مقالات

عبد العزيز النويضي

عن أنس بن مالك قال “مُرَّ علي الرسول ﷺ بجنازةٍ فأثنى عليها الحاضرون خيرًا، فقال: وَجَبَتْ، ثم مُرَّ عليه بأخرى فأثنى عليها الحاضرون شرًّا، فقال: وَجَبَتْ، فلما سُئِل النبيُّ ﷺ عن ذلك قال: أنتم شُهداء الله في الأرض، هذا أثنيتُم عليه خيرًا فوجبتْ له الجنة، وهذا أثنيتُم عليه شرًّا فوجبت له النار”.
ومنذ أمس وأنا أقرأ لشهادات ثناء تثلج الصدر صدرت – عن العديد من الشخصيات – في حق عبد العزيز الذي وافته المنية جراء سكتة قلبية ألمت به البارحة أثناء إجرائه لحوار مع الصحافي يونس مسكين بمقر صحيفة “صوت المغرب” بالرباط، دعمتها اليوم في منزله وبجواره شهادات حية كلها ثناء لأستحضر بقوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حق أمثال زميلنا وأخينا وصديقنا بأنه وجبت لهم الجنة.
فعبد العزيز لم يكن بالأستاذ الجامعي العادي ولا بالمحامي والمفكر والسياسي والدبلوماسي والمناضل والمثقف والكاتب والمؤلف …العادي، بل كان يأخذ مهامه في كل مرة بمثابة رسالة إنسانية سامية ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف، يخصص لها وقته وجهده وتفكيره ليقدم لمجتمعه ولبلده وللإنسانية قيمة مضافة تعزز المكتسبات وتفتح باب الطموح للمزيد خصوصا في مجال الحقوق والحريات حيث سجل له التاريخ من بين مواقفه رفض وسام الشرف الفرنسي سنة 2014 لأن الرئيس الفرنسي استقبل نتنياهو ومنع المسيرات المناصرة لغ*ز*ة.
وعبد العزيز النويضي دكتور في الحقوق درس القانون في جامعة سيدي محمد بنعبد الله بكلية ظهر المهراز لسنوات عديدة وخبر العمل السياسي داخل الاسرة الاتحادية –الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وفيديرالية اليسار الديموقراطي والاشتراكي الموحد- كما تقلد العديد من المسؤوليات فشغل مع نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منصب مستشار للكاتب العام نوبر الأموي ومؤطرا للندوات التكوينية؛ وارتبط من تم بالقضايا العمالية ثم التحق بمنظمة العفو الدولية بلندن البريطانية لقضاء فترة تدريب ، فأصبحت أولوياته العمل الحقوقي، في مختلف الإطارات وخاصة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان فتقلد مسؤولية العضوية في مكتبها وانتقل بعدها ليشغل منصب مستشار للوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي في حقوق الانسان فأبلى البلاء الحسن كعادته.
ومن المهام الحقوقية الأخرى التي تقلدها على سبيل المثال لا الحصر وهو الملم بالقانون الدولي الإنساني وبالمواثيق والعهود الدولية حول حقوق الانسان، العضوية في لجنة تقصي الحقائق في أحداث أكديم إزيك والعضوية في لجنة الحوار من أجل إصلاح منظومة العدالة وغيرها كثير…
ويمكن القول بأنه من الصعب إحصاء حصص التدريس والمحاضرات التي تحمل مسؤوليتها ولا عدد الندوات والموائد المستديرة واللقاءات التي كان حضوره فيها دائما بارز ومقنع حيث كان يحظى بحب الجميع وباحترام الجميع.
كما يصعب تعداد المحاكمات التي كان يحضر فيها كمدافع شرس عن الحقوق والحريات منها محاكمات العديد من الصحفيين ومحاكمات الرأي والتعبير كانت آخرها محاكمة رضا الطاوجني كما كان دائم الحضور في المحاكمات “السياسية” متكبدا عناء ومصاريف السفر هنا وهناك مؤازرا تارة ومساندا تارة أخرى، غير مبال بانتماء هذا أو ذاك.
