الله يمتحن والشيطان يجرب ، فهل هناك خطأ في ترجمة صلاة الأبانا؟
الكاتب: وردا اسحاق
الله يمتحن والشيطان يجرب ، فهل هناك خطأ في ترجمة صلاة الأبانا؟
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( أختبرني يا الله وأعرف قلبي . أمتحني وأعرف أفكاري ) ” مز 23:139 “
عالمنا تعريه الخطيئة ، وكل إنسان هو فريسة للتجربة ، حتى المسيح الإله المتأنس تعرض لتجارب وأختبرها وفاز فيها وإلى آخر لحظاته وهو على الصليب ، غلب الخطاة الذين صلبوه ، فقال للآب ( يا أبتِ ، أغفر لهم ، لأنهم لا يدركون ما يفعلون ) ” لو 34:23″ . كذلك قديسين كثيرين أظهروا جبروتهم في إقهار التجرب والمجرب . إذاً التجربة ليست أمراً عسيراً لا يمكن قهرها ، بل على كل مسيحي أن يقتدي بسيده ، معتمداً على القوة التي يمنها له الروح القدس الساكن فيه والذي يقّوي الضعف البشري فيصبح بطل المحبة والصفح والتواضع ، هكذا يصبح الإنسان أميناً لدعوته ، ولكل إنسان دعوة شخصية فعليه أن يحققها ، وسيحققها إذا كان أميناً لشريعة الله الموجودة في أعماق كيانه .
لايجوز للمؤمن التأثر بتقاليد هذا العالم ، بل أن يعمل بحسب الوصايا ، لهذا قال بولس ( لا تتشبهوا بهذه الدنيا ، بل تبدلوا بتجدّد عقولكم ) ” روم 2:12 ” وشهادة إيمان المؤمن توقظ ضمير العالم الفاني .
الله لا يجرب الإنسان ، لكن الإنسان هو الذي يسقط في التجارب بسبب شهواته ، والمجرب هو الشيطان . الله يسمح للشيطان بأن يجرب الإنسان ، لكنه يحدد له إطار التجربة وإلا لكانت الأبالسة تسحق البشرية سحقاً وتبيدها . الله سمح للشيطان لكي يجرب أيوب البار ، لكنه حدد له حجم التجربة . كذلك سمح للشيطان أن يجرب أبنه الوحيد يسوع . إذاً المجرب هو الأبليس الذي يجرب الإنسان ليسقطه في حبال تجاربه بسبب حسده اللامحدود لبني البشر الذين يعبدون الله ، وكما تقول الآية ( بحسد أبليس دخل الموت إلى العالم ) ” حك 24:2″ .
هناك من يظن بأن الله يجرب الإنسان ليقّوي أيمانه به . الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله يحبه ، فلا يجرب أحداً . لهذا لا يجوز أن نقول بأن الله هو الذي جربني ، وهذا واضح في رسالة يعقوب ” 13:1 ” ( إذا جرب أحد فلا يقُل : ” إن الله يجربني ! ” . ذلك لأن الله لا يمكن أن يجربه الشر ، وهو لا يجرب أحداً ) . إذاً الله لا يجرب ، بل يمتحن إيمان الإنسان ، فالذي ينجح ، ينال المكافأة ( طوبى لمن يتحمل المحنة بصبر ، فإنه بعد أن يجتاز الإمتحان بنجاح ، سينال ” أكليل الحياة ” الذي وعد به الرب محبيه ! ) ” يع 12:1″
وهناك إختلاف كبير بين الإمتحان والتجربة . فالإمتحان هو أختبار مستوى إيمان الإنسان . أما التجربة فالغاية منها هو التحريض والخداع لأجل إضعاف الإنسان ودفعه إلى عمل الخطيئة كما فعلت الحية ( صورة للشيطان ) مع حواء . وللشيطان أسماء كثيرة مثل ( مجرب ، كذاب ، مخادع ، أبليس ، ألمبيد ، ألمضلل ،والتنين الذي يرمز إلى الحية القديمة وغيرها ) .
الله أمتحن مختاريه كأبينا أبراهيم وطلب إليه التضحية بأبنه الوحيد ، أبن الوعد أسحاق ( تك 1:22) وكانت غاية الله معرفة ما في قلب ابراهيم فقط ، لهذا عندما رأى بأنه أندفع بكل حرية وأرادة إلى تنفيذ أمر ذبح أسحاق ، أرسل ملاكه لكي يمنعه لأنه تأكد بأنه إنسان تقي ومطيع . فالمؤمنين الأقوياء لا يهابون الإمتحان ، بل كانوا يصلون إلى الله لكي يختبر أيمانهم ، وكما في المزمور ” 2:26″ ( إسبر يا رب غوري وأختبرني ، محّص بالنار كليتي وقلبي ) . فالمؤمن يعلم بأن الله المحب عادل وغايته من الإمتحان هي لفحص قلوب المؤمنين به ويعرف ما في داخلهم ، فلماذا يخاف المؤمن من الأختبار ؟ الله المحب أختبر شعبه عندما أخرجهم من أرض مصر فجعلهم يسيرون في الصحراء القاحلة بدون ماء ، فبدأ الشعب يتذمر عليه في ( مَسّة ومريبة عندما عانى العطش ) ” خر 17 ” في هذا الإمتحان تبين أن الإنسان يميل دوماً إلى الحاجة الزمنية أكثر من ميوله وإيمانه بوعود الله ، وأخيراً ينكر الله فيسقط في الخطيئة . في سفر القضاة يتحدث عن ” إختبار ، وأمتحان ” الله لبني أسرائيل ، فيقول في ” 1:3 ” ( وهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليختبرهم بني أسرائيل الذين لم يخوضوا أي حرب من حروب أرض كنعان ) وقال في “4:3” ( وقد أبقاهم الرب ليمتحن إس*رائي*ل بهم … ) .
