ذكـريات في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة الخامسة عـشرة ــ المطران اليوناني أنارﮔـيروس يقـتـرح ا
الكاتب: مايكل سيبي
ذكـريات في رحاب الكـنيـسة
ــ الحـلقة الخامسة عـشرة ــ المطران اليوناني أنارﮔـيروس يقـتـرح الرسامة الكـهنـوتية !
المطران اليوناني يقـترح عـليّ الرسامة الكـهـنوتية :
كان سـيادة المطران أنارﮔـيروس ( في كـنيسة آخـرنون ) يلاحـظ خـدماتي في الكـنسية ولعـدّة سـنين ، وفي الوقـت نفـسه كـنت أجـتمع معه بين فـترة وأخـرى لطرح أمور تخـصّ مراسيم التـناول الأول لأطفالـنا ومشاركاتـنا بالقـداس وعـلاقة المؤمنين بالكـنيسة عامة . فـقال لي مرة : هـل يُرسم عـندكـم رجـل متـزوّج كاهـناً ؟ قـلتُ له : نعـم وذلك بسبـب الحاجة ولكـن بشروط : أن يكـون مؤمناً ومشهـوداً له من حـيث حُـسْن السيرة وملماً بأنـظمة الكـنيسة وراغـباً في خـدمة الرعـية ، فـقال لي : إذن هـل تـقـبل برسامتـك كاهـناً تخـدم جاليتـكم هـنا في اليونان ؟ قـلتُ له : كـلا وآسف جـداً لأن صاحـب أية رسالة ومنها ـ الكـهـنـوت ـ في رأيي يجـب أن يتـفـرّغ لها دون إرتـباطات أخـرى .
كما سألني في أوائل عام 1997 قائلاً : أرى العـراقـيين يأتون إلى اليونان ثم بعـد مشوار يغادرون ولكـني أراك منذ فـترة طويلة ولم تغادر فـما هي قـصتك ؟ فـشرحـتُ له محاولاتي خـلال السنين الخـمس الماضية وعـن تـقـديمي طلبات اللجـوء خـمس مرات إلى أستراليا ومرتان إلى أميركا ومرة واحـدة إلى كـنـدا وكـلها باءت بالفـشل ! فـقال : أتريدني أن أكـلـّم السفارة الأسترالية بشأنك ؟ قـلتُ : يا حـبّـذا .
فـقـدَّمتُ طـلباً سادساً … وبعـد أقـل من أسـبوع ذهـب المطران إلى السفارة وقابل قـنصلَ الهجـرة الأسترالي وسأله عـن أسباب رفـضهم طلبي خـمس مرات ! أجابه السفـير : لأنه حاصل عـلى شهادة جامعـية ، فـقال له المطران : أتـفـضّـلون الأميّـين ولا تريدون المتعـلـّمين ؟ قال القـنصل : إن المتعـلمين يصلون أستراليا ولا يقـبلون العـمل إلاً بإخـتصاصاتهم . قال له المطران : إن الرجـل الذي أتكـلم عـنه يعـمل منذ فـترة طويلة كعامل بسيط من أجـل إعالة أولاده وأنا أضمن لك أن يعـمل أيّ عـمل متوفـر في بلدكم من أجـل توفـير مستلزمات العـيش لعائـلته …… وعـنـدها كـتب القـنصل عـلى إضبارتي أن يقابلني شخـصياً هـو بنفـسه . ولما إستـفـسرْتُ من سكـرتيرته ( كاميليا – تـتكلم العـربـية ) قالت : نعـم إن القـنصل وافـق عـلى مقابلتك ، قـلتُ لها : شكـراً ( بـيها الخـير ) ومتى سيكـون ذلك إن شاء الله ؟ قالت : إنـتـظر عـلى الأقـل سنة ونصف من الآن !! قـلتُ لها : لماذا سنة ونصف ؟ قالتْ : لأنك قـدّمتَ طلبك قـبل أيام قـليلة ، قـلتُ لها : هـذا صحـيح ولكـن ألا تـدرين أنـني في الـيونان منـذ خـمس سنوات ، وطـلبي الـذي قـدمته مؤخـراً هـو السادس ؟ قالت : أعـرف ولكـن هـذا هـو نظامنا !! قـلتُ لها شكـراً ، ولما رجـعـتُ إلى الـبـيت قـلتُ مع نفـسي : ليس لي أمل مع هـذه السكـرتيرة خاصة أنها قالت لي يوماً : لماذا أنت متعـلق بأستراليا ، إذهـب وإبحـث لك عـن مكان آخـر في العالم !! لـذا قـررتُ أنْ أجازف وأذهـب إلى أستراليا وعـلى مسؤوليتي الخاصة ، فـلا كاميليا ولا ﭭـيزا ولا هـم يحـزنون .
