آراء متنوعة

الضربةُ الإ*سر*ائي*ليةُ المُتوقَّعةُ على إيران وتداعياتُها

كتبتُ في 16/3/2025 تعليقًا بخصوص تصريح السياسي الإ*سر*ائي*لي اليميني الليبرالي أفيغدور ليبرمان حول رفضِ وازدراءِ الخامنئي من طلب ترامب البدءَ بالمفاوضات النووية، وإشارتِه إلى الهجمات على اليمن بأنها لربما تُلمِّحُ إلى أن إيران هي التالية، وجاء تعليقي كالآتي: “الضربةُ على اليمن استهدفتْ شلَّ القدرة الحوثية في البحر الأحمر، وتأمينَ الملاحة الحرة الآمِنة فيه، من جهةٍ، وتوصيلَ رسالةٍ لإيران بضرورة الجلوس للبدء بالمفاوضات النووية وإنهاءِ ملفِّها، من جهةٍ أخرى.

فإذا كانت هذه الضربةُ كافيةً، فطاولةُ المفاوضات ستكون الحاسمةَ في رسم مستقبل الشرق الأوسط، وإلا، فالضربةُ القادمة، كما أَستقرِأُ، ستنزلُ حتمًا على مفاعلاتها النووية، في أمدٍ قريب.. الهجماتُ على اليمن لا تستهدفُ إنهاءَ وجود الحوثيين في اليمن، لأن الوجودَ الحوثي يجب ان يبقى لحين انضمام السعودية إلى عملية التطبيع مع إس*رائي*ل، كما أنّ الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، التي ستأتي، حتمًا، وقريبًا، لا تعني إسقاط النظام الإيراني، أو عدم الدخول في مفاوضات مع أمريكا، لأن وجودَ إيرانٍ مُنكَمشٍ على نفسه، هو جزءٌ من الخارطة السياسية الجديدة”.

كما وكتبتُ في 10/6/2025 تعليقا بخصوص تصريحاتِ ترامب حول المحادثات النووية، وعدمِ تفاؤله من نتائجِها، إذ جاء تعليقي كالآتي: “يبدو أنّ ترامب غيرُ متفائِلٍ، وهذا يعزِّزُ احتماليةَ نفادِ صبر إس*رائي*ل، وقيامِها بضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون انتظار نتائج المباحثات، وهو ما أُرجِّحهُ وفق المُعطياتِ التي رصدْتُها خلال هذه الفترة.. قريبًا ستبدأ الضربةُ الإ*سر*ائي*ليةُ، ما لم تحدثْ مُستجدّاتٌ غيرُ مُتوقَّعةٍ.

وأُرجِّحُ، كذلك، عدمَ تطوّر الضربة إلى حربٍ في المنطقة، إذا قرّر الخامنئيُّ الحفاظَ على سلامة النظام الإيراني، وتمكّنَ من السيطرة على مقاليد حكمِه ومعالجةِ الصراعات الداخلية”.

وكذلك علَّقتُ بتأريخ 12/6/2025، على تصريحات الرئيس الإيراني بزيشكيان حول إصرار النظام الإيراني على مواصلة التخصيب، حتى لو قامت إس*رائي*ل بقصف المنشآت النووية الإيرانية، كالآتي: “تصريحٌ خطير جدا من بزيشكيان، فهو لا يشيرُ، فقط، إلى حَتميّة إنزال إس*رائي*ل ضربةً قاسيةً على المنشآت النووية الإيرانية، وإنما يشيرُ، ضِمنًا، إلى أنّ مشروعيةَ النظام الإيراني ستكون على المِحكّ في المنظور الغربي، وستكونُ إزالةُ النظام مطروحةً على الطاولة الغربية، لدى التيار القومي اليميني، وتيار العولمة في آن واحد.

وذلك، لأنّ الضربةَ الإ*سر*ائي*لية، مهما كانت قاسية، فإنها لا تمنعُ إيران من إعادة بناء مفاعلاتِها من جديد، فهي قادرةٌ، وخلال سنوات قليلة، على إنشاء مفاعلات جديدة، وهذا يعني عدم جدوى الضربة مع بقاء النظام على سدّة الحكم في إيران”.

