موقع مانكيش يجري حوارا ممتعا مع المفكر والباحث العراقي الدكتور عبدالله رابي
يُسعدنا بشدة تقديم هذا الحوار الاستثنائي مع الشخصية المميزة والمبدعة، المفكر والباحث الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي الذي يتمتع بنظرة عميقة وفكر متميز في مجال البحث العلمي الاجتماعي والمعرفة الثقافية. سنحظى بفرصة فريدة لاستكشاف حياته منذ نشأته في مانكيش، ونتعرف على الذكريات والتجارب التي صاغت شخصيته وأثرت في مسيرة حياته. كما سيكشف لنا التفاصيل عن الكتاب الموسوم (مانكيش بلدة الجمال والعطاء، دراسة اجتماعية انثروبولوجية) الذي يعد من اهم الدراسات التي سلطت الضوء على بلدة مانكيش وتراثها الغني.
س1: دكتور عبدالله، هل يمكنك مشاركتنا بنبذة عن سيرتك الشخصية والعلمية والمهنية؟
في البدء أقدم شكري لكم أستاذ أيسر لهذه الالتفاتة الجميلة التي أسعدتني، لتفضلكم لتعريف القراء والمتابعين الكرام عن مسيرتي الحياتية والعلمية بمناسبة صدور كتابي الموسوم (مانكيش بلدة الجمال والعطاء/ دراسة اجتماعية أنثروبولوجيا)، والتركيز في أسئلتكم على الكتاب المذكور.
من مواليد 1956 في قريتي العزيزة مانكيش، عشت حياة الطفولة بمرحلتين المبكرة والمتأخرة فيها، وثم عام 1973 انتقلت للعيش في بغداد. وأثناء البدء في العمل الجامعي عام 1986 انتقلت للعيش في الموصل.
متزوج ولي ثلاث بنات، أعيش حالياً مع عائلتي في كندا/ هاملتون منذ عام 17/1/2002.
الدراسة: أكملت الدراسة الابتدائية والمتوسطة في مانكيش، وبعدها أكملت الإعدادية في بغداد من ثانوية الجماهير.
حصلت على شهادة بكالوريوس من جامعة بغداد/ كلية الآداب/ قسم الاجتماع عام 1979 -1980 بتسلسل الأول وبمعدل 90.8٪ بدرجة امتياز. وتم تكريمي من قبل رئاسة الجمهورية ومؤسسات ذات العلاقة في مجال اختصاصي.
حصلت على الماجستير عام 1984 من جامعة بغداد/ قسم الاجتماع بدرجة جيد جداً وعنوان أطروحتي (حوادث المرور، أسبابها الاجتماعية والنفسية)، وقوبلت الأطروحة بدرجة امتياز، فتعهدت وزارة الداخلية أن تطبعها كتاباً لأهمية الموضوع.
في عام 1989 وأثناء عملي تدريسي في جامعة الموصل، حصلت على زمالة دراسية مرشحاً من قبل البعثات في وزارة التعليم العالي لدراسة دكتوراه فلسفة في علم الاجتماع في جامعة القاهرة، وبعد أن تمت إجراءات القبول الرسمية، حالت ظروف فرض الحصار الاقتصادي على العراق دون تحقيقها، وعليه توجهت اضطرارا للدراسة في جامعة بغداد لنيل شهادة دكتوراه فلسفة في علم الاجتماع عام 1992، وحصلت عليها عام 1996 وعنوان أطروحتي (التحضر في مدينة الموصل).
الأعمال المهنية والأكاديمية: التدريس في كلية الشرطة ومعهد المرور العالي في بغداد بين عامي 1984-1985.
محاضراً لدورة أعداد الضباط من مختلف الرتب للتعامل مع الأسرى العائدين لمدة ستة أشهر لتدريس مادة الإرشاد الاجتماعي والنفسي.
بدأت العمل في شهر الثالث من عام 1986 تدريسي في جامعة الموصل/ قسم الاجتماع. وأثناء عملي من عام المذكور ولغاية 1998 إضافة لتدريس الدراسات الأولية والدراسات العليا والأشراف على أطروحات الطلبة، عملت عضو اللجنة العلمية في الكلية والقسم وعضو لجنة الدراسات العليا.