التحـضير للتـناول الأول لعام 1997 :
بعـد أنْ قـطـعـتُ الأمل في أية مقابلة من السفارة الأسترالية في أثينا ، أبلغـتُ جاليتـنا في شهـر آذار1997 ( أثـناء القـداس ) أنـنا سـنبدأ بتعـليم طلابنا التعـليم المسيحي والتحـضير للتـناول الأول للقـربان المقـدّس ، فـبدأنا بتسجـيـل الأسماء وحـدّدنا محاضراتـنا بمعـدّل يومَين في الأسبوع ثم صارت خـمسة أيام من الساعة 5:00 مساءاً وحـتى 7:00 أي بعـد إنـتهاء ساعات عـملي ومن هـناك أتوجّه إلى الدير مباشرة حـيث مكان المحاضرات في قاعة كـنيسة دير الأم تيريزا ( ولكن القـداس الإحـتـفالي سيكـون في كـنيسة آخـرنون ) .
التـفـكـير في مغادرة اليونان :
في هـذه الأثـناء بدأتُ أفـكـّـر بمغادرة اليونان بعـد أن نفـد صبرنا ولكـن طلاب الـتـناول الأول في عـهـدتي فسألتُ الشمامسة جـميعـهم المتمكّـنين منهم الـدارسين في المعهـد الكـهـنـوتي وغـيرهم لإستلام مسؤولية التعـليم المسيحي هـذا ، ومن ثـمّ متابعة مراسيم التـناول الأول للأطفال ، بحـجّة أنـني لم يعـد بإمكاني القـيام بذلك لأسباب العـمل ، فـلـَمْ يُـبْـدِ أحـد إستعـداده لتلك الخـدمة .
ولكـني لم أسمح لنفـسي أن أترك الأطفال بعـد أن بدأوا مشوارهـم الروحي فـيُحْـرَمون من نعـمة الله هـذا من جهة ، ومن جهة أخـرى عـلمتُ أن سيادة المطران إبراهـيم إبراهـيم قادم في عـيد القـيامة من أميركا إلى أثينا مع كاهـنـَين إثـنين ، عـندئذ إزدادتْ الرغـبة عـندي في تكـملة هـذا العـمل المقـدس الذي بدأتـُه والإحـتـفال بعـيد القـيامة المجـيدة وبالتـناول الأول في آن واحـد بحـضور أسقـف وكهـنة عـراقـيـين كـلدانيـين وفي قـداس من طخـسنا الكـلداني الرائع ، وعـندي من الطلاب المتـناولين 41 طفـلاً وطفـلة ( من بـينهم فـتاة تجاوزت سنّ المراهـقة ولم تـتوفـّـر لها فـرصة الإحـتـفال بتـناولها الأول للقـربان المقـدّس بسبب ظروف الهجـرة والتـنقـل بـين الدُوَل ).