أما الإنسان فلا يستطيع أن يمتحن الله بفرض شروطه على خالقه لأخضاعه لمتطلباته وأحتياجاته ، فالله هو الذي يعرف حاجة المخلوق ، لهذا طلب منه في العهد الجديد بأن يطلب البر أولاً والباقي سيزاد له .
الله قاد شعبه في البرية وكان يسير معه ، وهناك أراد أن يمتحن شعبه ” مت 2:8 ” . كذلك قاد روح الله أبنه يسوع بعد المعمودية إلى البرية لهدف محدد وهو (لكي يجربه الشيطان ) . إذاً لا يمنع الله من أن يدخل أبنه في تجربة المجرب ، لكن لا نقول بأن الله رغب في إمتحان أبنه لأنه يعرف بأنه قدوس ومساوي له في الجوهر فلا يحتاج إلى إمتحان .
الأبليس المجرب هو كأسد يزار يبحث عن فريسة يبتلعها ، فعلينا أن نقاومه بالرسوخ في الإيمان والتواضع والصلاة . كما علينا أن نتحمل التجارب لأنها آلام هذا الدهر . تحًملنا للآلام والتجارب هو تحدي حقيقي ضد المجرب ، ويظهر من خلالها الإيمان الحقيقي للإنسان ، بل النجاح في التجربة هو نتيجة جهاد مقدس لنيل أكليل البر .
هناك من يقول : أن الله يعرف كل شىء قبل حدوثه ، إذاً لماذا يمتحن الإنسان لكي يعرف ؟ في الحقيقة الله لا يحتاج إلى تأكيد أو برهان من خلال أمتحانه للإنسان ، بل يريد أن يبرهن للشخص الممتحن أو للشعب أو أمة على محدوديتهم وأبراز مستواهم الحقيقي لكي يعودوا إلى أيمانهم وثقتهم بالله ، ولكي يتأكدوا هم هل يعيشون بحسب وصايا الله أم هم بعيدين عنها ، وهذا ما ألتمسناه في أمتحان الرب للشعب العبري في موضوع المِن ( فقال الرب لموسى هاءنذا ممطر لكم خبزاً من السماء فيخرج الشعب ويلتقطه طعام كل يوم في يومه ، لكي أمتحنهم ، أيسلكون على شريعتي أم لا ) ” خر 4:16 ” وهكذا أستطاع الله أن يفرز الضعفاء من بين الشعب ، والمطلوب من هذا الإيمان الأكبر والألتزام بوصايا السماء ، فكل أختبار للإنسان هو إمتحاناً هدفه تربية الإنسان للثقة بالله ووعوده .
ختاماً نقول : الإمتحان هو من الله المحب للإنسان لكي يبرهن له محدودياته ومستواه الإيماني ، كما فعل مع الرسول فيلبس ، فقال له ( من اين نشتري خبزاً ليأكل هؤلاء ؟ ) وإنما قال هذا ليمتحنه ، لأنه هو يعلم ما هو مزمع أن يفعل ( طالع يو 6: 5-7 ) . أما عبارة ( لا تدخلنا في التجارب ) الموجودة في صلاة الربية ، فمن الأفضل أن تكون ( لا تسمح بدخولنا في التجارب ) وهذا هو المقصود بها . وبسبب صلاتنا وتذرعاتنا كل يوم إلى الله سيبعدنا من التجربة ، وكما قال يسوع لتلاميذه في البستان ( صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة ) ” لو 40:22″ . لأن التجربة كما وضحنا تأتي من عدو الخير، من قوى الشر المتمردة .
كما لا يجوز للإنسان أن يعمل العكس فيجرب الله بشروط المساومة في الطلبات بسبب الطمع والأنانية ، وهذا ما يرفضه يسوع حتى في أثناء صلاته المؤلمة في البستان ( لتكن لا حسب مشيئتي ، بل بمشيئتك ) وكذلك على الصليب . علينا أن لا نجرب الله لنكشف وجوده بيننا ، بل علينا أن نثق بكلامه فهو يقول ( هاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم ) ” مت 20:28 “.
ليتبارك أسمه القدوس