مقالات

قدَر الإيزيدي

شفان شيخ علو
 
لا أكتب عن الإيزيدي كوني إيزيياً طبعاً، وليس لأنني أعتبر الذي تعرَّض له في تاريخه الطويل من مآس وكوارث ومحن ونكبات، أي من مظاهر تصفية مادية ومعنوية، يستحق اهتماماً خاصاً به، أو لأن ليس هناك في هذا الكون غيره ممن يحتاجون إلى مراعاة وضعهم، إنما لأن الواقع هو الذي يدفع بي لأن أتحدث عن ذلك، وكأي إيزيدي أجد أن المخاوف قائمة، مخاوف تهديد الإيزيدي في بيته وخارجه، وفي أي مكان كان، على صعيد كورديته وإيزيديته ” هذه العقيدة التي دفعت بالجهات التي وجهت الأنظار العدائية إليه، وحللت مختلف أشكال اإبادة الجماعية ضده، لتستمر سلسلة ضحايانا دون حساب.
وحيث نقترب من الذكرى العاشرة والمؤلمة لهذا الغزو الد*اع*شي الهمجي لأهلنا في سنجار ومحيطه، أتساءل: ماالذي جرى الإعداد له، جهة أهالينا الذين لازالوا أسرى الدواعش الار*ها*بيين؟ مَن هم أحياء ويعانون من عذابات شتى في دينهم ودنياهم، ومن هم مفقودون أو لا يعرَف عنهم أي شيء؟ وما الذي يمكن أن يجري القيام به من أجل هؤلاء، إلى جانب الذين لا زالوا يعيشون في المخيمات، بعيدين عن بيوتهم المدمرة، عن أماكن عبادتهم، عن أرضهم التي كبروا فيها، وسفِكت عليها دماؤهم، وعايشوا ويلات كذلك؟
يتحدثون عن الإنسانية، وعن حقوق الإنسان، وأنا أتساءل هنا أيضاً: عن أي إنسانية هذه، وما جرى يشكل عار يسجل باسم الذين يتباهون بها، أو يتبجحون بأنهم عملوا الكثير في مجال حماية الإنسان ، وما جرى وما يمكن أن يجري وهو يبعث على الخوف الشديد، كيف ينظرون في أمره؟ أم ترانا إلى جانب جماعات أخرى، خارج دائرة ” الإنسانية ” هذه ؟
من يده في النار، غير الذي يده في الماء البارد.. وأهلنا الإيزيدية يعانون من هذه النار الحارقة والمحرقة، المميتة والمشوهة لجسم الإنسان، عدا مرارة العيش وبؤس الأوضاع، منذ زمان طويل، وبين فترة وأخرى، يتعرضون لجائحة وباسم إنسانية مرفوعة ومزيفة، كما شهدناها مع الغزو الد*اع*شي المدمر، كما لو أننا يسموننا ضحايا كلما أراد هؤلاء المتاجرين بما هو إنساني..
لهذا، هل أكون مبالغاً، وأنا عشت ولازلت كغيرنا من كردنا ومن أهلنا الإيزيدية، إذا قلت: هناك قدر يحكمنا بعن*ف؟ أم لست واقعياً بقولي هذا ؟
القدر الذي يعرف كثيرين أكثر من غيرهم، ويلحق بهم أصناف المحن والفظائع، كما لو أنه لا يعرف سواهم..وإذا لم يكن الوضع كذلك، فكيف يمكن قراءة الأحداث المرعبة التي كان أهلنا الإيزيدية ضحايا لها، وهم بالآلاف، ومخاوفهم اليومية لا تدعهم مستقرين نفسياً.؟
إذا لم يكن الجاري قدرياً، فكيف يمكم تقويم هذه الفرمانات المتسلسلة والمفتوحة ، كما يظهر، في ضوء استمرار نزف الدم الإيزيدي، وصرخات الإيزيدي، وشكاواه؟
في الحالة هذه، إلى من يمكن التوجه بالسؤال عن هذا القدر الذي ألفناه، ولم نشهد تغييراً في سلوكه، وفي معناه، بالعكس من ذلك إنه يزيد في آلامنا وأوجاعنا ومخاوفنا.. يزيد في بكاء أطفالنا، وعويل نسائنا، وقهر رجالنا، وفي الوقت الذي نشهد استمرار الإيزيدي في الحياة، وتمسكه بها، والمقاومة ضد كل أشكال الإبادة الجماعية، والتكاثر كذلك، وهي علامة فارقة يُعرَف بها الإيزيدي، وهو في غاية السخط مما يجري، لكنه يجد نفسه في مواجهة التحدي، فيولد هنا وهنك، ويكبر، ويقيم علاقات، تعبيراً منه، عن أنه متمسك بعقيدته ومؤمن بإنسانيته.
أليس هؤلاء المفجوعون بأبنائهم، بنسائهم، برجالهم، بمالهم وممتلكاتهم، يستحقون النظر المختلف إليهم، من خلال اختلافهم عن غيرهم، وأخذ إنسانيتهم المجروحة كثيراً بالاعتبار؟
أرفع صوتي عالياً، ليسمع كل من لازال فيه ضمير، أو إيمان بما هو إنساني، وهو صوت جماعي، لنكون كغيرنا نهتم بالحياة، ونقبل عليها، ونشارك في بنائها لتكون أجمل وأحلى وأطيب، في مجتمع اسمه: المجتمع البشري ” ؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!