وضع برنامج التـناول الأول للقـربان المقـدس :
إستـناداً إلى ما سبق كان لا بدّ لي من وضع برنامج ناجـح يفي بالمطلوب وبنفـس الوقـت يحـقّـق خـطـّـتي لمغادرة اليونان بعـد عـيد القـيامة مباشرة ، ولم يـبق أمامي من الوقـت سـوى شهـر وبضعة أيام . كان التعـليم يشمل نبذة عـن الطبـيعة والخـَـلق والعـهـد القـديم ووصايا الله العَـشْر والأنبـياء ، ثم العـهـد الجـديد منذ ولادة الرب يسوع وحـتى قـيامته ، وأولـيات التعـليم المسيحي مبتـدئين من : أمسيحي أنت ؟ نعـم أنا مسيحي بنعـمة الله ……… كما نـتـطرّق أيضاً إلى أفـعال الإيمان وغـيرها والإعـتراف أمام الكاهـن ، والألحان من النشيد الأول : قـد أتى اليوم الذي أعـدّه القـدير …….. وإلى آخـر نشيد ، بالإضافة إلى أناشيد ( بلهـجـتـنا الكـلـدانية ) ، وأعـطـيتُ لكـل طفـل دَوراً سـواءاً فـردياً أو كـمجـموعة .
والفـقـرة الرئيسية هي أنْ يخـدم الأطفال قـداسهم الإحـتـفالي باللغة الكـلـدانية ولوحـدهـم دون مشاركة الجـمهـور ، فـيتـطـلب تحـضيرهم بهـذه الفـترة القـصيرة ؟ فـما الذي عـملـْـتـُه ؟ أبلغـْـتُ أولياء أمور الأطفال في إجـتماع معـهم أن المحاضرات ستكـون يومياً ومن ضمنها يوم الأحـد كي نكـون جاهـزين لموعـد قـدوم سيادة المطران ، كـما كـتبتُ كـل تلك المحاضرات والصلوات والأناشيد بخـط يدي وعـملتُ كـتيـباً ( لم تكن هـناك طابعة أو كـومـﭘـيوتر) وإستـنسخـتـُه ووزّعْـتـُه لكـل طفـل فـيقـرأه أو بمساعـدة ولي أمره ، ولم أكـتـفِ بذلك بل سجّـلتُ عـلى كاسيت كل ذلك بصَوتي مع جـميع الأناشيد والصلوات المطلوبة منهم في القـداس ، ووزعـتُ نسخة منه لكل طفـل وحـتى للتوائم وأوصَيتـُهم أن يسمعـوه خـمس مرّات في اليوم ويطابقـونه مع القـراءة من الكـُـتـَـيب بصحـبة أهـلهم ، دون أنْ أحـمّـلهم أيّ عـبءٍ مادّي عـلى تلك الخـدمات والجـهـود وأنا مُغـتـبط بذلك ، كما صنعـتُ بـيـدي صلباناً صغـيرة خـشبـية في معـمل النجارة الذي كـنـتُ أعـمل فـيه ووزعـتها لهم . ونظراً لأنها أول مرة يحـضر فـيها مطرانـنا الكـلداني مع الآباء الكـهـنة إحـتـفالاً بالتـناول الأول لأطفالنا في أثـينا فـقـد وضعـتُ كـلمات لنشيد الإستـقـبال له ودرّبْـتُ الطفـلة ( ريم شـليمون / عـقـرة ) عـلى إنشاده قــُـبَـيل بدْء القـداس وبلحـن قـديم معـروف .
قــُـبَـيل الإحـتفال بأيام :
لم تكـن لدينا مشكلة في تهـيئة ملابس الأولاد للقـداس الإحـتفالي ( 15 طفلاً ) لأن سروالاً أسوَداً وقـميصاً أبـيضاً يفـيان بالغـرض المطلوب ، ولكـن المشكـلة هي في الفـستان الأبـيض للبنات ( 26 طفـلة ) حـيث أن خـياطته تكـلـّـف ما يُقارب 300-400 $ أما إيجاره ليوم واحـد فـقـط يكـلف ما بين 70-100 $ وهـو غالٍ أيضاً بالنسبة لنا كلاجـئين . وأنا واثق من أنّ أولياء أمور الأطفال هـؤلاء لا يمتـنعـون من صرف المبالغ اللازمة لإسعاد بناتهم وسيقـولون ــ إنها مرة واحـدة في الحـياة ــ أفـلا تستحـق بنـتـنا أن نصرف عـليها لكي تـفـرح ! ولكـني وبالرغـم من ذلك فـكـّـرتُ في تخـفـيف هـذا العـبء عـليهم بالإستعانة بـ ( شوقــْـتا دْ شـَماشِه ــ رداء الشماس ) ولم يكـن متوفـراً إلاّ في كـنيسة كاثوليكـية لاتينية في منطقة ( أكاذيميا / أثينا ) .