ومن بين الأعمال الأخرى أثناء عملي في الجامعة: مندوب جامعة الموصل في محكمة الأحداث في الموصل لمدة سنة، للاستشارات في الجوانب الاجتماعية والنفسية. عضو لجنة متابعة الج#ريم*ة في محافظة نينوى لمدة سنتين. شاركت في عدة ندوات ومؤتمرات علمية داخل البلاد ومؤتمر الخدمة الاجتماعية في الوطن العربي. تقييم العديد من البحوث المرسلة لي من الدوريات العلمية الرصينة. عملت محاضراً في معهد الكهنوت للسريان الأرثدوكس في الموصل لمدة عشر سنوات. عضو لجنة الطوائف المسيحية في مدينة الموصل للتنسيق، ممثلاً عن العلمانيين في الكنيسة. قدمت عدة محاضرات اجتماعية في كنائس الموصل الكلدانية والسريانية وفي دهوك وتوابعها لندوات الشباب الأسبوعية، ومن ضمنها محاضرات للمخطوبين من كافة الكنائس في دورات منتظمة.
أما اهم أعمالي في مجال الشؤون الأثنية (القومية) فهي:
القاء عدة محاضرات بدعوة من جهات سياسية ومؤسسات أخرى عن شؤون الاثنيات في كندا ومدينتي ديترويت وساندييكو الامريكيتين.
ساهمت في تأسيس اتحاد أدباء وكتاب الكلدان مع نخبة من المثقفين الكلدان.
تراستُ مؤتمراً كلدانياً عالمياً في ساندييكو عام 2011. وثم ترأست مؤتمراً عالمياً ثانياً للكلدان في ديترويت عام 2013.
كنت المساهم الأول في أعداد مسودة النظام الداخلي للرابطة الكلدانية العالمية، بعد أن أعلن عن تأسيسها البطريرك الكاردينال لويس ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العالم.
أُجريتْ عدة مقابلات تلفزيونية وإذاعية معي عن الشأن السياسي العراقي عامة، وعن التاريخ الاجتماعي لقريتي مانكيش وحياة الاكليروس فيها. إضافة الى مقابلات أخرى عن مواضيع اختصاصي في المحطات التلفزيونية والإذاعية.
عضوية الجمعيات: حالياً عضو جمعية علماء الاجتماع الكندية، عضو منتدى جمعية علم الاجتماع العراقية، عضو جمعية العدالة الجنائية الكندية سابقاً، عضو جمعية العلوم الاجتماعية العراقية سابقا، والعلوم التربوية والنفسية العراقية سابقاً.
البحوث: اثناء عملي في بغداد وفي جامعة الموصل أجريت عدة بحوث علمية معظمها منشورة في المجلات الدورية العلمية/ مجلة آداب الرافدين، مجلة جمعية العلوم الاجتماعية، مجلة العلوم التربوية والنفسية، وأخرى مقبولة للنشر، والعديد منها كانت بحوث محدودة التداول لطبيعة المادة المبحوثة، كما أجريت مؤخراً عدة بحوث، وبلغت أكثر من أربعين بحثاً في مختلف مجالات علم الاجتماع والانثروبولوجيا، الج#ريم*ة، العائلة، السكان، الاثنيات، التحضر والمدينة وفي علم الاجتماع الديني.
الكتب المؤلفة: حوادث المرور أسبابها الاجتماعية والنفسية 1985. ملزمة معتمدة منهجياً في علم الاجتماع الحضري وطورتها الى كتاب، مانكيش بين الماضي والحاضر/ دراسة في التغير الاجتماعي 1999. الكلدان والبحث عن الهوية القومية/ دراسة سسيوانثروبولوجيا 2001. الكلدان والاشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية / تحليل سوسيولوجي 2016. تقديم ومراجعة وتنقيح كتاب، مسيرتي الحياتية على درب الرب/ الخدمة الكهنوتية 1966- 2017 للمونسنيور داود بفرو 2021. مانكيش الجمال والعطاء/ دراسة اجتماعية أنثروبولوجيا، طبعة منقحة للكتاب الأول 2022. تقديم كتاب تاريخ كرمليس الطبعة الثانية لمؤلفه حبيب حنونا، تنقيح وتقديم كتاب في المدارس الفلسفية الحديثة لمؤلفة يوحنا بيداويذ. ولي قيد الإنجاز كتابين، علم الاجتماع الحضري المعاصر، وطرق البحث العلمي الاجتماعي في عصر المعلوماتية.
