مقالات دينية

الصوم أجمل هدية نرفعها الى الله

الكاتب: وردااسحاق

الصوم أجمل هدية نرفعها الى الله

بقلم / وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا
( فالآن يقول الرب : أرجعوا أليّ بكل قلوبكم ، وبالصوم والبكاء والأنتحاب . مزقوا قلوبكم لا ثيابكم وأرجعوا الى الرب ألهكم فأنه حنون رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشر ) ” يوئيل 2: 12-13 ) 
بمناسبة دخولنا في شهر التبريكات المقدس ، فعلينا أن نعيش هذه الأيام المباركة الى يوم ميلاد الرب بالصوم والصلاة والتأمل بكلمة الله ، لهذا أرتأينا الى تدوين هذه السطور لكي نوضح الغاية من صومنا وصلواتنا وتأملنا في هذه الأيام المباركة .
الصوم هو أستعداد وتهيئة وأول فريضة أيمانية فرضها الله على الأبوين في جنة عدن لكي يصوموا من ثمار شجرة معرفة الخير والشر ، فعلى المؤمن أن يختبر الصوم أختباراً جيداً بعد أن يدرك أبعاده جيداً وأهميته وغايته ، وفي فترة الصوم يجب أن يخصص جزء منه للصمت وخاصةً بعد الصلاة لكي يتأمل صوت الله الذي ينطق بلغة الهدوء السماوي في عمق الأنسان . وهكذا عندما يتحد الصوم مع الصلاة والصمت يرتقي الروح قمة السماء ، وهذا ما يُجنى من ثمار الصوم . كذلك يجب أن نعلم بأن هناك خمسة طلبات مهمة يجب أن يطبقها الصائم أثناء الصوم لكي يكون الصوم مثمراً وكل الطلبات تبدأ بحرف الصاد وهي ( صوم – صلاة – صمت – صفح – صدقة ) . أثناء الصوم تكثر تجارب المجرب فعلى الصائم أن يمتحن أيمانه وقدراته وقوته لمجابهة حروب العدو الذي يشجع الصائم الى حب الذات كوسيلة للتغلب على الصوم كما فعل مع الرب يسوع فطلب منه أن يحّول الحجارة الى خبز أي يدفع الأنسان الى شهوة الطعام وكذلك الى شهوة الخطيئة . فلأجل تطهير النفس في وقت الصوم يجب أن تبدأ الخطوة الأولى بأعلان التوبة والصلاة الحارة والصوم من عمل الخطيئة في فترة الصوم لكي يكون الصوم طاهراً ومقبولاً . 
الصوم هو الجوع والتقشف لكي يشعر الصائم بالفقير الجائع فيمد له يد العون بصدقته ، كما عليه أن يصفح للذين أسائوا اليه وهكذا يبرز الأيمان بالأعمال ، فبسبب الأيمان نصوم وبأعمالنا الصالحة نعطي للمحتاجين ونتصالح مع الآخرين . ماذا ينفع الصوم الذي يمارس مادياً ومعنوياً دون مساعدة الفقير ؟ مثل هذا الصوم يصبح ممارسة تقليدية مجردة من غايات الصوم التي يطلبها منا الله ، لكن عندما نقرض للجائع ما يحتاجه فإننا نقرض الله نفسه وكأننا نقدم له تقدمة وذبيحة مرضية . أما الذي يبرر نفسه بأنه صائم لله دون أن يساعد الفقير فإنه يتحايل على شريعة الله ، لأن أعمال الرحمة هي من أهم الأعمال المطلوبة لمساعدة الفقير الذي نراه ، وهو يمثل الله الذي لا نراه . فالصائم الذي يدفع للمحتاج الطعام الذي لم يتناوله في فترة الصوم ، فإنه يكرس نفسه لعمل الرحمة والطهارة والنقاوة فينتقل بسبب تلك الأعمال الى مرحلة التغيير والسمو الروحي بصوم اللسان والتفكير السيء لكي يدخل مرحلة أخرى وهي مرحلة الجهاد الروحي ومقاومة تجارب الأبليس التي تكثر في وقت الصوم وكما جرب المخلص في اليوم الأخير من صومه . فالجوع أثناء الصوم هو غذاء الروح واليقظة الروحية ، فالروح لا يهتم للطعام الفاني ، بل الى طعام آخر يليق به هو كلام الله الذي يجب أن يقرأ في فترة الصوم لأن ( ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) ” تث 3:8″ . 
