مقالات دينية

الصوم الكبير … صراع بين النفس والجسد

الكاتب: وردااسحاق

 الصوم الكبير … صراع بين النفس والجسد

( ركبتاي ارتعشت من الصوم ولحمي هزل عن السمن )  

” مز 24:109″

 

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

سمي بالصوم الكبير لأنه أطول الأصوام . ويسمى بالصوم الخمسيني لكونه يبدأ قبل عيد الفصح بخمسين يوماً . يسوع المسيح صام أربعين يوماً ، وقبله الأنبياء موسى وأيليا ، فلماذا لا نقتدي بهم ونصوم الأربعين ؟ الجواب هو أن الأسبوع الأخير ( أسبوع الآلام ) غير محسوب مع أيام الأربعين ، لأن الصوم في تلك الأيام لا يعد مع الأربعين يوماً ، بل هو صوم التهيئة للعيد وتناول جسد ودم المسيح في يوم قيامته من بين الأموات ، أضافة أن الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية يبدأ صومها من يوم الأربعاء وليس الأثنين . تقدم الكنيسة المقدسة في أسبوع الآلام صلوات طقسية ووعظات خاصة بخميس الأسرار المقدسة ، وفي الجمعة العظيمة ، يوم صلب الرب وهو أفضل يوم في حياتنا لأن الرب أثبت فيه  مَحَبتَهُ اللامتناهية لنا ، فيه دفع ثمن خطايانا وبدمه تمت المصالحة بيننا وبين الله الآب ، لهذا المسيحيين يفضّلون هذا اليوم على باقي أيام السنة ويثبتون محبتهم لفاديهم بحضورهم في الكنائس في ذلك اليوم أكثر من كل أيام السنة . أما سبت النور فهو للأستعداد للدخول في يوم القيامة وتناول الفصح المقدس  .

الأسبوع الأول قبل الصوم هوتهيئه النفس للدخول في الصوم لأن أيام الصوم الكبير هي من أفضل الأيام التي تقربنا من الله ، وبها نمتحن أيماننا ونقوي برنا ، والمجرب في أيام الصوم  يمتحنا بقوة لهذا يجب أن نتهيأ لكي ننتصرفي تجاربه كما انتصر عليه يسوع الصائم الجائع . فالصوم ليس مجرد تجويع الجسد و بالأبتعاد عن الأكلات الشهية لكي نعيش كالفقراء ، بل هو أستعداد لتطهير النفس ورفعها نحو الخالق  . كذلك الصوم هو الوسيلة التي تدفع المؤمن الى التأمل والعيش بحسب وصايا الأنجيل . كما يجب أن يقترن صوم المؤمن بالصلاة والتوبة وقراءة الكتاب المقدس . إذاً الصوم هو الطعام المفضل للروح البشرية . وفي الصوم يكشف المؤمن كل ضعفات النفس . فالصوم ليس مجرد الأمتناع عن الأطعمة الحيوانية اللذيذة كما فعل دانيال فامتنع عن أكل اللحوم والأكلات الشهية ” دا 3:10 ” أوالأنقطاع عن الأكل الى منتصف النهار ، بل على الصائم أن يصوم أيضاً من أشياء كثيرة يشتهيها الجسد ، أنه جهاد روحي وحرب بين الجسد والروح لأن الجسد يشتهي بعكس ما يريده الروح .  متطلبات الصوم لا تقتصر على الصوم المادي فقط ، بل الصوم من عمل الخطيئة في فترة الصوم والناتج بسبب ضعف الحواس . فالصائم الذي لا يضبط حواسه فصومه باطل ، لأن صوم وصلاة الخاطىء لا تصل الى عرش الرب . فالمجرب يدفع الأنسان الى الشهوات الحسية في فترة الصوم ، فلنبدأ بحاسة النظر التي تدفع الأنسان الى خطايا كثيرة كالحسد والشهوة والحقد وغيرها لأن العين هي سراج الجسد ، لهذا قال الرب ( … وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً ) ” مت 23:6″ ولهذا يطلب منا يسوع لكي نحصن نظرنا لكي لا يدفعنا الى المعصية والسقوط ، لهذا قال ( فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فأقلعها والقها عنك ) ” مت 29:5 ” . هكذا يجب أن ننقي عيوننا أولاً لكي نبصر جيداً فنرى العالم كما ينبغي ، لهذا أمرنا الرب أن نخرج الخشبة من عيوننا لكي ننظر جيداً قبل أن نخرج القذى من عيون الآخرين . كما نحتاج في فترة الصوم الى صيانة حاسة السمع ، فبدلاً من أن نسمع الكلمات والأقوال التي لا تليق بأيماننا ، علينا أن نفضل سماع المواعظ الروحية والترانيم والصلوات التي تقربنا من الله .