س2: ما هي اهم الذكريات الجميلة التي تحملها عن قرية مانكيش؟
كما ذكرت أخي أيسر العزيز، وقد عشت حياتي الطفولية المبكرة والمتأخرة لحين بلوغي الخامسة عشر من عمري في قريتي العزيزة مانكيش في المحلة الشرقية والقريبة من محلة السوق، وكما هو معروف عن حياة الطفولة، تترك ذكريات جميلة ومؤثرة على الأنسان، عليه لم تخلو حياتي في القرية عن الذكريات في مختلف المناسبات مع الأصدقاء في كل مكان، المدرسة، الحقول والبساتين والطبيعة، الكنيسة، أزقة القرية. فهناك مخزون من الذكريات التي ترسخت في ذهني لا يمكن نسيانها، ففي كل موسم وفي كل مكان حدث وموقف مع من شاركت الحياة الاجتماعية التي تفرضها البيئة الاجتماعية للمجتمع التقليدي في القرية من الأصدقاء، حياة ملأتها البراءة والبساطة والمحبة المتبادلة، حياة لم تحملنا المسؤولية، بل اللعب والمرح والضحك متى ما أردنا والانفعال البسيط متى ما شئنا لأتفه الأسباب، هذه المرحلة من العمر تعد ربيعاً زاهياً في الوانه وجميلة كجمال طبيعة مانكيش. وهذه بعض منها:
ففي فصل الربيع، تلهمك الطبيعة الخلابة لتقضي اوقاتاً بين أحضانها، كثيراً ما تسلقنا جبل مانكيش، لنتحدى وعورته وعلوه، ونصل الى القمة متعبين منهمكين، ولكن الفرح لا يفارق وجوهنا، كأنما اكتشفنا شيئا جديدا، لتمتعنا من خلال النظر والتمعن بالطبيعة من الاعالي، ومشاهدة القرى المنتشرة خلف الجبل، وهكذا من جهة التلول أيضا. وأحلى الذكريات في فصل الصيف تلك التي تركتها معنا الألعاب الشعبية، سواء في أزقة القرية أو في البيئة المحيطة. أما فصل الخريف فهو فصل جمع الغلات، يعد موسم مساعدة الأهل في جمع المنتوج الزراعي. والرجوع الى مقاعد الدراسة التي تركت عندنا ذكريات جميلة، شخصياً كنت أحب سنوات الدراسة والتمتع فيها. ولم يخلو فصل الشتاء من ذكريات جميلة واخص بالذكر أيام سقوط الثلوج بكثافة، فاجملها دفع الثلج من سطح الدار، والخروج الي الطبيعة مع الأصدقاء للتمتع في العديد من الألعاب الثلجية. وأجمل الذكريات التي لا ننساها هي التي تركتها أنشطة الكنيسة في حياتنا، بمناسبة الأعياد الدينية، مثل الشعانين، لعب البيض الملون في عيد القيامة، (ميل ميلافا) في ليلة عيد الميلاد، عيد القربان لجمع الورود من الطبيعة، ذكرى مناسبات مارت شموني، ماركوركيس، مار توما، وكل هذه المناسبات كنا ننتظرها بشغف.