والدكتور عبد العزيز النويضي هو الرئيس المؤسس لجمعية “عدالة” حيث اقترن اسمه باسم هذه الجمعية لسنوات كما كان يشغل مهمة الكاتب العام للمنظمة الدولية لمحاربة الرشوة – فرع المغرب وكان يهيئ لتأسيس “شبكة المحامين ضد الفساد.”
ولقد أغنى الفقد الخزانة القانونية والسياسية والأدبية المغربية بالعديد من المؤلفات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها”
– ” المجلس الدستوري بالمغرب”
-” كتاب الاقتصاد المغربي مع إدريس الكراوي”
– الدليل العملي في قضايا القذف والمس بالحياة الخاصة
– الحق في التنمية بين القانون الدولي والعلاقات الدولية
– الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في المغرب”
– الإصلاح الدستوري في المملكة المغربية: القضايا الأساسية”
– “المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بعدم دستورية القوانين”
وغيرها كثير سواء في المؤلفات أو المقالات والدراسات والتقارير التي يصعب علي ذكرها بالتفصيل أمام غزارتها.
ولقد كانت لي شخصيا علاقة ود واحترام وتقدير مع المرحوم عبد العزيز النويضي منذ سنة 2008 حيث كنت قد نظمت لقاء في المركز الثقافي للرياض-أكدال لتقديم كتاب لي يحمل عنوان “من منبر لآخر-دفاعا عن الدفاع” كنت جمعت فيه بعض المحاضرات والمداخلات والمقالات التي تهم مهنة المحاماة حيث حضر الدكتور النويضي مع زميلي وصديقي الدكتور عبد اللطيف الحاتمي الذي كان من بين من سيقومون بقراءة نقدية للكتاب.
وقد كان من المقرر ومنذ أن حددنا تاريخ النشاط الثقافي المهني هذا أن يرأسه أحد النقباء السابقين الذي فاجأني في ليلة اللقاء باعتذار عن الحضور لأسباب لا فائدة من الدخول فيها. فأخبرت الدكتور الحاتمي بالأمر، قبل انطلاق النشاط والقاعة غاصة بالحضور، حيث توجه للدكتور عبد العزيز النويضي صديقه الكبير وقال له “عبد العزيز.. أنت من سيترأس وانت من سيوزع الكلمة”. فلم يتردد المرحوم النويضي ولو للحظة واحدة حيث كان تسييره في المستوى العالي كمستوى قراءات الأساتذة الاجلاء للكتاب : الدكتور عبد اللطيف الحاتمي، الدكتور عبد الحفيظ ادمينو والأستاذ محمد اشماعو.
وكان آخر لقاء لي بالدكتور النويضي يوم 20 أبريل 2024 حيث نضمت هيئة المحامين بالرباط بشراكة مع نادي قضاة المغرب والمنظمة العالمية لمحاربة الرشوة – فرع المغرب والجمعية المغربية لاستقلال القضاء ندوة فكرية حول “الضمانات القانونية والمؤسساتية لاستقلال القضاة والمحامين”. وقد دعاني المرحوم النويضي للمشاركة في هذه التظاهرة العلمية الفكرية الثقافية المهنية بموضوع حول حصانة الدفاع لتناول جانب دقيق منه ألا وهو “حصانة المرافعة في القانونالمغربي”.
كما كان آخر اتصال بيني وبينه عبر الواتساب مؤخرا إذ ارسل لي التصريح الصحافي المصور بخصوص قضية الطاوجني ارفقه بهذه العبارة التي اعتز بها والتي أثرت في نفسي خصوصا وهي صادرة عن الكاتب العام للمنظمة العالمية لمحاربة الرشوة ( ترانسبارانسي ماروك) : ” مع خالص المودة للأستاذ خالص المحترم النزيه”.
رحم الله فقيدنا وزميلنا وأخينا وصديقنا الدكتور عبد العزيز النويضي رافعين أكفنا للعلي القدير رب السماوات والأرض ان يسكنه فسيح جناته وأن يلهم ذويه ورفاقه وزملائه وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!