مقالات

التكنولوجيا في خدمة العدالة: السوار الإلكتروني كبديل للعقوبة

التكنولوجيا في خدمة العدالة: السوار الإلكتروني كبديل للعقوبة السالبة للحرية في العراق وتحليل جدواه الاقتصادية
الدكتور اكرم حياوي

وفقًا لما تعلمناه من أساتذتنا الأفاضل في منهجية البحث العلمي، تُعَدُّ صياغة المشكلة نقطة الانطلاق لأي دراسة ناجحة، إذ تُطرح كسؤال يبحث عن حلول مبتكرة، وفي هذا السياق، يتمحور سؤال مقالنا حول: “ما مدى الفائدة المتحققة من التكنولوجيا الحديثة ، في أن تُسهم في تقليل النفقات المالية التي تتحملها الحكومة العراقية نتيجة احتجاز أعداد كبيرة من السجناء في مختلف المحافظات وما يتطلب من الحكومة توفير الغذاء والماء والكهرباء والدواء والحراسة المتشددة لهم؟”
تأتي هذه المقالة في ظل الحاجة الملحّة لإعادة النظر في الأنظمة العقابية الحالية وتبني أساليب رقمية وابتكارية تتيح تحقيق التوازن بين متطلبات حفظ الأمن وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الدولة، مع الحفاظ على حقوق المتهمين ،وإرساء مبادئ العدالة والإنسانية في النظام القضائي.
وبما ان التكنولوجيا الحديثة تُحدث تحولاً جذرياً في أنظمة العدالة الجنائية حول العالم، لذا يُعتبر السوار الإلكتروني ،أحد أبرز الابتكارات في هذا المجال، الذي من الممكن تطبيقه في العراق، كون هذا النظام يُطرح كبديل، فعّال للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، مع إمكانية تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة.
ماهية السوار الإلكتروني وآلية عمله
السوار الإلكتروني هو جهاز يُثبت على معصم أو كاحل أو رقبة المحكوم عليه، ويُستخدم لتحديد موقعه الجغرافي عبر تقنيات مثل GPS ويُراقب السوار عن بعد من قِبل الجهات الأمنية أو القضائية، ويُحدد للمحكوم عليه نطاقاً جغرافياً مسموحاً بالتحرك ضمنه.
شروط التطبيق:
• أن تكون العقوبة قصيرة المدة (سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات).
• ألا يشكل المحكوم عليه خطراً على الاسرة والمجتمع.
• موافقة المحكمة بناءً على تقييم فردي للحالة

الجدوى الاقتصادية للعراق
تشير الدراسات إلى أن تكلفة إيواء السجين في العراق، تصل إلى ~3,000 دولار سنوياً، بينما تكلفة السوار الإلكتروني لا تتجاوز ~500 دولار للسجين الواحد سنوياً بالمقارنة، مما يساهم في توفير التكاليف لو طُبّق النظام على 10% من السجناء (نحو 3,000 سجين)، ستوفر الدولة ~7.5 مليون دولار سنوياً بالإضافة الى الاتي:
• عوائد غير مباشرة: تقليل معدلات العودة للإجرام بنسبة تصل إلى 30%، وفق تجارب فرنسا كون ازدياد الاجرام تأتي في الكثير من الأحيان نتيجة الاختلاط بالمجرمين.
• خلق فرص عمل: يتطلب النظام كوادر فنية لمراقبة البيانات، مما يُسهم في تشغيل الشباب في قطاعات التكنولوجيا.
• فرض رسوم على السجين الراغب بالسوار الالكتروني وتكون عائدية تلك الرسوم لميزانية الدولة
آلية الربط والمراقبة
1. تركيب السوار: يتم في مركز مراقبة معتمد، مع تسجيل بيانات المحكوم عليه في نظام مركزي.
2. تحديد النطاق الجغرافي: يُحدد عبر تطبيق إلكتروني يُراقب تحركات السوار لحظياً وفي حال تجاوز حدود السماح القانوني سوف تفرض علية غرامات مالية ومضاعفة المدة .
3. الإنذارات التلقائية: يُصدر النظام تنبيهاً فورياً عند خروج المحكوم عن النطاق المسموح أو محاولة العبث بالسوار.
التحديات والحلول المقترحة
• التحديات:
o ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق.
o الحاجة لتعديلات تشريعية دقيقة.
• الحلول:
o الاستفادة من تجربة المنصات الإلكترونية الناجحة في العراق
o تدريب الكوادر القضائية عبر شراكات مع دول رائدة مثل الإمارات.
تجارب دولية رائدة طبّقت عدة دول هذا النظام بنجاح، منها:
الدولة التفاصيل
فرنسا
خفّضت استخدام السجون بنسبة 15% بين 2010-2020 عبر تطبيق السوار الإلكتروني.

الامارات
دخلت النظام في 2018 كجزء من إصلاحات نظام العدالة، مع تركيز على جرائم المخ*د*رات البسيطة.

الجزائر طبّقته عام 2021 لتقليل الاكتظاظ في السجون، خاصةً في قضايا الجنح المالية.

ختاماً لمقالنا المختصر نطمح من الحكومة العراقية استثمار التكنلوجيا في جميع مفاصل الحياة لما لها من أهمية كبرى وعوائد مالية كبيرة ترد الى ميزانية الدولة واستخدام أسلوب انجاز المعاملات بطريقتين المعاملات العاجلة والتي تمتاز برسوم مالية اكثر يقدمها الـمُوَاطِنُ لِلدَّوْلَةِ وَالـمُعَامَلَاتُ غَيْرُ العَاجِلَةِ الَّتِي تُمْتَازُ برسوم مدعومة من الدولة، لذلك يُعتبر السوار الإلكتروني استثماراً ذكياً يرد مالا وفيراً لميزانية العراق، حيث يجمع بين العدالة الإنسانية (بتجنب مساوئ السجن) والجدوى الاقتصادية (بخفض التكاليف وخلق فرص عمل).
ومع نجاح هذه التجربة في العديد من الدول، فإن تطبيقها في العراق يتطلب إرادة سياسية وتشريعية قوية، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية ،وتدريب الكوادر المختصة، إن هذه الخطوة ليست مجرد إصلاح لنظام العقوبات، بل هي رؤية مستقبلية تَضَعُ العِرَاقَ عَلَى طَرِيقِ العَدَالَةِ الذَّكِيَّةِ ، التي تجمع بين الكفاءة والرحمة وتقلل من الخسائر المالية التي تهدر لأشخاص محتجزين لا يمكن الاستفادة منهم وبالتالي يشكلون عبء مالي واداري وامني وصحي على الدولة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!