س3: ما هو الدافع وراء تأليف كتاب (مانكيش بلدة الجمال والعطاء/ دراسة اجتماعية أنثروبولوجية). عام 2022؟
هناك جملة من الدوافع شعرت بأهميتها، مما دفعتني لتأليف الكتاب، أهمها: انطلاقاً من أيماني بوجود العديد من الأشخاص ومن كلا الجنسين لهم الفضل على بلدتهم مانكيش واسدل الدهر عليهم ستاره، فأصبحوا منسيين متروكين من قبل الأجيال اللاحقة. وكما دفعني للكتابة، وجود العديد من الوقائع والحوادث التاريخية، نُسجت على غير منوالها والبست حلة لا تناسبها، فظهرت للعيان على حقيقتها، ولعل اهم دافع هو حرصي على عدم اندثار ما تبقى من لمسات الحياة على سطح الأرض دون الكتابة عنها، مثلما نرى حاليا آثار أجدادنا في أعماق ضواحي مانكيش لا نعرف عنها ألا القليل جداً. وقد ترك والدي أثرا في نفسي، جعلني أفكر في تأليف كتاب مانكيش، حيث روى لي الكثير عن كل المجالات الحياتية والتاريخية الاجتماعية في مانكيش، مما دفعني بعد أن تخصصت في علم الاجتماع لدراستها والكشف عن تاريخها مع مجمل الأنشطة التي مارسها أجدادنا. علما انه يعد ثاني كتاب الفته عن مانكيش، الأول عام 1999، جاء مختصراً، وتأليف الكتاب الأخير بمزيد من المعلومات والتغيرات التي استحدثت خلال عشرين عاماً.
س4: ماهي الجوانب الرئيسية التي ارتكزتْ عليها الدراسة؟
تعتمد الجوانب الرئيسة التي ارتكزت عليها الدراسة على الأهداف والدوافع من أجرائها، أهمها هي:
موجز عن جغرافية البلدة وتاريخها، ومدلولات تسميتها والتحولات الايكولوجية اي علاقة الأنسان بالبيئة الطبيعية التي يستخدمها لأجل مواصلة العيش مثل، التحولات السكنية، والخدمية من الأسواق والدوائر الرسمية والأبنية الدينية والترفيهية وغيرها.
التحولات الديموغرافية، أي التغير السكاني الذي حصل تاريخياً وأسبابه في البلدة، إضافة الى تحليل الانتماء الاثني أو القومي كما يسميه السياسيون لسكان البلدة ولغتهم.
تطور التعليم بين سكان البلدة، وانخراطهم في التعليم في مختلف الاختصاصات العلمية، والتعرف على أبرز العلماء الذين انجبتهم مانكيش، كما احتوى الكتاب على أقدم خريجي الكليات والموظفين والمعلمين.
دراسة للنسق الديني في البلدة، ومساهمة أبنائها وبناتها في رفد الكنيسة بالإكليروس، من الأساقفة والكهنة، والتعرف على الراهبات والرهبان، واهم المراكز الدينية فيها قديماً وحديثاً.
التعرف على تطور الأحوال الاقتصادية لسكان البلدة تاريخياً من حيث الزراعة والحرف اليدوية والتجارة والأدوات المستخدمة في إنجازها.
في الكتاب تفصيلات عن الحياة الاجتماعية من حيث القيم والتقاليد والعادات، مع متابعة لتغيرها زمانياً في داخل البلدة وفي المهجر، كما بينت سلسلة من المخاتير الذين لعبوا دوراً مهماً في الضبط الاجتماعي في القرية.
وأخيرا، شخصت مساهمة أهالي البلدة في بعض الأنشطة المجتمعية السياسية والفنية والرياضية وخدمة المجتمع طوعياً. من خلال هذه المرتكزات أصبحت الدراسة شاملة لكل جوانب الحياة في البلدة.
س5: كيف جمعت المعلومات والبيانات الضرورية لإنجاز هذه الدراسة؟
استخدمت مدخلين في الدراسة لتتكامل عملية البحث، وتكون أكثر موضوعية وهما الكمي، والنوعي. يتطلب هذان المنهجان طرق وأدوات مختلفة لجمع البيانات والمعلومات. إضافة الى الدراسة الميدانية ومشاهدتي المباشرة والملاحظة المقننة في البلدة عام 1996 لغرض أجراء الكتاب الأول، قمت حاليا بتوسيع مجالات وطرق جمع المعلومات، فاشتملت المقابلات سواء عن طريق الهاتف أو الرسائل النصية، واعتبرتُ ما كُتب في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض المهتمين من أبناء البلدة من المقالات كرسائل نصية لاعتبارها معلومات مكتوبة سردا دون منهجية علمية. وبلغ عدد الأشخاص الذين قابلتهم 357 من مختلف أرجاء العالم. وقسم منهم أجريت المقابلة معهم أكثر من مرة، للوقوف على المعلومة الأقرب الى الصحة. إضافة الى ذلك، استخدمت الخرائط والوثائق الحكومية عن البيانات السكانية التي توفرت في المكتبات، كما استعنت بالصور عن المناطق والأشخاص. واعتمدت على حوالي مائتي مصدر أجنبي وعربي. كما استخدمت ثلاث مناهج للبحث العلمي في التحليل لتلك المعلومات، التاريخي والمقارن ودراسة الحال.
