نيجيرفان البارزاني : نحن لا نتسول من بغداد
الكاتب: د. حبيب تومي
بقلم : د. حبيب تومي اوسلو
[email protected]
في معرض رده على تصريحات للمقربين من دولة رئيس الوزراء العراقي بنية الحكومة على تخفيض حصة اقليم كوردستان من الميزانية العراقية العامة وليس غريباً ان يكون لهذه التصريحات صدى وردود افعال عنيفة في اقليم كوردستان ، فرداً على تلك التصريحات قال رئيس الوزراء في اقليم كوردستان الأستاذ نيجيرفان البارزاني :
إن أي إﺟﺮاء ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻘﺒﯿﻞ ﺳﯿﻮاﺟﮫ ﺑﺮد ﻋﻨﯿﻒ، وﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻌﺮاﻗﯿﺔ أن ﺗﺪرك ﺟﯿﺪا ﺑﺄن إﻗﻠﯿﻢ ﻛﺮدﺳﺘﺎن ﻟﻦ ﯾﻘﻒ ﻣﻜﺘﻮف اﻷﯾﺪي ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣﺼﻞ ذﻟﻚ، ﻣﺸﯿﺮا إﻟﻰ أن ﻛﺮدﺳﺘﺎن ﺷﺮﯾﻚ أﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺮاق، وأن ﺣﻜﻮﻣﺘﮫ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﺠﺪي ﻛﺘﻠﺔ دوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن أو ﺗﻨﺘﻈﺮ رﺣﻤﺘﮭﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﺮﺳﻞ ﻟﮭﺎ ﺣﺼﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﯿﺰاﻧﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ.
قبل فترة كتبت مقالاً بشأن حصة الأقليم من الموازنة العراقية وكان المقال تحت عنوان : تقليص حصة كوردستان من موازنة الدولة العراقية ازمة خطيرة تلوح في الأفق .
وها هي المشاكل تتدحرج ككرة الثلج التي تكبر باستمرارها على التدحرج . وهكذا اشرت في المقال المذكور : رغم مضئ حوالي عشر سنوات على إسقاط النظام ، لا يلوح في الأفق مظاهر عودة الحياة الطبيعية الهادئة والآمنة المبنية على اسس من الديمقراطية ، وما نجده على ارض الواقع ، هو تواتر الأزمات بشكل مستمر ، وكمحصلة لذلك تتوقف عملية البناء والتصنيع والعمران ، وتوضع العصي في عجلة التقدم العراقية ، فبقي العراق خلال العقد المنصرم يراوح مكانه رغم إمكانياته المالية الهائلة وقدراته البشرية الفائقة ، وفي المقدمة نلاحظ تعثر العملية السياسية العراقية ، والعراق باستمرار يخرج من ازمة ليدلف نحو أزمة اخرى ، وقد نسي المسؤولون في هذه الدولة ان الشعب العراقي انتخبهم ليكون ديدنهم الإخلاص في العمل وخدمة العراق والسعي على تطوره وتقدمه ، وليس خلق الأزمات والتناكف على المناصب ، والسكوت على الفساد ، وجعل البلد وكأنه غابة سائبة ليس فيها امان.
في الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم طرأت حالات من التوتر الشديد بين اقليم كوردستان والمركز كادت تتطور الى نزاع مسلح بين قوات البيشمركة وقوات الجيش العراقي ، وفي بداية العام الجديد انطلقت المظاهرات ومظاهر العصيان المدني في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ، وفي الحقيقة في مثل هذه الأوضاع يترتب على الحاكم ان يكون له القوة والفطنة على إدراك المتغير ورؤية الشياء كما هي وليس كما يتمناها .
في هذا الصدد فإن لكل مظهر من مظاهر الحياة سلسلة من الخيارات ومن والاحتمالات والبدائل ، إن كان في العمل الثقافي او الأجتماعي او السياسي ، وفي الأختيار السياسي تظهر مهارة الحاكم وذكائه حينما ينجح في اختيار افضل السبل لوضع الحلول الناجعة لمختلف المعضلات المعقدة والمتشعبة في وطنه ، وهنا ينبغي التوقف قليلاً فلكل حاكم مجموعة من
المستشارين ، فإن كان الحكم فردي دكتاتوري ، فإن مستشاريه سيكونون عبارة عن نخبة من المنافقين والأنتهازيين لا يتحملون تبعات الأعتراض والأستقلاية في القرار ، وهنا تكمن اهمية الحكم الديمقراطي الذي يكون مع الحاكم هيئة من المستشارين المستقلين الذين لهم رأي حر مستقل يصب في خانة مصلحة البلد وليس في مصلحة الحكم والحاكم .
