مقالات

الرق الوظيفي وشهوة السلطة

ان الرق كما شاع عنوانه هو امتلاك انسان لأنسان اخر يسخره لإرادته ويمحو أي اثر لحريته سواء في اتخاذ القرار او في الأداء، لكن هناك أنواع أخرى من الرق منها سطوة الشهوات على الانسان، فتتملكه وتعدم ارادته، الا بما يتوافق مع تلك الشهوات، ويتفرع منها حب السلطة، وحب المال، وهاتين متلازمتين تولد احداهما الأخرى، فاذا تزاوجت انتجت لنا وحشٌ كاسر لا يقيم وزنا للأخلاق السامية او القواعد الحضارية، ويشرع قواعد أخلاقية خاصة به، وكما يقول الفيلسوف نيتشة بانهم على الاغلب سيضعون قواعد أخلاقية تعبر عن ميلهم لتحصين سورهم الضعيف[1]، من خلال هجومهم على الانسان الحر ومحاولة كسر شوكته الإنسانية، لانهم عبيدٌ لشهواتهم وسطوتهم التي حصلوا عليها بالتزوير والتحايل على إرادة الشعوب والمجتمعات وهم كانوا من اسافلها، فيعكسون نظرتهم من خلال سلوكهم الدوني لإيهام انفسهم والأخرين بانهم على قدر عال من القوة،

لكن في واقع الحال انهم في ضعفٍ ووهنٍّ يقلقهم، لذلك تجدهم يبحثون عن كل ما يعزز سطوتهم على أبناء جلدتهم، ويطلق عليها نيتشة “أخلاق العبيد”[2]، التي تخشى من قوة الاحرار المتحررين من سطوة الشهوة نحو التسلط، الاقوياء بما هم عليه من مكنة ودراية ومخزون معرفي ورصيد مجتمعي وسمو أخلاقي في التعامل مع الاخر، فترى هؤلاء “عبيد السلطة” لا يرضون بفضائل الأقوياء، وينصبون لهم العداء، ويتحينون الفرص لمحاربتهم، حتى لو لم يكونوا في تنافس معهم على السلطة او الوظيفة او في شراهتهم لاجترار السحت الحرام، لان سمو اخلاق الاحرار ترهب تسافل اخلاق العبيد لشهواتهم التسلطية،

وهذه القواعد التي يضعونها بحكم سلطتهم التي اغتصبوها، ويطلقون عليها الشرعية ويجعلونها المعيار الذي يحددون بموجبه شرعية الأفعال، وهي في جوهرها، قيود على إرادة الاحرار، فهذه بسبب ضعفهم وخوفهم على مصالحهم، ويطلق عليهم احد المفكرين “سلطة العاجزين”، لانهم في قرارة انفسهم يدركون ضعفهم، فيتشبثون بأستار الشرعية باي عنوان كان (الديني، الاجتماعي ، الثوري، والقانوني)[3]، ويقول الكاتب محمد السقا الغزالي، بانها تدل ضعف شخصية المتجبر وليس على قوته، لان للسلطة المطلقة اغواء يوسوس ملكها بالتجبر واحتقار الاخرين واستصغارهم واستباحة دمائهم فيضعف امامها، ويصبح عبدا لها[4]، كما يرى فرانسيس فوكوياما ان من اهداف هؤلاء “عبيد السلط والرق الوظيفي”، هو نيل الاعتراف بهم مجتمعياً ولو قسراً على الاخرين، لانهم يدركون بانهم في عزلة دائمة، الا من المتزلفين والمنافقين ذوي المنافع الشخصية، ويرى بعض فلاسفة الاخلاق والاجتماع مثل “جون لوك وهوبز” بان تقنين اخلاقيات عبيد الرق الوظيفي او عبيد شهوة التسلط وشرعنتها، سيؤدي حتماً، الى عزلهم بمساحات ضيقة، ويترك النطاق الاوسع للأحرار الأقوياء بأخلاقهم، ومن ثم تتهاوى سلطة العبيد تجاه سعة اخلاق الاحرار او كما يسمى السلم الأخلاقي بمقابل الحرب والعن*ف الاخلاقي لهؤلاء “عبيد السلطة والرق الوظيفي”[5] ،

وما اود الوصول الى عرضه، ان لا توجد قوة بوجود الضعفاء، ولا ديمقراطية بوجود الطغاة والجبابرة، ولا اخلاق نبيلة بوجود عبيد للرق الوظيفي وشهوة السلطة، ولا حرية بوجود العبيد، لان العبيد بطبيعتهم، كما يقول هوبز، يخافون من الموت العنيف، فيضحون بإنسانيتهم، ويصبحون حيوانات ضحية لحاجاتهم وخوفهم، والخائف لا يصنع الحياة[6]

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد

[1] نقلا عن الدكتور فؤاد زكريا في كتابه الموسوم (نيتشة)، ص 1151

[2] نقلا عن الدكتور فؤاد زكريا في كتابه الموسوم (نيتشة)، ص 149

[3] فرانسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ والانسان الأخير ، ص 240

[4] الداعية الإسلامي المصري محمد السقا الغزالي ، الاسلام والاستبداد السياسي، ص 65

[5] نقلا عن فرانسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ والانسان الأخير ، ص 245

[6] نقلا عن فرانسيس فوكوياما ، نهاية التاريخ والانسان الأخير ، ص 189

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!