س6: هل تعرضت الى تحديات أو عقبات في سبيل إنجاز هذه الدراسة الاجتماعية؟
نعم لاقيت تحديات وصعوبات لإكمال هذه الدراسة الموسعة الشاملة عن مانكيش العزيزة، ولا يوجد أخي أيسر عمل منهجي أكاديمي يخلو من الصعاب، واهمها: تكاد تنعدم المصادر التاريخية عن مانكيش والمنطقة قديما وحديثاً، وانعدمت تماما الدراسات السابقة عن البلدة. انتشار سكان البلدة في أقطار مختلفة حول العالم، مما أحال دون الحصول على بيانات ديمغرافية مؤكدة عنهم، وكما لاقيت صعوبة عدم الاكتراث لأهمية هذه المعلومات، عدم رضى أو قبول بعض من الذين اتصلت بهم شخصياً أو بواسطة الذين أبدوا المساعدة، لذكر اسمهم ومستوياتهم الدراسية والسيرة الشخصية، كما تجاهل بعضهم بالرغم من الاتصال معهم لعدة مرات تزويدي بالمعلومات عنهم وانتظرت دون أن يصلني شيء لعدم الاكتراث. أو قد يكون السبب لعدم إحراجي شخصيا بعدم الرغبة. كما حصل ارتباك عندي من بعض ما وصلني من المعلومات عن المستوى الدراسي، وتأكدي منها أنها مغلوطة، فمثلا هو خريج معهد، بينما وصلني عنه خريج جامعة، أو بعضهم لم يميزوا بين شهادة دكتوراه فلسفة في الاختصاص عن شهادة الدكتوراه المهنية لبعض الاختصاصات مثل القانون والصيدلة، او أخطاء حصلت عن إجازة العمل. عدم التمكن من حصر أصحاب المهن والمصالح والاعمال الذاتية في المهجر لكثرتها.
س7: كيف حصل التغلب على الصعوبات، وهل تعاون أهل مانكيش في التغلب عليها؟
جراء الخبرة الطويلة التي يتمتع الباحث بها يمكنه أن يُشخص الصعوبات، وتلافيها، وقد تمكنت مما اكتسبته من خبرتي الطويلة التي زادت عن أربعين عاماً في البحث والتأليف والتدريس من التغلب على الصعوبات، أولها، هي أن يكون الباحث بموضع الشك في أية معلومة تأتيه، واعتماداً على الأسس المنهجية، وضعت مقياساً لقياس أية ظاهرة أو موقف، وتمكنت من غربلة وتنقية المعلومات من الشوائب، فمثلا، كلما زاد شكوكي في المعلومة، كنت اتصل مع اكثر من شخص للتأكد، إذ اتصلت حتى مع أشخاص من غير المانكيشيين، كما أن عدم التمكن من حصر الوظائف والمستويات التعليمية لسكان مانكيش للصعوبات التي ذكرتها أعلاه، لجأت الى ذكر الإحصائيات المصنفة، واقتصرت على ذكر الأوائل من الخريجين لمعظم
الاختصاصات، وأقدم الموظفين والمعلمين والمدرسين في مختلف المجالات، واقدم ممن عملوا في دوائر مانكيش. كما اكتفيت في حصر أصحاب بعض المهن وذكرت القدامى منهم فقط لتجنب الانتقادات. وكذلك تجنبت ذكر التبرعات الشخصية للكنيسة وأهالي مانكيش لحساسية الموضوع.
