مقالات عامة

السيجارة الالكترونية ظاهرة وبائية غامضة

لويس إقليمس

لويس إقليمس     

 

السيجارة الالكترونية ظاهرة وبائية غامضة

لويس إقليمس

بغداد، في 3 تشرين أول 2019

يُخطئ مَن يعتقد بتفضيل تدخين السيجارة الالكترونية التي تم تقديمها لأول مرة في 2003 من قبل صيدليّ صيني، على نظيرتها التقليدية بهدف الإقلاع عن التدخين لكون هذه الأداة الحديثة لا تشكل مضارًا لمدخِّنها. فقد أثبتت الوقائع تعرّض الكثيرين من مستخدميها لأشكال من الإخفاقات والمشاكل الصحية التي لا تقلّ في خطورتها عن تدخين السيجارة التقليدية التي تستخدم أنواعًا مسمومة من التبوغ، غالبيتُها غير خاضعة للتصاريح والمعايير المقبولة في أدنى أضرارها ومخاطرها. فيما تشدّد دول أخرى مثل فرنسا التي تضع استخدام هذا النوع من التدخين الحديث تحت الرقابة وإشراف الجهات الصحية المعنية.

وكذلك مَن يعتقد أنه قد فطمَ نفسَه من أذى السيجارة التقليدية وغيرها من أشكال التبوغ السامة التي نعرفها، فهو مخطئ ايضًا. فالطفل الذي يُفطم عادة، تُستبدل أدوات تغذيته المعتمدة على حليب الأم إلى أخرى مفيدة وأكثر فاعلية في تعزيز نموه والأخذ بقدراته الجسدية نحو القوّة والاكتفاء الذاتي من شكل التغذية الجديد وذلك انسجامًا مع نموّه الجسدي والعقليّ. بعكسه، فإنّ مستخدم السيجارة الالكترونية يكون قد انتقل من عادة سيّئة إلى أخرى أسوأ منها، وبها يجاهر مدّعيًا أنه ترك عادة التدخين التقليدية السيئة أساسًا. فيما تشير آراء أصحاب الخبرة والأبحاث التي انطلقت تنشط حديثًا لمراقبة هذه الظاهرة منذ تموز من هذا العام الجاري انطلاقًا من ولاية وسكنسن الأمريكية إلى أنّ ما تقدّمه هذه الأداة الجديدة لا يقلّ خطورة عن سابقتها. بل من الممكن أن تشكّل هذه الأداة الأخيرة أزمة صحية محتملة لمستخدميها. وهذا ما أثبتته تقارير طبية من مراكز صحية عالجت واطّلعت على حالات مرضية غامضة في معظمها.

 من الجدير ذكره، أن السيجارة الالكترونية قد أضحت مدعاة للزينة والتفاخر والتباهي في التع-اط*ي معها بسبب تعدّد أشكالها الجميلة مع “أكسسواراتها” المزينة. بل أضحت هذه الأداة لدى البعض نوعًا من الترف الذي يضاهي استخدام الشيشة المقرف في أماكن عامة وجلسات السمر والسهرات الليلية في النوادي والبارات ومحلات اللهو، وحتى في المنازل. بل هناك مَن يتبختر بنفث دخان السيجارة الإلكترونية إلى أبعد مسافة ممكنة، في إشارة إلى متعته والسباحة في مخيلته الحالمة ناسيًا أو متناسيًا أنّ ما يستنشقه من سمومها الالكترونية يجهل الكثيرون كنهها وتركيبتها ونوع مادتها.