قامت إس*رائي*لُ، فجرَ الجمعة، بتنفيذ ضربتِها التي كنتُ قد توقَّعْتُ حصولَها قبل نهاية المباحثات النووية، مستهدفةً المنشآتِ النوويةَ الإيرانيةَ، وعلماءَ الذرّةِ، وقيادةَ الجيش والحرس، في وقتٍ لم تكن القيادةُ الإيرانية تتوقَّعُه، وبحجمٍ لم تكن تتصوَّرُه.

ويبدو أنّ واشنطن وتل أبيب قد نفّذتَا حملةَ تضليلٍ لإيهامِ إيران بأنَّ الضربةَ ليست وشيكة (حسب تايمز أوف إس*رائي*ل عن مسؤول إس*رائي*لي)، فأُخِذتِ القيادةُ الإيرانيةُ على حِين غَرَّةٍ، واصطادَ الموسادُ الإ*سر*ائي*لي، في خِضَمِّ هذه الضربة عددًا كبيرًا من قادةِ الصفِّ الأول في الجيش والحرس الثوري، وقادةِ الأنشطة النووية وركائزِها من علماء الذرّة ومهندسيها.

وتعليقًا على الضربة الإ*سر*ائي*لية، قال نتانياهو: “وجَّهنا ضربةً استباقيةً مُذهِلةً، لكنّ الردَّ الإيراني قادمٌ، وأدركنا الحاجةَ والثّمنَ الذي يمكنُ أنْ ندفعَه إذا امتلكتْ إيرانُ سلاحًا نوويّاوسيكون هناك ثمنٌ للضربة الإيرانية لكننا نستعدُّ لتقليصِه”. (حسب بزنس ميدل أست)

نتانياهو، بتصريحه هذا، يؤكّد أنّ هذه الضربةَ الاستباقيةَ مَدفوعةُ الثمنِ، والثمنُ سيكون قاسيا، وسيسعى لتقليصه، وأنّ هذا الثمنَ سيكون أهونَ بكثيرٍ من امتلاك إيران لسلاحٍ نووي، وهذا يعني أنّ إس*رائي*لَ تهيَّأتْ لهذه المُواجَهةِ وستَمتصُّ أسوءَ الاحتمالات، بل والأدهى من ذلك، أنّ نتانياهو يعتبرُ هذه الضربةَ قد تُغيّرُ الشرقَ الأوسطَ (حسب بزنس ميدل إست)، وهو ما أعتقدُه أيضا، وكنتُ قد اِستقرأتُه في كتاباتي السابقة.

ستفرشُ إيران ردَّها على الضربة الإ*سر*ائي*لية على مدى أسابيع، وستهاجمُ إس*رائي*لَ، جوًّا بالصواريخ والمسيّرات، وبرًّا ببقايا فلولها في لبنان وسوريا، وبحرًا ببحريّتها وزوارق فلولها من اللاذقية، إذا تمكّنتْ من إعدادها للحرب، وتأملُ أنْ يكون هجومُها مُؤذيًا جدًّا، من جهةٍ، وأنْ تشحذَ التأييدَ لها وتخترِقَ التماسكَ الغربي ضدّها، خلال هذه الفترة، من جهةٍ أخرى.

كما أنّها قد تلجأ إلى غلقِ مضيق هرمز، وضربِ المنشآت النفطية الخليجية، والقواعدِ العسكرية الغربية في الشرق الأوسط والمحيط الهادي، والسفنِ التجارية في باب المندب، وقد تستخدمُ في ضرباتها أسلحةً محظورةً، إلا أنّ هذه الإجراءاتِ المحسوبةَ لدى إس*رائي*ل سوف لن تكون حاسمةً في ترجيح كفّة إيران في هذا الصراع، لأنّ ما لدى إس*رائي*ل والغرب من أدواتٍ فاعلة، تفوقُ بكثير جدًّا ما لدى إيران.

ليس أمام إيران إلّا خيارَين، لا ثالث لهما، إما الجلوسُ على طاولة المفاوضات، وتفكيكُ البرنامج النووي، والبالستي، أو التمادي في الحرب بكل ما لديها من إمكانات، وهو ما سيدفع النظامَ الإيرانيَّ إلى السقوط، خلال أسابيع، وليس أشهر، وهو ما أتوقَّعُه.