نعم ساعدني أهالي مانكيش في التغلب على الصعوبات التي تعرضت اليها، فالغالبية العظمى عبروا عن امتنانهم وشكرهم للاتصال بهم وبكل رحابة صدر استجابوا لأسئلتي سواء عن شخصيتهم أو عن ظواهر ومواقف وأحداث أخرى، بل تلقيت المساعدة المستمرة من أشخاص محددين في تعاونهم معي للحصول على البيانات والمعلومات، واخص بالذكر منهم الشماس الإنجيلي سامي ديشو خنجرو الذي لا انسى تعاونه اللامتناهي عن تزويدي بالمصادر واخصها الكنسية وجمع البيانات عن أهل مانكيش في أستراليا، وردا إسحاق زودني بالبيانات بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق أخيه المدرس صباح، شمعون متي شمعون موكا، فرنسيس خوشو موكا، فضيل عيسى قلو، لازار خوشو خراكا، انطوان ديشو خنجرو، خوشو إسكندر حوكا، كما لم تبخل جنابك في تزويدي بأية معلومات سبق نشرها في موقع مانكيش عن البلدة. وفي البلدة مديرة البلدية السابقة صبيحة شمعون، ومدير البلدية الحالي اديل حنا، إبراهيم متي اوسي، الشماس الإنجيلي عصام عيسى جركو والشماس عوديشو بولص المنو لمراجعته النحوية للكتاب.
س8: هل قدم الكتاب رؤية مستقبلية لقرية مانكيش بناءاً على النتائج التي توصلت اليها؟
بالتأكيد نعم، لاعتبار الكتاب عبارة عن دراسة مستفيضة للبناء الاجتماعي للبلدة، بحسب ما ركزت على دراسته كما أوضحت آنفاً، فمثلاً يمكن الاعتماد على ما توصلت من نتائج في أحداث التنمية المستدامة اقتصادياً في الزراعة والصناعة، واعتماد التخطيط الحضري في ضوء النتائج الديمغرافية والهجرة اليها وتطور التعليم، وكذلك شخصَّ الكتاب أحوال المهاجرين ومراحل التكيف في مجتمعات الغربة لعله يستفيد المهاجرون الجدد من تجاربهم. ومما يؤسف عنه، أن عدد السكان من أهالي البلدة في تناقص بسبب الهجرة الى الخارج بالرغم من الاستقرار الأمني في إقليم كوردستان. وبالرغم من تطور البلدة وتحسن أحوالها وبيئتها، ألا أن الزراعة تراجعت فيها.
س9: كيف يمكن أن يسهم هذا الكتاب في توثيق التراث الثقافي والتاريخي والاجتماعي لبلدة مانكيش للأجيال المستقبلية؟
احتوى الكتاب معلومات غزيرة عن التراث بأنواعه الاجتماعي من حيث التقاليد والقيم، والمادي من حيث الأدوات المستخدمة في أنشطتهم وسكنهم، والتراث الديني والإنجازات العلمية، والإدارية للمخاتير وأنشطة أخرى، كل هذه ممكن استغلالها في التخطيط لإحياء الأنشطة التراثية في الترفيه وحتى لجني الأموال عن طريق تأسيس متحف في البلدة وتنظيمه بالاستعانة عما ورد في الكتاب في مختلف المجالات. والى جانب اقتناء الكتاب من قبل كل عائلة تعد عملية اطلاع الأجيال وبالذات بعد ترجمته الى الإنكليزية عملية توثيق التراث اذ أصبح في متناول كل مانكيشي، كما الأهم هو إيداع ما لا يقل عن مئة نسخة من الكتاب في المكتبات الجامعية ليبقى في متناول أيدي الباحثين والمفكرين، وبذاتها تعد التوثيق بتراث مانكيش لأهلها وللآخرين.
س10 هل لديك خطط مستقبلية لكتابة المزيد من الكتب والأبحاث؟
نعم ترجمة الكتاب الى الإنكليزية، إضافة الى متابعة ودراسة احوال المانكيشيين في المهجر لتزايد عددهم. او قد يكون اجراء بحوث عن ظاهرة معينة في مانكيش والتركيز عليها.
