مقالات دينية

القبض على المسيح وبدأ أحتفالنا بالآلام

الكاتب: وردا اسحاق

 

القبض على المسيح وبدأ أحتفالنا بالآلام

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

 


بعد عشاء الرب الأخير مع الرسل في علية صهيون ، قال لهم ( أني لا أشرب بعد اليوم من نتاج الكرمة هذا حتى يأتي اليوم الذي فيه أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي ) ” مت 29:26″ . بهذا كشف يسوع لتلاميذه بأن ساعته قد حانت وسيُضرب الراعي وتتشتت خراف القطيع ويشكّونَ به كلهم . بعد العشاء ذهب يسوع مع تلاميذه الى بستان جثسيماني لكي يهيأ نفسه هناك لتسليمها للموت طوعاً . فسبق الحدث بقوله للرسل ( إني أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي ، لي سلطان أن آخذها أيضاً ) ” يو 10: 17-18″ أي بأرادته ذهب مع الرسل الى المكان الذي يعرفه الخائن يهوذا لكي يسلمه الى اليهود والرب يعرف مسبقاً أن يهودا سيخونه ويعرف تفاصيل خطته وهناك في البستان سيسلمه الى اللذين أُرسلوا من قبل قادة السنهدريم للقبض عليه . بعد الوصول تقدم يهوذا وعانق المسيح بقبلة الخيانة ، وتلك القبلة كانت أشارة لليهود ليعرفوه ويقبضوا عليه ، لكنهم لم يفعلوا ، فسألهم يسوع قائلاً. من تطلبون ؟ قالوا ، يسوع الناصري ( قال لهم أنا هو ، رجعوا الى الوراء وسقطوا على الأرض ) ” يو 18 : 4-6″ فلماذا سقطوا ؟ سقط الجند على الأرض ولم يتقدموا اليه بعد عناق يهودا له بسبب هيبته البهية وشخصيته القوية حتى أن من كان ينظر إليه يلزم أن يحبه ويخافه ، وعلى رغم وداعته وتواضعه ، ورغم أنه لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ( مت 19:12 ) إلا أنه كان ذو شخصية رهيبة وكان يبدو أكبر من عمره ، لهذا قالوا له مرة ( ليس لك خمسون سنة بعد … أفرأيت أبراهيم ؟! ) ” يو 8:56-57 ” بينما كان عمره لا يتجاوز 33 سنة لكنهم ظنوه في الخمسين من عمره بسبب هيبته . كذلك سقط الجنود بسبب مفاجأته لهم بقول الحق وبدون خوف وبجرأة تحدى بها قوتهم بصموده أمامهم لأنهم كانوا يظنون بأنه سيهرب عندما يرى الجنود قادمين اليه بأسلحتهم ، واجههم لكي يقول لهم ، أنا هو . وقد كرر العبارة مرتان وهذا ما أذهلهم . طلب منهم بأن يسمحوا لتلاميذه بالمغادرة لكي يبدأ معهم لوحده مسيرة الآلام نحو الصليب ، وعلى الصليب سيعصر المعصرة لوحده , الكنيسة المقدسة تحتفل بآلام المسيح ، يكون حضور المؤمنين في الكنائس يوم جمعة الآلام أكثر من أي يوم في السنة يأتون للأحتفال بآلام سيدهم الذي صلب عنهم في مثل ذلك اليوم . ولماذا يحتفلون بآلام ربهم ؟

يمكن أن يحتفلون بقيامته أو بظهوراته بعد القيامة أو بمعجزاته ، لكن لماذا الأحتفال بآلامه وموته على الصليب يوم جمعة الآلام ؟ يستقبلون أسبوع الآلام بحزن وتجلل الكنيسة بالسواد تعبيراً عن حزنها للسيد ويسمي ذلك اليوم بجمعة الآلام . في الأسبوع الأخير وخاصةً يوم الجمعة يصوم الجميع ويمتنع من تناول الأطعمة الدسمة لكي يعبِركل مؤمن بجسده عن حزنه لمن أحبه ومات عنه ، ويجب أن يمتنع الجميع عن العمل لكي يتفرغون روحياً للتأمل بالعمل العظيم الذي قدمه لهم المخلص على الصليب ، بل يجب أن يخصص هذا اليوم للعبادة لكي يعيش الجميع في عمق كل خطوة سار بها يسوع في طريق الجلجثة نحو الموت على الصليب الذي كان يحمله من أجل الجميع . هكذا نشترك مع المسيح في آلامه ، كما قال الرسول بولس ( لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه ) ” في 10:3 ” .

كذلك نسمي هذه الجمعة بالعظيمة، لأنها عظيمة جداً وفيها تم خلاصنا بموت المسيح على الصليب فدفع ثمن خطايانا وأنشق الحجاب الفاصل بيننا وبين الله فتمت المصالحة ، لهذا نحتفل بهذا الأنتصار العظيم وبهذا الفرح وبتلك المحبة الألهية التي تجسدت على الصليب متذكرين المزمور 117 ونردده قائلين ( قوَتي وتسبيحي هو الرب وقد صار لي خلاصاً ) .

يظن غير المؤمن بالمسيح وبعمله الكفاري على الصليب بأن آلامه وصلبه تدل على الضعف والهزيمة . أما المؤمن فيرى في آلام الجلد وأكليل الشوك وحمل الصليب والموت عليه فوق الجلجثة تحدياً لقوة الأبليس الذي أنهزم وأنهارت مملكته بسبب خلاص بني البشر ، حاول وعلى لسان الحاضرين تحت الصليب بأن يقنع المسيح لينزل من على خشبة الصليب لكي يؤمنون به ، لكن غايته كانت لكي لا تحدث المصالحة والمغفرة فيبقى الأنسان في الخطيئة . وقبل الصلب وأثناء تبشير تلاميذ الرب في المدن والقرى ، قال الرب عن الشيطان ( رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء ) ” لو 18:10″ . نحن المؤمنين لا نرى في آلام المسيح ضعفعاً ، بل قوة وتحدي لأنها تعبر عن قوة محبته اللامتناهية للبشر ، وعلى الصليب تمت خطة الخلاص التي أعدها الله قبل خلق آدم وذلك لكي يعيد الأنسان الى الله ، فليس حب أعظم من هذا ، أن يبذل أحد ذاته عن أحبائه ( يو13:15 ) هنا تتجلى قوة الحب الحقيقي وبذل الذات . وهكذا نحن أيضاً يجب أن نضحي في سيرتنا من أجل خلاص الآخرين بكسبهم الى طريق الرب بالتبشير بالأنجيل وبأخلاقنا المسيحية وأعمالنا الصالحة وبتواضعنا ، لأن في التواضع قوة جبارة تهزم الشيطان كتواضع الرب الذي أظهره في ساعات الآلام والموت ، وبموته مات الموت ، لأن المسيح داس سلطان الأبليس على الصليب . قدس المسيح الآلام بآلامه لأن الألم الذي ينتهي بالبر هو الذي يقودنا الى المجد وحسب قول الرسول بطرس في ” 1 بط 14:3″ ( أن تألمتم من أجل البر فطوباكم ) . أما الرسول بولس فيقول ( أن كنا نتألم معه ، فلكي نتمجد أيضاً معه ) ” رو 17:8 ” .

نرفع شكرنا وتسبيحنا للرب الذي أحبنا وتألم ومات عنا لكي نحيا ويرفع غضب الموت الأبدي عن كل من يؤمن به وبعمل صليبه فيكون له الخلاص

 ليتمجد أسم المصلوب الى أبد الآبدين  

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!