سر وحدتنا معاً في المسيح
الكاتب: وردا اسحاق
سر وحدتنا معاً في المسيح
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي ) ” يو 21:17″ ..
نقرأ في العهد القدييم بأن الله أنزل لشعب أسرائيل المن في صحراء سيناء لكي يتناولوا من كل يوم بدلاً من الطعام المألوف ن فكان المن هو خبزهم اليومي . كان ذلك المن رمزاً للخبز الذي سينزل من السماء لبني العهد الجديد ، والذي هو جسد ودم المسيح . لهذا قال ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) ” يو 54:6″ . يسوع هو كلمة الله الذي نزل من السماء إلى الأرض ، فكيف يستطيع أن يعطي جسده ودمه لكل الأجيال لكي يستطيع أن يتحد بكل مؤمن به ليصبح مع كل منهم جسداً واحداً موحداً ! نقرأ في الأنجيل المقدس بأن يسوع في الليلة التي سلّمَ ذاته طوعاً أحتفل مع تلاميذه الأطهار أحتفالاً فريداً وأسس لهم في تلك الليلة سراً جديداً وهو سر الأفخارستيا ، حيث أخذ خبزاً وشكر وبارك وكسر ، ثم ناول التلاميذ قائلاً خذوا فكلوا هذا هو جسدي ، وهكذا فعل مع الكأس الذي بسبب قوله هذا هو دمي تحول إلى دمه الحقيقي ، أنه أعظم حب هو أن يبذل ذاته من أجل خلاصهم ، ويقدم ذاته طعاماً أبدياً لكل المؤمنين به عبر الأجيال بعد أن أعطى التفويض للتلاميذ وخلفائهم لعمل ما عمله لكي يعطى لكل الأجيال ما أعطى لهم فيستمر تجسد المسيح في كل الأزمان فينل ذلك الخبز السماوي ليتجسد على مذبح الكنائس في الخبز والخمر بقوة الروح القدس الذي يطلب نزوله كاهن الرعية بأيمان صادق وبحضور المؤمنين فيتحول إلى جسد ودم المسيح الحقيقي وبدون أدنى شك ليتناوله المستحقين فيكون قريباً منهم ، بل يمتزج جسده ودمه معهم لكي يصبح مع كل منهم واحداً ويغفر خطاياهم . إذاً نقول : أن الأفخارستيا بذرة الخلود الأبدي تدخل في الأنسان لكي تحييه ، وهي ستقيمه من بين الأموات بما أن المسيح هو فينا بجسده ودمه ، هكذا قد أخبأ فينا الحياة بفضل جسده ودمه ، وقد طمرها مثل بذرة خلود تطهرنا من كل فساد فينا الآن , وبأنتظار القيامة تمارس الأفخارستيا منذ حياتنا الحاضرة في يسوع الذي يتلقاها قوة الخلاص ، قدرة حضوره في المؤمن لا تقتصر للقضاء على الموت الأبدي فحسب ، بل تطرد أوهامنا وشكوكنا وضعفنا وعدم ثقتنا بالخلاص فيخمد شريعة الجسد التي تعذبنا بضراوة ، ويحرك محبتنا نحو الله ويكبح ضعفنا وتجاربنا ، بل لا يحاسبنا على خطايانا التي قد أرتكبناها ، بل يعتني بنا إلى أن نلتقي به في السماء ، و جريح مثل السامري خير دليل لهذا الهدف . ألتقى مع تلميذي عماوس ، ومن بعدها أتحد بهم بعد أن كسر خبز الحياة وناولهم وبعدها لا داعي لبقائه أمام أنظارهم ( أختفى عن أعينهما ) ” لو 31:24 ” . وهذا لا يعني بأنه فارقهما ، لأن أدراكنا ليسوع وأختفائه عن أنظارنا هما الحدث ذاته ، لماذا ؟ لأننا يحب أن ندرك بأن الرب يسوع يعيش فينا عندما نتناوله في القربان المقدس . هكذا أعطى لنا روح الحب الذي يملكه ، فإذا لم نراه بأعيننا ، كما غاب عن تلميذي عماوس ، لكنه صاحبهم بالروح لكي يعودوا إلى أورشليم التي هي مركز الأيمان التي تركوها بسبب فقدانهم الأيمان بعد موته . هكذا يصاحبنا نحن أيضاً ، فلنؤمن بذلك ونقول مع الرسول ، لسنا نحن أحياء بعد ، بل المسيح هو الذي يحيا فينا ” غل 20:2 ” .
إذاً عندما نجتمع حول مائدة الأفخارستيا التي تعد على المذبح ونتناول من نفس الخبز ونشرب من نفس الكأس ، نقول ( هذا هو جسد ودم المسيح ) فيصبه المسيح الحي بيننا ويتجسد فينا ، أنه هو الذي دعانا للوليمة السماوية ، فإيماننا به لا يقتصر على أنه أبن الله الذي جاء في الماضي ، بل هو مسيح اليوم ، يعيش فينا ومن خلالنا يكمل خدمته الألهية لغيرنا . هذه المعرفة الروحية بالمسيح الذي يعيش فينا هي التي تسمح لنا أن نثبت تماماً سر تجسد أبن الله وموته وقيامته كما دونت في الكتب . وهو المسيح الذي فينا ، هو الذي يكشف لنا المسيح في التاريخ .
فالأفخارستيا هي التي تجمعنا معاً في مكان واحد لتوحدنا في جسد المسيح الواحد وتؤكد لنا بأن المسيح أصبح يعيش في وسطنا وفينا ، وهكذا نميزه نحن أيضاً كما ميزوه التلميذان . كما يصبح هو سبب في وحدتنا فنصبح جسداً واحداً كما يقول مار بولس ( فلما كان هناك خبز واحد ، فنحن على كثرتنا جسد واحد ، لأننا نشترك كلنا في هذا الخبز الواحد ) ” 1 قور 17:10 ” . الأفخارستيا إذاً هي التي تخاق الوحدة ، ونحن اللذين تلقينا جسد ودم الرب نجد أتحاداً جديداً فيما بيننا ، ويسوع يدعونا إلى أن نكون جسد الجماعة الواحد المتوحد به ، وبهذا العمل يشهد حضور المسيح في العالم . والأفخارستيا هو أعظم حدث يحدث في العالم كل يوم . ليتبارك أسم الرب.