أما اللسان فعلينا أن نستخدمه في فترة الصوم للتسبيح والشكر والصلوات والتبشير وللدفاع عن الحق . لسان الأنسان عضو حساس جداً ، به نصلي ونرتل وبه نلعن ونذكر الآخرين بالسوء . لهذا يقول عنه الحكيم ( الموت والحياة في يد اللسان ) ” أم 21:18″ . باللسان نتكلم ، وكلامنا ينبغي أن يكون طاهراً ، لهذا قال الرب ( لأنه بكلامك تتبرر وبكلامك تدان ) ” مت 37:12″ هكذا يجب أن نصون لساننا لكي يكون كلامنا بلا عيب ولكي لا تخرج منه كلمة رديئة لا تليق القداسة ، ومن الأفضل أن يقلل الصائم كلامه مع الآخرين في فترة الصوم وكا يقول المثل ( كثرة الكلام لا تخلو من معصية . أما الضابط شفتيه فعاقل ) ” أم 31:10 ” .

في فترة الصوم يجب أن نضبط شهواتنا الكثيرة ، كشهوة المال والجنس والمدح وغيرها لكي نتنقى ونتطهر . فصوم النفس من الشهوات هو أفضل من صوم الطعام والشراب . فعليه المؤمن الذي يريد أن يسمو نحو الكمال الروحي عليه أن يسمو بكل غرائزه لكي يحصل على جسد منضبط ولائق لسكنى الروح القدس ( طالع 1 قو 19:6) ولهذا يقول الرسول بولس ( الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الشهوات ) ” غل 24:5

ومن الأمراض الروحية الكبرياء . فعلينا أن نصوم أيضاً من شهوة المديح بطريقة أنكار الذات والأتضاع وأنسحاق النفس أمام الآخرين لكي نشعر بضعفنا وكأننا فقراء ومهما كانت منزلتنا في المجتمع علينا أن لا نفرح  ونقبل مديح الناس متذكرين الرسولين بولس وبرنابا عندما أكرمهما الناس شقا ملابسهما ) ” أع 14:14) 

أما المال فهو أصل لكل الشرور ( 1 تي 6 :10 ) فعلى المؤمن الصائم أن يطهر سيرته ويخليها من محبة المال ( عب 5:3) ونتذكر قول الرب لنا ( لا تقدروا أن تخدموا الله والمال ) ” مت 24:6″ . وفي الكتاب المقدس أمثلة كثيرة لأشخاص جرحوا أنفسهم بسبب محبة المال مثل عخان بن كرمي ( يش 7) وجيحزي خادم أليشع ( 2مل 5 : 2- 72) وحنانيا وسفيرة ( أع 5) والشاب الغني الذي قابل المسيح وعاد حزيناً بسبب كثرة أمواله .

 ختاماً نقول : فترة الصوم يجب أن يرتفع الأنسان عن شهوات الجسد ويعمل ما للنفس فيرتفع في علاقة طاهرة

مع الله ويتسامى عن الشهوات فيخلق له أرادة وسيطرة على الذات فتتهاوى ملذات العالم أمامه فينطبق عليه قول الرسول ( لكن ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة . وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه ) ” في 3: 7-9″ وهكذا سنهزم المجرب  أو ننتصر على تجاربه  ونعيش مع الله المحب ، والله يقبل صومنا  وصلواتنا وحياتنا فنعيش في سلام وفرح .

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!