مقالات

عبد المقصود راشدي يتحدث عن فضيحة نهب المال العام التي تورط

على خلفية الفضيحة التي فجرها تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص مليوني درهم التي تم ضخها من المال العام في حساب حزب الاتحاد الاشتراكي بدعوى تغطية نفقات إنشاء مكتب دراسات وهمي، استضافت قناة على اليوتوب عبد المقصود الراشدي، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي وعضو سابق بالمكتب السياسي لنفس الحزب لولايتين متتالبتين في الفترة التي اتسمت بنقاشات ساخنة حول الديمقراطية والحكامة الداخليتين للحزب.
فضلا عن ذلك، الراشدي فاعل مدني وباحث في علم الاجتماع. ومن أجل فهم ماذا يحدث ويجري اليوم داخل حزب الوردة، واستشراف الآفاق التي تفتح حاليا أمام المناضلين الاتحاديين، استضافت القناة هذه الشخصية الاستثنائية بكل المقاييس والتي اصدرت مع ثلاثة اتحاديين آخرين وهم حسن نجمي وصلاح الدين المنوزي وشقران أمام ثلاثة بلاغات متتالية يعاتبون فيها الكاتب الاول لحزبهم على تورطه في الفساد ونهب المال العام بطريقة مشبوهة.
في أول تعليق له على هذه المعطيات، قال عبد المقصود راشدي إن ما وقع لم يعد سرا داخل هذا الحزب التاريخي الذي أدى أدوارا تاريخية وساهم في التطور السياسي ببلادنا. ثم بعد ذلك، تساءلت الصحافية المكلفة بتسيير هذه المقابلة: ماذا يقع اليوم بالضبط؟ ما الفرق بين حزب الأمس وحزب اليوم؟
أجاب ضيف القناة: بالأمس، كان للحزب دور تاريخي لأنه كان يسير في مسار تحقيق الديمقراطية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، وفي اتجاه تحقيق الرغبة في دفع الدولة والمجتمع إلى آفاق تنموية واجتماعية وديمقراطية حقيقية. طبعا الماضي فات كما قال ناس الغيوان رغم أنه انطوى على زخم كبير من الأحداث السياسية والوطنية التي سيقيمها التاريخ في ما بعد. لكن الاتحاد الاشتراكي بصم مساره التاريخي من أجل القضايا الوطنية وليس القضايا الفردية، والمناضلون والمناضلات في الحزب أدوا ثمنا باهظا. لكن بالمقارنة مع مآل المغرب منذ مطلع التسعينيات والنقاشات داخل الحزب والتصويت على دستور 1996 والمشاركة في حكومة التناوب وإبداء النية في الانفتاح على مستقبل أفضل للمغرب، أظن أن كل ذلك أصبح جزء من التاريخ. الأجيال الحالية والمقبلة تنتظر أشياء كثيرة من المشهد السياسي.
فعلا، بعد الانتقال الديمقراطي الذي تحقق وبعد الاستقرار الذي عرفته بلادنا وبعد المشلريع الكبرى التي أنطلقت مع العهد الجديد، والتي لها بصمة سياسية واجتماعية وحقوقية وأعطت نفسا كبيرا لبلادنا، برز نقاش حول الحقل السياسي بين أحزاب ومن ضمنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وبعد أن قامت قيادة حزبنا التاريخية بالواجب الوطني أصبح لازما الانتقال إلى مرحلة الديمقراطية. طبعا، جر الحزب معه بعض الخيبات والتجاذبات بين مختلف القيادات من 1992 إلى حكومة التناوب مرورا بما بعدها وصولا إلى المؤتمر السادس وما تفرع عنه في المؤتمر السابع والمؤتمر الثامن.