انكماشُ إيران، أو سقوطُها، سيُمهِّدُ الطريقَ أمام نتانياهو لاستكمال خارطة الشرق الأوسط، والجهةُ التي ستتأثّرُ بهذه الخارطة هي تركيا والكرد، وقد أشارَ دولت باهجلي إلى ذلك حينما قال: “إن هدف إس*رائي*ل بعد إيران سيكون تركيا، ومشروعَها السلميَّ مع الأكراد” (حسب منصة أن صون خبر التركية www.ensonhaber.com)

وسيتأثّرُ الوضعُ الكردي في العراق بهذا الفراغ الذي ستتركُه إيران، خاصّةً، وأنّ علاقةَ الحكومة المركزية وحكومة إقليم كوردستان قد توتَّرتْ جدًّا في الآونة الأخيرة، ولن تكون المطالبةُ بالاستقلال وصيحاتُها بعيدةً عن مسامِعنا، وقد نشهدُ تَحرُّكًا عسكريا لتنفيذها، ما لم تتحرّكْ تركيا نحو تسريع عملية السلام، وتحقيقِ تحالفٍ كردي-تركي.

وسينتهي ملفُ غزّة مع الملف الإيراني، حسب ما خطّطتْ له إس*رائي*ل، وسيكون قطاعُ غزّة خاليًا من السلاح، وتحت إدارةٍ مدنيةٍ تابعةٍ لإس*رائي*ل، بِمَنْ تَبقَّى فيه من الفلسطينيين، كلُّ ذلك، إذا لم تتمكّن إيرانُ من إزالةِ إس*رائي*ل من الوجودِ، طبعًا.

ستكون لهذه الضربة آثارٌ اقتصاديةٌ على اقتصادات العالم، فمؤشّراتُ البورصات العالمية انخفضتْ، وأسعارُ النفط والذهب والفضة ارتفعتْ، وستتعرّضُ شركاتُ الطيران العاملة في المنطقة إلى خسائر مالية، وسيَدبُّ الركودُ في الأسواق، إضافةً إلى الركود الاقتصادي الحالي في المنطقة. وستتَذبذبُ أسعارُ صرفِ العُمْلات المحلية والدولار، فقد ارتفعَ سعرُ الدولار في العراق، بسبب خشية المُهرِّبين وسُرّاق المال العام من انخفاض سعر صرف الدينار، فلجؤوا إلى الدولار كملاذٍ آمنٍ، وارتفعَ بذلك سعرُ صرف الدولار، كما أنّ سعرَ الدولار في تركيا وإيران قد ارتفعَ بشكلٍ ملموس.

ردودُ أفعال الدول حيال الضربة الإ*سر*ائي*لية كانت مُتنوِّعة، فأمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا لم تشارك في العملية، وإنما أعلنت دعمَها لإس*رائي*ل وحمايتَها من الهجمات الصاروخية الإيرانية، وقد صَدَّتِ الكثيرَ منها قبل سقوطها على إس*رائي*ل، أما الدول العربية فندّدتْ بالضربة على استحياءٍ وفرحةٍ باطنةٍ، في حين أعلنتْ باكستان دعمَها لإيران، وكانت قد قدّمت لها مساعدات نووية لإنتاج أسلحة نووية، والتي كانت السبب بإنزال هذه الضربة، وأظهرتْ تركيا استياءَها التامّ من هذه الضربة واعتبرتْها خطوةً نحو استهدافِها وتقسيمِها، لذلك تسعى إلى إيقاف الحرب بشتّى الوسائل كي لا تصلها شظاياها.

تحييدُ إيران، والفراغُ الذي سيتركُه، سيَصُبُّ إيجابًا على الساحة العراقية، وسيفتحُ المجالَ لصياغة نظامِ حكمٍ جديدٍ، وعلاقاتٍ داخلية وخارجية جديدةٍ، واقتصادٍ جديدٍ، وبالأخصّ على الساحة الكوردستانية، وسنشهدُ في الأشهر القادمة غَفَلةَ مَنْ غَفلَ من العراقيين، واستيعابَ مَنْ استوعَبَ منهم، وتناغمَ مع الأحداث، وشاركَ في رسم الخارطة السياسية العراقية الجديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!