مقالات

الإطار القانوني للاستدامة وحماية البيئة – رنا عمار سعيد

أصبحت قضايا الاستدامة وحماية البيئة اليوم جزءًا أصيلًا من المنظومة القانونية في مختلف دول العالم حيث لم يعد التعامل مع الموارد الطبيعية والأنظمة البيئية مجرد مسؤولية أخلاقية أو التزامًا اجتماعيًا، بل غدت واجبًا قانونيًا تفرضه التشريعات الوطنية وتدعمه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتكرّس القوانين مبدأ الاستخدام الرشيد للموارد وضرورة الحد من أنماط الاستهلاك المفرط التي تُلحق ضررًا جسيمًا بالبيئة وتهدد حقوق الأجيال القادمة استنادًا إلى قاعدة قانونية راسخة وهي “لا ضرر ولا ضرار”، التي تُلزم الأفراد والمؤسسات بالامتناع عن أي سلوك يُسبب أذى للمصلحة العامة أو يُخلّ بالتوازن البيئي وقد شرعت الدول في إصدار قوانين ولوائح تُقيّد استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد وتُلزم المنشآت الصناعية باعتماد تقنيات الإنتاج الأنظف ومعالجة النفايات والحد من الانبعاثات الضارة بما يُعزز من حماية البيئة ويحقق متطلبات التنمية المستدامة كما تبنّت التشريعات مبدأ “المسؤولية الممتدة للمنتج” الذي يُحمّل المنتجين قانونيًا مسؤولية إدارة منتجاتهم حتى نهاية دورة استخدامها وهو ما يدفع نحو الابتكار في التصنيع المستدام والحد من تراكم النفايات إضافة إلى ذلك لجأت العديد من الدول إلى فرض رسوم وضرائب بيئية على الأنشطة التي تُلحق ضررًا بالبيئة مثل استهلاك الوقود الأحفوري أو التوسع العمراني غير المخطط، وذلك بهدف تحفيز الأفراد والقطاعات المختلفة على تبنّي خيارات أكثر استدامة. وعلى المستوى الدولي شكّلت اتفاقيات مثل اتفاقية باريس للمناخ وأجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة أطرًا قانونية ملزمة للدول الموقعة بضرورة صياغة سياسات وطنية واضحة لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة مع ضمان تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية في استغلال الموارد الطبيعية والواجبات القانونية تجاه البيئة والمجتمع وقد تطور هذا الاتجاه ليُكرّس الحق في بيئة سليمة وآمنة كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، مكفولًا في العديد من الدساتير والقوانين الوطنية باعتباره ركيزة لتحقيق العدالة البيئية بين الحاضر والمستقبل وهو ما يستوجب على الأفراد والمؤسسات مراجعة سلوكياتهم الاستهلاكية والالتزام بالممارسات المستدامة انسجامًا مع هذه المنظومة القانونية المتكاملة حفاظًا على كوكب الأرض وحقوق الأجيال القادمة وفي المحصلة تُعد حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة التزامًا قانونيًا جامعًا لا يقف عند حدود النصوص النظرية بل يمتد إلى سلوك الأفراد والمجتمعات والدول كافة باعتباره أحد مرتكزات العدالة البيئية وركيزة أساسية من ركائز حماية حقوق الإنسان وقد كرّست التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية هذا المبدأ لتؤكد أن استنزاف الموارد الطبيعية أو الإضرار بالأنظمة البيئية ليس مجرد خيار أو تجاوز يمكن التغاضي عنه بل هو فعل مُجرّم قانونًا تترتب عليه مسؤوليات مباشرة وجزاءات محددة كما رسّخت القوانين مبدأ “الوقاية أولًا” الذي يُحمّل الجميع أفرادًا ومؤسسات مسؤولية اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الضرر البيئي قبل وقوعه إعمالًا للقاعدة القانونية الراسخة “درء المفاسد مقدم على جلب المنافع” ومن هنا فإن بناء مستقبل آمن ومستدام لن يتحقق إلا من خلال الالتزام الجاد بأحكام القانون واعتبار البيئة إرثًا مشتركًا لا يجوز التفريط فيه أو الإضرار به تحت أي ذريعة لتبقى الأرض صالحة للحياة حافظةً لحقوق الأجيال القادمة كما حفظت لنا حقوق من سبقنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!