س11: ما هي الرسالة التي تامل في ايصالها هنا للقراء والمهتمين في كتاب مانكيش؟
قبل كل شيء أود أن اشكر كل الذين تعاونوا ولم يبخلوا في مساعدتهم لي في الحصول على المعلومات أثناء التأليف، كما أود أن أقدم شكري الى المانكيشيين وغيرهم الذين اقتنوا الكتاب، وشكري الى من ساعد في ترويج الكتاب كل من:
الدكتور مهدي عباس في أربيل لإيداعه في كافة المكتبات الجامعية العراقية وإهدائه للعديد من الأساتذة المهتمين. اديل كلو كلكلا، عيسى جهاد قلو في مانكيش، ايفان شمعون خراكا في دهوك. الشماس ميا منصور مقدو، جميل متي اوسي وسامي كلو كلكلا في ديترويت ومنصور توما نازي في اريزونا. الدكتور جورج مرقس جنو في ويندزر، سعاد ادم مرخو، هيثم دنخا خنجرو، سلمان داود رابي في هاملتون. نبيل بطرس مرخو، ليث إسحاق جنو في سدني والشماس عوديشو في ملبورن. والى كل من ساهم في ترويجه من حيث لا أدرى.
وفي هذه المناسبة أود تذكير المانكيشيين جميعاً أنى حاولت كتابة تفصيلات أكثر، ولكن ظروف الطبع وحجم الكتاب لا يساعد، وعليه اختصرت بقدر الإمكان، كما إني كنت بعيداً عن الميل تجاه أحد والابتعاد عن أحد، وقد انطلقت في التحليل من المقاييس المعتمدة في البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية لدراسة كل حدث أو موقف أو حالة في الكتاب، كما أرجو قراءة الفصل الأول من الكتاب الذي يحتوي شرح مفصل عن طريقة البحث المستخدمة والتمعن فيها قبل إصدار أي حكم. واعتذر عن أي خلل غير مقصود أو خطأ.
س12: ما هو انطباعك العام عن موقع مانكيش نت والدور الذي يضطلع به في نشر المعرفة والثقافة؟
أجمل سؤال عن أجمل موقع إلكتروني ، بصراحة موقع مانكيش نت الإلكتروني مثير للدهشة والإعجاب، وذلك يعد أول موقع يجمع شمل المانكيشيين عن بعد، ونشره ما يخص من أخبار أهالي البلدة والمقالات عنها، وكما انه من المواقع الرائدة في تنوع المادة الثقافية والمعرفية فيه في كل المجالات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والرياضية، ويبدو جليا بان إدارتكم له قد لعبت دورا كبيرا في تطويره لما تتمتعون من خبرة أهلتكم للأعلام، لكم شكرنا وتقديرنا والموفقة دائماً.
وفي نهاية لقائنا أود أن أقدم شكري وامتناني لجنابك ثانية أستاذ أيسر لتفضلكم لأجراء هذه المقابلة، وأرجو إني وفقت في الإجابة على أسئلتكم الرائعة.
في ختام هذا الحوار، نتقدم بجزيل الشكر والامتنان للدكتور عبدالله مرقس رابي على كرمه وسخائه وصبره في الإجابة على أسئلتنا، نشكره على منحنا هذه الفرصة الثمينة الاستثنائية لأجراء هذه المقابلة، ليوضح للمهتمين ما ارتبط في تأليف كتاب مانكيش من قبله.
نحن المانكيشيين نفتخر بوجود شخصية مثل الدكتور عبدالله رابي ونثمن عمله في انجاز الكتاب الموسوم (مانكيش بلدة الجمال والعطاء/ دراسة اجتماعية انثروبولوجية) الذي قدم لنا تشخيص كامل عن كل ما يتعلق بقريتنا قديماً وحديثاً، ويعد الكتاب مصدر الهام ومعرفة للكثيرين. نتمنى له مزيدا من التوفيق والنجاح في حياته العلمية والعملية، مشاركته الكريمة لمعرفته وخبراته وعلمه لها قيمة كبيرة بالنسبة لنا ولجميع قراء موقع مانكيش الكرام.