فـذهـبْتُ وكـلـّمْتُ الخـوري بهـذا الشأن فـعـرفـني من تكـرار زياراته لدير الأم تيريزا ، فأبدى إستعـداده فـوراً وبدون تأخـير وبالعـدد الذي أحـتاجه ولم يشترط معي أيّ شرط ولم يطلب أية أمانات ، ولكـنه صار يسألني : هـل يحـْـضَر مصوّرٌ لتصوير إحـتـفالكـم في الكـنيسة ؟ قـلتُ : نعـم ، قال : هـل تصنعـون حـلويّات ؟ قـلتُ : نعـم ، قال : هـل تدعـون أقاربَكم أو أصدقاءكم إلى وليمة في داركم أو أي مكان آخـر ؟ قـلتُ : نعـم ، قال : هـل تـقـدّمون مشروبات كـحـولية أو غازية للضيوف ؟ قـلتُ : نعـم ، قال : هـل تلبسون ملابس جـميلة بالمناسبة ؟ قـلتُ : نعـم ، قال : إجاباتـك تعـني أنكم تصرفـون بعـضاً من المال بهـذه المناسبة ! قـلتُ : نعـم .
قال : إذاً قـُل لهم أن يعـطوا للكـنيسة ما بوسعـهم ، قـلتُ له : كم دراخـما مثلاً ؟ قال : 500 دراخـما كافـية ( وهـذه تـُعادل 25 $ تقـريباً في حـينها ) ، قـلتُ له : أنا سأبلغـهم وأحـثـهم عـلى العـطاء ، قال لي : بارك الله بجـميعـكم .
إجـتماع أخـير ما قـبل التـناول :
طلبتُ اللقاء بجـميع أولياء أمور الأطفال لتبليغـهـم بآخـر التوصيات بشأن الإحـتـفال ومناقـشة مسألة رداء البنات ، ولما حـضروا قالوا لي أن هـناك فـساتين جـميلة للأجـرة ومهـما كان إيجارها فإنها مرة واحـدة سنـتحـمل التـكاليف … ( كما توقــّعْـتُ ) فـقـلتُ لهم : أتريدون أن نحـلّ المسألة بزيّ موَحّـد لجـميع البنات بواسطة ( شوقــْياثا دْ شَماشِه ) ؟ قال أكـثرهـم : هـذا أفـضل حـل .
فـلما حـكـيتُ لهـم قـصة لقائي بالخـوري ، ردّ عـليَّ أحـد أولياء الأمور قائلاً : ( أوّا قاشا ليه ناخِـﭗ ؟؟ = ألا يخـجـل هـذا القـس ؟؟ ) فإجـبتـُه : صدّقــْـني أنا لا أعـرف إنْ كان هـذا الكاهـن يخـجـل أم لا ، ولكن الذي أعـرفه هـو هـذا الكـلام الذي قاله لي ونقـلـْـتـُه لكم ………..هـؤلاء هم جـماعـتـنا ، يعـطي للتاجـر 400$ ولكـن يـبخـل بـ 25$ للكـنيسة عـن رداء الشمامسة !!! وفي الأخـير إتـّـفـقـنا عـلى أن نستخـدم تلك الملابس فإستـلمتـُها من خـوري الكـنيسة ووزعـتـُها للبنات . وقـلتُ للحاضرين إنـني سأغادر أثينا إلى جـزيرة يونانية للعـمل وعـليه أرجـو من الآن أن يتهـيّأ شخـصان أو ثلاثة لجـمع هـذه الملابس ( شوقـْـياثا دْ شَماشِه ) وما تجـمعـونه من فـلوس ، وإطرحـوا منها إجـرة التاكـسي لإيصالها إلى كـنيسة الخـوري فـتسلمون الباقي له بعـد التـناول بـيَومين لأنـني وعَـدتـُه بذلك …
..