أما الذي يريد أن يبرر نفسه من الصوم بسبب هذه الآية فيقول ، لماذا أصوم إذاً من الطعام ؟ فالجواب هو لكي نشعر بالجائع ونرحمه ، هذا كبعد أول . أما البعد الثاني لكي نمانع الجسد من لذة الطعام فنبني حاجزاً أمام شهواتنا وأنفعالاتنا الأنانية . فالمقصود إذاً ليس الطعام ، بل شهوة الجسد ، وهكذا نتسلح بقوة وعزيمة وصفاء النفس والسيطرة على الذات . 
الصوم ليس عن الطعام فقط بل يشمل كل الحواس كصوم العين من الشهوة . واليد من التعدي والسرقة . والأذن من سماع ما لا يليق بصفاء الأيمان . واللسان من ذكر الآخرين بالسوء ، ومن شهادة الزور والشتيمة والكذب والنفاق . والعقل من التفكير بحسد وحقد وكراهية الآخر . هكذا سيصبح الصوم أجمل هدية نقدمها الى الآب السماوي ، بل بالصوم نعبر عن شكرنا لله الذي خلقنا ووهبنا الحياة والأيمان بأبنه المخلص . لهذه الأسباب تخصص الكنيسة المقدسة أياماً كثيرة للصوم منها تسبق الأعياد ، كالصوم الكبير الذي نعيشه ونتذكر به صوم الرب الأربعيني ولكي نعيش نحن أيضاً فترات الصوم مستعدين للتجارب التي تلحقنا في زمن الصوم لكي نحارب المجرب بقوة ، فإن أنتصرنا ، سننال أكاليل النصر بسلاح الصوم ، وهكذا تتسامى طبيعتنا الضعيفة بعد تحملها لنير التجربة وذلك بالأتكال على الروح القدس العامل فينا والذي يمدنا بقوة روحية ويدفعنا لعمل أعمال الرحمة والصلاة والتبشير بكلمة الله الحية والتأمل بها من خلال قرائتنا اليومية للكتاب المقدس والتأمل العميق بكلام الله . كذلك الصلاة اليومية أثناء الصوم ، ان الصلاة تعلمنا فن الحوار مع الخالق ومناجاته ، ومن ثم الأصغاء الى صوته الصادر في أعماقنا . كما على الصائم أن لا يكتفي بقراءة الكتاب المقدس فقط ، بل قراءة وتأمل في قصص القديسين الأطهار وذلك لأجل المنفعة الروحية لأنهم شهود الأيمان الحي وأبطال المسيرة ، بل الطريق الذي أقتدوه هو الأقصر الى الملكوت فعلينا أن نقتدي بهم . 
بالصوم نكتشف طاقاتنا وأمكانياتنا الداخلية وقوة أرادتنا ، لأن الصوم هو الطريق الذي يقودنا الى نوال النعم والفضائل . هكذا الصوم يكشف لنا عطية الله فيدفعنا الى الندامة وأعلان التوبة والأعتراف والتهيئة لتناول الأفخارستيا بأستحقاق . بعد أن نخرج من زمن الصوم المقدس تتعمذ حواسنا وتستفيق من سبات الخطيئة والخمول فنرتقي في سلم القداسة في زمن الصوم الذي يفيض فيه النعم والبركات . فبالصوم تتحمس النفس للعيش في حياة النقاوة مع الله ، وهذه هي أجمل هدية شكر يستطيع المؤمن أن يرفعها الى خالقه المحب . فيقول له يسوع الرب ولأمثاله الصالحين ( تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ، لأني جعت فأطعمتوني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فأويتموني . عرياناً فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . سجيناً فـيتم ألي ّ … ) ” مت 25: 34-41 ” .
ليتبارك أسم الرب يسوع

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!