صحيحٌ أن رائحة التبوغ المستخدمة في السيجارة التقليدية مقارنة مع نظيرتها الالكترونية تكاد لا تُطاق، وخاصة حين التقرّب أكثر من المدمنين عليها والاختلاط بهم بسبب ما تنشره هذه السموم من روائح كريهة وما تتركه من آثار على وجه المدخّن وشكل الشاربين المصفرّين حدّ الاحتراق. لكن في المقابل، لا يبدو للناظر السويّ أنّ ما ينفثه ويستخرجه المدمن على الأداة الجديدة من دخان أبيض كالثلج وما يستنشقه عبر منخاريه من بخار للمحلول الالكتروني الذي يحتوي على مواد مثل النيكوتين والجريسرول والبروبيلين غليكول ونكهات وما شاكلها من مواد مضافة ومن ملوّثات ومسرطنات، هو في حقيقته غير صحيّ تمامًا وغير مقبول ولا مستساغٌ من حيث المنظر وشكل الاستخدام وسط العامة. ولعلّ منع التدخين بأشكاله في دوائر عامة ومطارات ومواقع صحية يدخل ضمن هذا المفهوم بكون عادة التدخين غير مقبولة وغير مستحبة أساسًا، سعيًا بالتالي وراء خلق بيئة صحية مناسبة ومقبولة للجميع. فالأماكن العامة ومنها المغلقة تحديدًا، ليست ملكًا للمدمنين على أشكال التبوغ وأدوات التدخين، حتى لو كانت بتقنية جديدة تدّعي الحفاظ على صحة البشر وبيئة الطبيعة التي ازداد تلوثُها وسوء استخدامها.

من الجدير الإشارة إلى ما تقوله مصادر أميركية موصولة بهذه الظاهرة بحسب جريدة اللوموند الفرنسية الصادرة بتاريخ 27 أيلول 2019، من أن استخدام السيجارة الإلكترونية، والتي تم تقديمها كبديل لسموم التبغ المعروفة، قد شاعت مضارُها، وبدأت تظهر للعيان حالات وبائية غامضة أخذت تثير لغطًا كبيرًا لما سبَّبته من أزمات صحية لعدد لا يُستهان به من مستخدميها، مثل الغثيان وآلام البطن والصداع وتهيّج أعضاء مهمة من الجسم دون سابق إنذار. وهذا بعينه، مدعاة لشعور مستخدميها بشيء من القلق بعد تشخيص حالات طارئة من أمراض الرئة الغريبة التي تسببت في وفاة العشرات، بحسب مصادرهم الصحية. وهناك مَن يعزو هذه الحالات المرضية وهذه الوفيات إلى سوء الاستخدام أو إلى المواد السامة المضرّة المستخدمة في تركيبة المحلول الالكتروني الذي يتبخر بفعل التسخين ويستنشقه المدخن عبر النفث المستمر في هذه الأداة. فقد وجدت في عدد من الحالات المشخصة في شهر أيلول المنصرم بعض آثار ممّا يُعرف برباعي هيدروكانابينول ومادة أخرى ذات تأثير نفسي لها صلة بمادة القنب وهي عبارة عن نوع من حشيش مخدِّر.

مع جهود الجهات الدولية المصنّعة لهذا الشكل الجديد من أدوات التدخين بالحدّ من آثارها السلبية العارضة وتقليل ما أمكن من المخاطر المصاحبة في استخدامها اليوم على نطاق واسع وبشكل ملفت للنظر، إلاّ أنّ خبراء الصحة مازالوا يحذرون من الإدمان عليها، خاصة بسبب عدم التزام الجهات المصنّعة بالمعايير الصحية التي تم اكتشاف هذا النوع من أدوات التدخين لغايات سليمة تهدف لابتعاد البشر عن سموم التبوغ والمخ*د*رات التي شاع استعمالها وتع-اط*يها بشكل خطير. وتبقى هذه المحاذير قائمة أمام اتساع مساحة المدخنين والمدمنين على هذا النوع الجديد من ادوات التدخين التي أصبحت ظاهرًا نوعًا من الترف والتباهي والسرحان في أجواء حالمة لا تقلّ في شكلها عن أحلام اليقظة وأجواء المخ*د*رات وتع-اط*ي المسكرات.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!