هذا تاريخ نتحمل فيه كاتحاديات واتحاديين جزء من المسؤولية وتتحمل فيه كذلك الدولة وأطراف منها المسؤولية في لحظات معينة. الخطأ الثاني الذي وقع فيه الاتحاد وأحدث هزة وقع بعد تعيين حكومة إدريس جطو وقبلت القيادة المشاركة في حكومته بدعوى المساهمة في استكمال الأوراش التي باشرتها حكومة التناوب. منذ تلك اللحظة، لمس الرأي الوطني وبعض المهتمين بالحقل السياسي أن شيء ذا طبيعة مبدئية وقيمية تهشم. وهذا انعكس على مسار الحزب وعلى مسار الحزب وصورته ومصداقيته لدى الرأي العام. برزت أجيال أخرى دخلت إلى الانتخابات، هذا نقاش آخر لأن المد الانتخابي عرف بعض الممارسات التي أعاقت مصداقية الممارسات الانتخابية، خاصة في المدن الكبرى. وهكذا انطفأت جدوة الاتحاد الاشتراكي. لكن بقيت لدى مجموعة من المناضلات والمناضلين تلك الحرقة وحاولت بعض القيادات إيجاد توافقات، ما أدى بنا إلى المؤتمر الثامن. لكن لا ينبغي أن ننسى أن الاتحاد في المؤتمر الوطني التاسع أعطى درسا في الديمقراطية الداخلية من خلال ترشيح أربعة او خمسة إخوان، فضلا عن كون النقاش العمومي على القناة الثانية شكل سابقة تاريخية على المستوى الإعلامي المغربي. لكن ذلك صادف في ما بعد وقوع تجاذبات بين احترام الممارسة الديمقراطية الداخلية ونتائجها، وهي تجاذبات تركت سلبيات لم نعرف كيف نعالجها لنضمن مصالحة حقيقية عن طريق حوار قوي وجرأة في النقد والنقد الذاتي رغم صدور تقرير في هذا الاتجاه سنة 2007، لكن المخلفات ظلت راسخة، ونتج عن ذلك تشتت؛ الشيء الذي لاح معه في الخطاب الحزبي الداخلي ولدى الرأي العام أمل المصالحة، لكن في هذا المسار الذي عشت جزء منه في المؤتمرين التاسع والعاشر جرت نقاشات داخلية كبيرة ما أفرز بداية ظهور تنظيمات من أجيال جديدة داخل الحزب لا علاقة لها بالماضي.
لأجل القوف عند هذه الأجيال الجديدة، ذكرت الصحافية ضيفها بما قاله لها قبل بدء التصوير عن المناضلين القدماء وكيف كان النضال ومصلحة الوطن في حمضهم النووي هما الغالبان، فيما برزت المصلحة الفردية كظاهرة مع الأجيال الجديدة.
جواب: القضايا النضالية في ذلك الزمن لا يمكن مقارنتها مع ما يجري اليوم، لأن السياقات السياسية والاجتماعية وانتظارات المناضلين تختلف. اليوم، عندما نتحدث مع الأجيال الحالية نجد أنهم يفتقدون الثقة في الحقل السياسي بصفة عامة وفي النخبة السياسية بصفة خاصة، ويعتبرون السياسة وسيلة للترقية وتحقيق مآرب ومكاسب، في حين أن الأجيال السابقة كان همها النضال من أحل القضايا الوطنية؛ معنى هذا أن هناك أزمة قيم. وهذا لا يعني أن هناك فرقا في درجة الوطنية بين الماضي والحاضر، وكل ما هناك اختلاف في طريقة رؤيتها ومعايشتها، وهذا يبرز من خلال الممارسات اليومية. لذلك أخذ الجانب التنظيمي نفسا جديدا لدى العديد من المناضلات والمناضلين في مجموعة من المناطق. هؤلاء امتطوا نفس القطار وحافظوا على ارتباطهم بالحزب. لكن مجموعة من الأخوات والإخوان إما نفضوا أيديهم من الاتحاد وإما اعتبروا أنه لم يعد يلتزم بالمسار اللائق وإما لم يعودوا قادرين، ولو رغبوا، على الاستمرار والمواكبة، ولكن تعاطفهم مع الحزب ما زال حاضرا. هذا حمض نووي متوفر لدى جميع الاتحاديات والاتحاديين. وحتى نحن لما خرجنا محتجين لم يكن غرضنا المساس بشخص الكاتب الأول ولا بأشخاص الأخوات والإخوان في المكتب السياسي.