وفي الوقت الراهن لا ارى ان الحكومة تنهج السبيل الصحيح لحلحلة المشاكل ، فمقابل المظاهرات ( بالعربي الفصيح في المحافظات السنية ) ، تطلق الحكومة المظاهرات في محافظات الوسط والجنوب ( المحافظات الشيعية ) ، ، كما لجأت الحكومة الى غلق منفذ طريبيل المؤدي الى الأردن وهذا يؤثر سلبياً على الجانب الأقتصادي للمنطقة ولأهل الأنبار بشكل خاص ، ولقد ثبت ان هذا الأسلوب فاشل في معالجة المشاكل مع المتظاهرين ، إنما يجب الأستماع اليهم والتفاهم مع ممثليهم ، وتلبية مطالبهم المشروعة ، والتحفظ على المطالب التي تضر بمصلحة البلد .
وفي شأن اقليم كوردستان فيترتب على الحكومة العراقية ان تستوعب الوضع وكما قلت الوضع كما هو على ارض الواقع وليس كما تتنماه الحكومة ، فاقليم كوردستان له وضعه الخاص .
المعلوم ان الكورد شركاء في الوطن وليسوا اقلية ضعيفة مثل الكلدان إذ تلعب الحكومة بهم كما تريد وتسلب حقوقهم القومية وتجعلهم وكأنهم دخلاء في وطنهم العراقي ، دون ان يكون ثمة من يحاسبهم لأن الكلدان مقطوعين من شجرة ، فلا حقوق ولا هم يحزنون ، ولا يوجد من يدعمهم ، اما الأكراد فلهم كيانهم في اقليم كوردستان ، وعندهم 26 قنصلية اجنبية ، ولهم عَلَمهم وجيشهم وميزانيتهم ودستورهم وكيانهم ، وإنهم شبه دولة لا ينقصهم سوى التمثيل في الأمم المتحدة ، ويجب على الحكومة ان تعي هذا الواقع .
إن اسلوب العقوبات للتعامل مع معضلات الجماهير اثبتت الوقائع انها ليست مجدية ووربما تكون نتائجها عكسية ، ومع اقليم كوردستان يحاول معاقبتهم بتخفيض حصتهم من ميزانية العراق ومنعهم من انتاج بترولهم ، وهكذا تدهورت العلاقات ، فكان الأستنفار الأمني والعسكري بين الطرفين ، في وقت كانت العلاقت جيدة جداً حيث كانت كوردستان اكبر معين للمالكي حينما منحت اصوات نوابها في البرلمان العراقي لكي يحرز العدد الكافي من الأصوات لكي يصبح رئيس الوزراء .
إن الأكراد ليسوا الجانب الضعيف ، كما هم الكلدانيون ، لقد لجأ اقليم كوردستان الى تصدير اول شحنة من النفط وحسب جريدة الشرق الأوسط اللندنية في 09 0/ 13 ورد فيها :
عن مصادر دوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ رﺋﯿﺲ اﻟﻮزراء اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﻧﻮري اﻟﻤﺎﻟﻜﻲ، أﻛﺪت ﻣﺼﺎدر ﻧﻔﻄﯿﺔ أﻣﺲ أن ﺣﻜﻮﻣﺔ اﻹﻗﻠﯿﻢ ﺑﺪأت ﺑﺘﺼﺪﯾﺮ اﻟﻨﻔﻂ اﻟﺨﺎم ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ ﺗﺮﻛﯿﺎ ﻣﺘﺠﺎوزة اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻨﺎﻗﻠﺔ اﻟﻌﺮاﻗﯿﺔ ﻣﺎ ﯾﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ ﺗﺤﺪ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻻدﻋﺎء ﺑﻐﺪاد ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﻂ اﻟﻌﺮاﻗﻲ.
