مقالات دينية

إستعدادنا ليوم موت أجسادنا والقيامة

إستعدادنا ليوم موت أجسادنا والقيامة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( فإن كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن إننا سنحيا معه ) ” رو 8:6 “

     الموت هو نهاية لأجسادنا الترابية لكي تنحل إلى عناصرها فتعود إلى الأرض التي أخذت منها ” تك 19:3 ” . وما دام للأجساد زمناً محدداً للحياة ، فالموت يعلن نهايتها لكي تخرج الروح وتتحرر إلى حياة أخرى ، وحتى الرب يسوع خالق الأجساد الذي تجسد بيننا متخذاً له جسداً بشرياً قد ذاق الموت على الصليب ، وكانت كلمته الأخيرة ( يا أبيِ ، في يديك أجعل روحي ! ) ” لو 46:23 ” مات وظل في جوف الأرض ثلاثة أيام ، ثم قام بجسد ممجد لا يقبل الإنحلال . ففي موته وقيامته رسالة مهمة للبشرية كلها ، بأن هذه الحياة لا بد أن تنتهي بالموت ليبدأ فجر جديد لحياة جديدة وعالم جديد . فموت الجسد هو الموت الأول . أما الموت الثاني فهو الموت الأبدي بالأنفصال عن الله بسبب الخطايا التي اقترفها الميّت أثناء حياته ، لهذا تقول الآية ( آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلاهكم ) ” أش 2:59 ” والموت الثاني هو الموت الأبدي ومصير الميّت سيكون في بحيرة النار والكبيرت ( طالع رؤ 10:20 ، 14،15 ” .

     في مرحلة موت جسد الإنسان وخاصة الساعة الأخيرة يعيش المحتضر في حالة حرجة ، أفكاره قلقة متجهة نحو عالم آخرمثيرومخيف فيشعر بالخشية من مصيره ، فيداهمه القلق بسبب تفكيره بالخطايا التي اقترفها في حياته وبملء إرادته وحريته . فمقدار الخوف في تلك الساعة يقاس بالإيمان وطهارة النفس التي يمتلكها الإنسان . فالقديسين يفرحون في ذلك اليوم فتظهرعلامات الفرح والبهجة في وجوههم المبتسمة لثقتهم المطلقة بالله ووعوده ، لهذا يقول المزمر ( عزيز عيني الرب موت أتقيائه ) ” مز 15:116 ” . عكس الملوث جسده بالخطايا فلا بد أن يشعر بالذنب فيتذكر في تلك اللحظات كل ذنوبه فيداهمه الخوف لأنه كان منغلقاً على محبة ذاته وشهواته وأنانيته وبعيداً عن الله فيعيش لحظات القلق حتى ساعة موت الجسد لكي يدخل في مرحلة الموت الثاني ، وهي الموت الأبدي للروح .

   كان اليهود يعتقدون بأن الجسد يمضي إلى الفساد وإلى الأبد ، ولا شَركة له في الحياة . أما نحن المؤمنين فنقول أجسادنا التي تَغذَّت من جسد الرب ودمه تطابق مع الإفخارستيا ، والإفخارستيا تطابق وتختلط مع أجسادنا فتنسجم معها ، ومع أن الجسد متحد مع الروح أثناء الحياة ، كما الخبز الأرضي المادي الموضوع على المذبح بعدما يستدعى روح الله إليه ، لا يبقى خبزاً عادياً ، بل يسمى إفخارستيا ، والمؤلف من إتحاد عنصرين ، الأول أرضي ،

والآخر سماوي ، هكذا أجسادنا أيضاً عندما تشترك في الإفخارستيا ، لا تبقى قابلة للفساد وإن فسدت في القبر وتحللت  إلى زمن محدد لها  فأن لها الرجاء في القيامة ، لأن المسيح القائم  سيمنح لها يوم القيامة جسسد ممجد مماثل لجسده ، لأنه هو مانح الحياة والخلود فيعطي عدم الفساد لمن هو فاسد ، لكي تظهر قوته الإلهية في ما هو ضعيف .   

