمرت ثلاثة اعوام وتشهد مواجهات عنيفة ، وهي الهجوم الاول في العمق الروسي الذي تجاوز 4000كم .
العملية مدبرة ومخطط لها بسرية تامة واهتمام بالغ وبأستحضارات دقيقة وتنفيذ بأبداع وجراة فيما يقابل ذلك بالجانب الروسي خلل أمني في كافة الجوانب.
أهداف العملية التي تحققت ذات قيمة عالية حيث استهدفت طائرات استراتيجية تفتخر بها القوات الجوية الاستراتيجية الروسية وبذات الوقت كشف العملية عن ضعف ردود الدفاع الجوي الميداني والقطري.
الدروس المستخلصة من العملية:
– أنتخاب الهدف : الاهداف المنتخبة التي هاجمتها المسيّرات الا*نت*حا*رية (المتفجرة) هي طائرات قاصفات استراتيجية روسية في قواعدها بالعمق الروسي وهي ذات قيمة استراتيجية في الصراع بين روسيا واوكرانيا. وان الهجوم الاوكراني استهدف نظام الردع النووي الروسي.
– الاستخبارات الدقيقة التي توفرت لدى الاوكرانيين عن القواعد الجوية الروسية وعن اماكن انفتاح الطائرات الاستراتيجية ولا نستبعد وجود متعاونين مع الجانب الاوكراني في الداخل الروسي لتقديم المساعدة والمعلومات والدلالة.
. التخطيط الكفوء للعملية الذي حدد الاهداف المتوخاة ومسار الرحلة ومواقع أطلاق الطائرات المسيرة ، استغرق التخطيط حسب ادعاء الرئيس الاوكراني سنة وست اشهر وهذا الوقت مبالغ فيه وباعتقادنا ان التخطيط وانتخاب اهداف العملية واعداد الاستحضارات يستغرق أفل من ذلك بكثير .
. الاستحضارات المفصلة : الاستحضارات التي اتخذها الجانب الاوكراني مفصلة ودقيقة حيث نقلت المسيرات على حاويات محمولة بناقلات نسللت بالقرب من القواعد الجوية الروسية وهي عملية غير سهلة وتواجه صعوبات كثيرة.
. المباغتة : نجحت العملية في تحقيق مبدأ المباغتة بالزمان والمكان والاسلوب ونوع السلاح المستخدم ، ونجح الامن الاوكراني في خداع القوات الروسية بتسلل شاحنات مدنية تحمل المسيرات بحاويات خشبية.
. القيادة والسيطرة الاوكرانية : قيادة العملية كفؤة ومرنة ولديها إبداع والمام تام بالموقف واستطاعت ادارة العملية في جوانبها كافة وتمكنت من سحب المنفذين الى العمق الاوكراني بسلام.
. الامن والحماية الروسية : خلل واضح في اجراءات الأمن وحماية القواعد في العمق وكذلك ضعف في الأمن الروسي لعدم كشفه تسلل الناقلات التي تحمل حاويات الطائرات وأوصلتها الى عمق 4000كم.وان الهجوم الاوكراني كشف عن وجود ثغرات في حماية المنشاءات الاستراتيجية الواقعة في عمق الاراضي الروسية
– الدفاع الجوي والقطري الروسي : فشل في التصدي للمسّيرات الاوكرانية.
– المعنويات والايمان بالنصر: العملية تساهم في رفع معنويات القيادة والمقاتلين الاوكرانيين وتزيد من اصرارهم على تحقيق النصر.
– دور الاقمار الصناعية الغربية في تعبير المعلومات عن مواقع القواعد الجوية الروسية وانفتاح الطائرات ومن ثم توجيه الطائرات المسيرة نحو اهدافها .

الخلاصة :
عملية اوكرانية نوعية متطورة من حيث الاسلوب واستخدام المسّيرات الأنتحارية في عمق العدو ، والعملية تعيد الثقة بالقوات الأوكرانية وترفع معنويات المقاتلين في جبهات القتال. وتبعث رسالة الى الغرب والولايات المتحدة بأن اوكرانيا قادرة على الحاق خسائر بروسيا وبالتالي لاداع لتقديم تنازلات كبيرة لإنهاء الحرب.
بصرف النظر عن الرد والانتقام الروسي المحتمل الا ان العملية حققت اهدافها ووجهت ضربة قوية ومؤلمة للقوات الجوية الاستراتيجية الروسية ولهيبة روسيا كدولة كبرى في صراعها مع حلف الناتو واوكرانيا ووضعت هذه الضربة القيادة الروسية في موقف سياسي وعسكري حرج.
أظهرت العملية دروسا مهمة في مجال الاستخبارات والامن والتخطيط والاستحضارات والجراة بالتنفيذ وكفاءة القيادة والسيطرة والابداع باستخدام اساليب متطورة هذا بالجانب الاوكراني ، يقابله خلل واضح في الجانب الروسي في مجال الأمن وحماية المنشأت الحيوية وتقصير بأجراءات الدفاع الجوي.
وفي الختام يتضح لنا أهمية وتعدد أدوار الطائرات المسّيرة في الحروب الحديثة التي تجاوزت كل التوقعات، لذلك ينبغي اهتمام الجيوش بسلاح المسّيرات وادخالها ضمن صنوفها والتدريب على استخدامها.

3 حزيران 2025

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!