مقالات

عراقيون يختارون العشيرة على القانون

أتذكر ان وزير الدفاع العراقي بعد التغيير السيد حازم الشعلان اختلف مع الدكتور الراحل احمد عبد الحسين الجلبي فهدده بعشيرته , وعندما اختلفت السيدة عالية نصيف مع رئيس مجلس النواب العراقي السيد أسامة النجيفي هي الأخرى هددته بعشيرتها .
في حينها غضب الشارع العراقي واندهش بان يرجع كبار المسؤولين الى عشيرتهم وهم يحكمون البلد. الا ان بمرور الأيام وبعد ان زاد الار*ها*ب في البلاد وخرجت المدن من سيطرة الدولة اصبح لا خيار للمواطن الا اللجوء الى عشيرته لحماية نفسه وماله واهلة وعملة .
لم يقتصر لجوء العراقيون الى عشيرتهم على أبناء الريف او أبناء العشيرة في المدن , وانما شمل حتى المثقفين ومن ليس له عشيرة او من لا يستسيغ ان تحل العشيرة محل القانون . ولهذا السبب خرجت العشرات من المقالات والتحليلات ترفض تسييد العشيرة على شؤون المدن , خاصة بعد ان تبنى بعض افرادها تجاوزات خطيرة بحق الأطباء والمعلمين و زادت النزاعات العشائرية الى درجة بدء استخدام السلاح الخفيف والمتوسط في معاركهم.
لا اعتقد ان الدولة وحدها تستطع القضاء على العشائرية او تقليص نفوذها , لان العمل يجب ان يكون شعبي وحكومي , وهذا ما تم فعلا في زمن حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم . الزعيم الراحل استطاع القضاء على هيمنة العشيرة لان الشعب العراقي جميعه كان معه , يضاف الى ذلك وجود نظام قضائي محكم السيطرة عليه . فخلال حكم الزعيم والاخوين عارف وفي العشرة سنوات الأولى من حكم حزب البعث في العراق انتهت الى حدا بعيد مسالة العشائرية واصبح القانون هو السائد في البلاد.
كما ذكرنا أعلاه , انتعشت العشائرية مرة أخرى بعد التغيير , وشارك في عودة الحياة الى العشائرية هو غياب القانون وتسيد الار*ها*ب في المدن الرئيسية من العراق ولم يبقى على المواطن العراقي الا اللجوء الى اعمامه .
الحالة مستمرة حتى كتابة هذه السطور , وربما ارتفعت من وتيرتها , والسبب الفساد المالي والإداري الذي أصاب مؤسسات وزارة الداخلية و وزارة العدل . اقولها وانا متأكد من ذلك , ولا اعتقد ان سيادة وزير العدل او الداخلية لا يعرفون ذلك . العراق في خطر , التجربة السياسية العراقية الجديدة في خطر , وان النظام الديمقراطي الذي انتظره العراق في خطر. لان جميع الدول العظمى سقطت بسبب الفساد الداخلي , وخير مثال على ذلك الاتحاد السوفيتي والذي ارعب العالم بقدرته العسكرية ولكنه لم يستطع ضبط الداخل , فوقع الانهيار في المنظومة الشيوعية والاشتراكية .
الموطن العراقي , المذنب والبريء, يدخل مركز شرطة ولا يخرج منه الا بعد ان ينزعوا منه كل ما يملك , ولهذا السبب اصبح حل مشاكل الناس في مجلس الشيخ اقل كلفة واكثر احتراما من الذهاب الى مركز الشرطة.
عندما تلقي الشرطة , الله يوفقهم , على متهم بأعمال تخالف القانون , في اغلب الأحيان ليس من اجل انصاف المتضرر , وانما من اجل ابتزاز المخالف , خاصة اذا كان هذه المخالف من العوائل المتمكنة . هذا المكرود اذا طلب بوجبة عشاء من المطعم القريب يجب عليه مشاركة جميع شرطة المركز. انها قضية تذكرني كيف ان شركات الإطفاء في أمريكا سابقا كانت تتنافس للوصول الى مكان الحريق ليس من اجل اخماد ناره وانما من اجل نهب اكبر كمية من ممتلكاته.
وحتى اثبت ذلك , فان بعض كبار رجال الامن والشرطة مشتركون في جرائم سرقة المال العام الكبيرة , واخرها اللواء سعد معن الذي كان يشغل وظيفة المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية لأكثر من عشرة سنوات .
بعض رجال القانون , واعني الحكام , اصبحوا من طبقة الأغنياء , واغنياء جدا لانهم لا يحاكمون بقضية قانونية الا بعد رشوة كبيرة . اعتقد كل عراقي يعرف قصة من هذا النوع. وعجبي على الدولة كيف ان تتغافل عن ثراء هذه الطبقة وهي تعلم ان راتب القاضي لا يسمح له ان يرسل أولاده للدراسة خارج العراق او شراء سيارات حديثة او السكن في بيت فاخر. انها الرشوة.
اعرف احد العوائل الغنية في بغداد . الرجل كان له خلافات مع زوجته منذ السنوات الأولى من زواجه . لم يطلق الزوجة لأنها انجبت له الأولاد وخاف عليهم من الضياع . ولكن بمرور الزمن ازدادت الخلافات وتمرض الزوج , مرض بدني غير عقلي , وفي الأخير طلقها وهو في قمة صحته العقلية . لم يبقى بعد الطلاق الا أسابيع قليلة , حيث توفى الزوج , وقام اخوانه بتحويل جميع املاكه الى مديرية أموال القاصرين . وهنا وقعت الواقعة . الزوجة المطلقة تريد الاستحواذ على املاكه , وبالفعل قامت بار*ها*ب اخوة المتوفي بطرق عدة , مدعية بان زوجها كان يحبها وان طلاقها كان باطلا .
ولان عائلة الزوجة لها علاقات مع المؤسسة القضائية , فقد طالب الحاكم من ذو المتوفي القدوم الى المحكمة والاثبات بان المتوفي كان كامل الاهلية . هذا مع العلم ان الطلاق كان رسميا , وان المتوفي كان يدير شركة حتى يوم وفاته يعمل فيها اكثر من 30 عاملا.
الدولة لم تستطع حل مشكلة ذوي المتوفي , وانما شيخ عشيرة المتوفي . هذا الرجل اجتمع مع ذوي زوجة المتوفي واخبرهم بان هذه العائلة ليست وحيده وانما وراءها جيش من الرجال , ويجب ان يكون القانون هو الحكم . لم تنتهي المشكلة لحد الان , ولكن على الأقل استطاع اهل المتوفي كف شر الزوجة من المطالبات الكثيرة .
اني اكتب هذه الكلمات ليس من اجل تسقيط مؤسسة حكومية معينة , ولكن من اجل كشف بعض مشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي , والتفات الدولة لها . كما واني لست من انصار العشائرية ولن ادعمها , لان استفحالها سيقسم العراق الى دويلات ومقاطعات وسيكون من الصعب جمع شتاته مرة ثانية . العراق عظيم بارضه وشعبه ويجب ان يبقى عظيم , وان عظمته تتجلى عندما يشعر كل مواطن يسير في شوارعه مضمون الحقوق .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!