وأﺿﺎﻓﺖ اﻟﻤﺼﺎدر أن ﺗﺼﺪﯾﺮ اﻟﺨﺎم إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﻤﯿﺎت ﺻﻐﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﻤﻜﺜﻔﺎت ﯾﻈﮭﺮ ﺗﺰاﯾﺪ ﺷﻌﻮر اﻹﻗﻠﯿﻢ ﺷﺒﮫ اﻟﻤﺴﺘﻘﻞ ﺑﺨﯿﺒﺔ اﻷﻣﻞ ﺗﺠﺎه ﺑﻐﺪاد ﻣﻊ ﺳﻌﯿﮫ ﻧﺤﻮ ﺗﻌﺰﯾﺰ اﺳﺘﻘﻼﻟﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎدي. وﻛﻤﯿﺔ
اﻟﺨﺎم اﻟﻤﺼﺪرة ﻗﻠﯿﻠﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺼﺎدر ﻗﺎﻟﺖ، ﺣﺴﺐ وﻛﺎﻟﺔ «روﯾﺘﺮز»، إن اﻟﺘﺼﺪﯾﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻟﮫ أھﻤﯿﺔ رﻣﺰﯾﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻊ ﺳﻌﻲ ﻛﺮدﺳﺘﺎن ﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﻤﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﺑﻐﺪاد.
المثل الشعبي يقول : لكي تُطاع اطلب المستطاع ، ربما كان هذا في الجانب الأجتماعي وفي الجانب السياسي يقول ونستون تشرشل : اﻟﺸﻲء اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺬي أرﻓﻀﮫ ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ ھﻮ أن أرﻓﺾ ﺑﺸﻜﻞ داﺋﻢ. فالرفض ليس الدواء الناجح لكل داء ، إنما ان يكون الحاكم مستعداً لسماع الرأي الآخر كما هو وليس كما يقتنع به الحاكم ، فالحقيقة ليس لها شكل واحد وليست حكراً على الحاكم .
وكما قلت في المقال السابق ان رئيس الوزراء ليس ملك حزبه او قائمته ، إنه رئيس وزراء كل العراقيين وكما يسمع اعضاء حزبه ومستشاريه فعليه ان يسمع الأخرين بما فيهم المعارضين لأجندته ، وعليه سماعها ومناقشتها واستمزاجها للخروج بالقرار الصائب .
وهذه إحدى دعائم الحكم الديمقراطي الذي لا يفرق بين المواطنين في اكثريتهم او اقليتهم ، في قويهم وضعيفهم فمثلاً لو كان العراق ديمقراطياً بشكل صحيح لمنح حقوق شعبنا الكلداني لأنه إحدى المكونات الأصيلة في هذا البلد ، لكن في بلد مثل العراق كان يترتب على شعبنا الكلداني ، لكي لا تسلب حقوقه ، ان يلجأ الى التظاهر والأعتصام كما يفعل السنة ، وكما انتفض الشعب الكوردي في ثورته المسلحة ضد الأنظمة السابقة ، وإن أراد شعبنا الكلداني الحصول على حقوقه عليه ان يطالب بقوة بحقوقه ، فالأقوياء لهم حقوق ومن ليس قوياً ليست له حقوق في الغابة العراقية .
إن ممثلي المسيحيين في البرلمان لا يمثلون الشعب الكلداني طالما يتناكفون ويعملون ليل نهار الى طمس اسم القومية الكلدانية من الدستور العراقي ، فأي ممثلين هم هلاء الذين ينكرون اسم تاريخ الشعب الذي اوصلهم الى قبة البرلمان ، هؤلاء النواب وفي مقدمتهم السيد يونادم كنا سوف يدخلون في موسوعة غينيس للارقام القياسية حيث هم الوحيدين في العالم الذين يتنكرون لتاريخ الشعب الذي انتخبهم فمبروك للاخ يونادم كنا والأخوة الأخرين في هذه القائمة هذه المكانة في موسوعة غينيس للارقام القياسية والغريبة .
د. حبيب تومي / اوسلو في 16 / 01 / 13..