من الناحية المبدئية والأخلاقية، لا يسمح لنا حمض الاتحاد النووي بالمشاركة في مؤامرة الصمت على نازلة أثبتتها مؤسسة دستورية فيها شرط موضوعي للنقاش الحقيقي الذي خضنا فيه منذ المؤتمر العاشر حول الديمقراطية الداخلية وتوزيع المهام على أعضاء وعضوات المكتب السياسي، وحول المواقف السياسية التي لا ينبغي أن تكون متذبذبة، او تخدم طرفا ضد طرف آخر، وحول الشفافية في التدبير المؤسساتي. هذا النقاش لم يكن وليد اليوم، بل انطلق واستمر خلال الولايتين الأخيرتين وكان نقاشا حقيقيا، أدى إلى أن يتبنى بعض الإخوان في المكتب السياسي موقفا نبيلا، ربما السياقات لم تساعد على المرور إلى مرحلة أخرى. وخلال السنتين الأخيرتين بقي من أعضاء المكتب السياسي أربعة او خمسة أعضاء. هذه اختيارات نحترم أصحابها. لكن هذا النقاش الدائر اليوم حول الحكامة نعتبره تحصيل حاصل. ميزان القوى داخل البنية التنظيمية أصبح متحكما فيه ومضبوطا، ومع ذلك في هذه البنية التنظيمية هناك مناضلون يعبرون دائما عن وجهة نظرهم، وهذا لا يعني أننا لما كنا نعبر عن وجهة نظرنا كان لنا مطلق الحق، بل نؤمن بنسبيتها وموضوعيتها وبتواضعها الذي يقتضيه التحاور. وعندما تنعدم القدرة على الحوار والاستماع إلى بعضنا البعض ويسود التمادي في التغول الداخلي يتطلب الأمر اتخاذ موقف.
ما يعاتب عليه السيد لشكر، تتابع الصحافية، هو هذا التحكم. فضيحة المجلس الأعلى للحسابات، وهي فعلا فضيحة بكل المعايير، رغم التوجه العام الذي هو محاربة الفساد، وومع العلم بأن الأحزاب من واجبها أن تكون قدوة او مثالا في هذا المجال. صدر ذلك التقرير الذي يقول إن مليارين من الستتيمات ذهبا سدى، والأخطر أن أعضاء في المكتب السياسي أنفسهم لم يكونوا على علم بذينك المليارين اللذين أنشئت شركة بطريقة استثنائية لأجل صرف هذا المبلغ في ما يشبه الدراسات دون الدخول في تفاصيل الملف مع أننا على علم بها. أصدرتم بلاغات، ونفس الشيء فعله قسم كبير من الحزب، ولكن الكاتب العام نهج سياسة الصمت، وهذه صورة غير جميلة بتاتا بالنسبة إلى حزب سياسي ملزم بإعطاء دروس في الديمقراطية والحكامة.