   على الإنسان أن يحيا حياة طاهرة على هذه الأرض ،  وإن أقترف ذنوباً فعليه أن يطلب التوبة ويعترف بها واضعاً للموت معنى في حياته لكي يبقى مستعداً له . لهذا قال يسوع ( .. ولكن إن لم تتوبوا ، تهلكون كلكم مثلهم ) ” لو 3:13 ”  . فعلينا أن نخاف من الهلاك والموت الأبدي ونستعد بكل فطنة لحياة الآخرة ، وهنا الخوف ليس جبناً أو ضعفاً بل حكمة ، والله خلق الخوف في الإنسان كما يقول الكتاب ( كمال الحكمة مخافة الله . إنها تولد في الرحم مع المؤمنين ، وجعلت عُشها بين  الناس مدى الدهر ، وستسلم نفسها إلى ذريتهم . ) ” طالع سي1: 16- 30 ” فإن كان خوفنا من الله بسبب محبتنا له لأنه يحبنا ، فخوفنا يكون مقدساً وواجباً ، نقتدي بالله ونعمل بوصاياه فنكون محبين لكل الناس مثله، أما الذي لا يعرف المحبة فهو بعيد عن الله ، لأن الله محبة ، لهذا يجب أن يبقى الله الخالق هو الهدف الأسمى وكنز الدائم للمخلوق ، فينبغي أن يتوب دائماً ليتطهر من خطاياه .

   عندما يكون الموت إحدى خطوات الإنسان في طريق المحبة ، فالله المحب لا يغذله ، بل يحن عليه ويكافئه بسبب توبته المستمرة  في يوم الحساب الرهيب . قال أحد القديسين لأخوته المؤمنين :

( يا أخوة : في يوم الرحيل ، روحنا ستكون أمام السيد ، لن نلام لأننا لم نصنع عجائب ، أو لأننا لم نصنع لاهوتاً ، ولا لأننا لم نبلغ مرحلة التأمل ، ولكن الله سيسألنا بِلا أدنى شك ، لِمَ لَم تتب بشكل مستمر ؟ ) .

    حياتنا على هذه الأرض قصيرة تزول في ساعة الموت ، لهذا ينصحنا الرسول قائلاً ( أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد ! لأنه ماهي حياتكم ؟ إنها بخار ، يظهر قليلاً ثم يضمحل ) ” يع 14:4 ” . فعليه أن نستعد ونتوب ليطهر حياتنا من الخطيئة ، لأن أجرتها هو الموت ( النفس التي تخطىء هي تموت ) ” حز 4:18 ” .

    بعد الموت هناك مرحلة يقضيها الإنسان في إنتظار يوم الدينونة الأخير الذي فيه سيحّل الملكوت كاملاً ، وحينذاك يقوم جميع المخلصين بأجساد ممجدة شبيهه بجسد يسوع القائم من بين الأموات والذي رآه تلاميذه فآمنوا وبشروا بموته وقيامته ، ونحن اليوم تلاميذه فعلينا أن نقوم بنفس الواجب حتى يؤمن بإبن الله أبناء هذا الجيل . لا يجوز للمسيحي أن ينام مستكيناً بدون عمل ، بل أن يتذكر قول الرب لتلاميذه للذهاب لتبشير العالم كله ، وكذلك نتذكر قول الرسول بولس ( أستيقظ إيها النائم وقم من الأموات فيضىء لك المسيح ) ” أفس 14:5 ” .

   إذا علينا أن نتحول من حالة الخطيئة إلى التوبة بتغيير أذهاننا لكي نصبح أبناء الله ومستعدين للعمل من أجل تغيير العالم وتحويله إلى شكل أفضل يبدأ به الملكوت من هذه الأرض . إمكانية التحرر من مفاعيل الخطيئة بالقيامة من الخطيئة ، والقائم من الخطيئة يعيش القيامة الحقيقية المرجوة للجميع ، قال بولس ( تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) ” رو 2:12 ” .

   كما يوجد أيضاً قيامتان : الأولى روحية من الخطيئة أثناء الحياة في الجسد وذلك بالإيمان بالمسيح والتوبة والأعتراف بالخطايا والمعمودية التي يولد بعد خروجه من الماء ولادة جديدة كما وصفها يسوع لنيقديموس . أما القيامة الثانية فهي قيامة الأجساد لجميع البشر في يوم الدينونة عند مجيء المسيح الثاني ونهاية العالم ، قال يسوع عن تلك القيامة ( تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى الدينونة ) ” يو 28 : 5 ” . وقيامة المسيح من القبر هي أساس القيامتين الروحية والجسدية .

    عندما نصبح أبناء الله سنعيش بحسب إرادته ، فنستحق أن نقول ( إن عشنا ، فللرب نعيش ، وإن متنا فللرب نموت ، فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن ) ” رو 8: 14 ” فإن متنا فالله سيخلصنا من الموت الأبدي ويشاركنا معه بالخلود ويفتح لنا باب التألُه ، بمنحنا إمكانية المشاركة في نوره الغير مخلوق ، فنبقى معه في فرح دائم … ليتمجد أسمه القدوس .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!