جواب؛ أنا أتفق معك في كونها فضيحة أخلاقية بجلاجل تحتاج إلى قرار سياسي. لذلك نحن الاتحاديون الأربعة إذا وقعنا ثلاثة ببلاغات فلكي لا نبقى صامتين، وحتى لا يبدو وكأن الجسد الاتحادي مات وانتهى. هناك بعض الإخوان عاتبونا وقالوا كان علينا أن نطرح القضية أولا في الأجهزة أولا ثم بعد ذلك نخرج إلى العلن. نحن نعرف بيتنا الداخلي وكيف يتصرف الإخوان داخله. لا تنسي أني كنت قبيل انعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر عضوا في الفريق الذي ترأس المؤتمر الجهوي المنظم في الدار البيضاء. بعد نقاش طويل مع الأخ الكاتب الأول على خلفية إمكان ظهور هذه المدينة بحجم بسيط في المؤتمر في المؤتمر الوطني لاعتبارات أخرى، ولكن الحمد لله أدينا واجبنا بضمير مرتاح. اليوم، ليس هناك فقط أربعة مناضلون هم من خرجوا للتعبير عن استنكارهم بل هناك آخرون كثر، لكن عندما يظهر موقف يتساءل الناس: ماذا يريد هؤلاء المنددون؟ هل يرغبون في الحلول محل الكاتب الاول؟ هل يريدون التواجد هنا أم هناك؟ لماذا لم يكن لهم موقف في هذه المرة أو تلك؟ أقول للأخوات والإخوان إن في هذه اللحظة بالضبط، التي لا تشبه اللحظات السابقة، تتوفر جميع الشروط الموضوعية من أجل استعادة الفكرة الاتحادية بقيم تقدمية وفي ارتباط بمصالح الجماهير ليس فقط الانتخابية ولكن الدستورية والمؤسساتية، وبكلمة واحدة، من أجل تصحيح المسار الاتحادي. ولذلك، هذه الفضيحة الأخلاقية كما وصفناها في البلاغ الأول والبلاغ الثاني جاءت صدفة. لما اطلعنا على تقرير مجلس الأعلى للحسابات انتظرنا ثلاثة أسابيع اعتقادا منا أن المكتب السياسي سوف يجيب عن المسألة. ربما حال دون ذلك تقديرات الإخوان والظروف وطبيعة التحكم في التنظيم والأشخاص المسؤولين داخل الحزب وفي مساراتهم وإعطاء وعود كاذبة لبعض الأشخاص وإيهام آخرين. لما طرأت هذه الحالة، أولا قلنا نحن الأربعة إن الكاتب العام رجل ذكي له نظرة لن يستطيع أي واحد أن يلغيها، فكيف سقط في هذا الخطإ؟ ثانيا، كيف تم الحصول على هذين المليونين من الدراهم وبعض الإخوان والأخوات في المكتب السياسي لا علم لهم بالقضية. اتصلت بعدد كبير منهم وأكدوا لي أن لا علم لهم بالموضوع. والأكثر من ذلك أني تحدثت مع صديقي محمد محب وكنت أعتبره ما زال أمين مال الحزب ولكنه قال لي إنه أعفي من هذه المهمة لسبب من الأسباب ولم يطلب منه في اجتماع رسمي للمكتب السياسي التنازل عن المهمة ولم تتخذ الإجراءات لتجديد التوقيع. هنا طرح علينا تساؤل: كم من مكتب سياسي مر ولم يتغير توقيت انعقاد المكتب السياسي على رأس كل نصف شهر، لكن كيف أصبح المكتب السياسي لا يجتمع إلا بإرادة الكاتب الأول؟ ارتكب خطأ كبير في المؤتمر الأخير وهو أن بعض الأخوات والإخوان، سامحهم الله، ساعدوا الكاتب الأول على استرجاع البناء التنظيمي بشكل أقوى، وتخويله قاتونا استفراده بصلاحية اقتراح أعضاء المكتب السياسي. والنتيجة ما نراه اليوم من تغول حقيقي داخل المشهد السياسي لحزب ذي بعد تاريخي يهمنا الرهان عليه في المستقبل. هنا ظهر لنا أن بعض أعضاء المكتب السياسي كانوا آخر من يعلم بما جرى وأن اجتماعات هذا المكتب لا تتم بشكل منتظم وانعقد مجلسان وطنيان دون أن يطرح المشكل.
ثالثا، في تاريخ الاتحاد، هناك ضمن المناضلين والمناضلات الكثير من المثقفين والخبراء أنجزوا دراسات على سبيل التطوع وفق تقاليد الحزب، وكان بالإمكان اللجوء إلى مكاتب هؤلاء الخبراء. أنا لست ضد هذا المكتب الذي تم إنشاؤه لكن الخطأ يكمن في أن مبلغا جاء من المال العام وتم التلاعب به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!