
اكاديميات كرة القدم في العراق.. بوابة المجد أم طريق المعاناة؟
قيس الحمداني
في ظل التطور العالمي لكرة القدم، أصبحت الأكاديميات الرياضية عاملًا جوهريًا في صناعة المواهب، حيث توفر بيئة تدريبية متكاملة تساعد اللاعبين الناشئين على صقل مهاراتهم الفنية والبدنية والذهنية. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل الأكاديميات في العراق تؤدي دورها الفعلي في تحقيق الحلم الرياضي، أم أنها مجرد محطات تعاني من تحديات تؤثر على مسيرة اللاعبين والمدربين وأولياء الأمور؟
هل مشاريع الاتحاد العراقي تلبي الطموحات؟
لمواكبة احتياجات المواهب، أطلق الاتحاد العراقي لكرة القدم (مراكز الموهبة ومشروع الحلم الكروي)، بهدف تطوير اللاعبين الناشئين وتأهيلهم للاحتراف. ورغم أن هذه المشاريع تُعتبر خطوة إيجابية، إلا أن العديد من المختصين يرون أنها لا تزال بحاجة إلى استراتيجيات أوضح لضمان الاستدامة، خصوصًا فيما يتعلق بتأهيل المدربين، تحسين البنية التحتية، وتقديم دعم مادي متكامل للعائلات، وهو ما يشكل محورًا أساسيًا لضمان نجاح الأكاديميات.
واقع الأكاديميات الرياضية.. التحديات الكبرى
رغم الأهداف الكبيرة التي تحملها الأكاديميات، إلا أنها تواجه صعوبات تعيق تحقيق الاستفادة المثلى منها. فالملاعب غير القانونية، نقص التجهيزات، ضعف الرواتب المقدمة للمدربين، وقلة الدعم المؤسسي، جميعها عوامل تحدّ من قدرة الأكاديميات على توفير بيئة رياضية تنافسية.
إلى جانب هذه التحديات، يعاني مسؤولو الأكاديميات من عقبات إضافية، أبرزها الإيجارات المرتفعة للملاعب، وضيق الوقت الممنوح للأكاديمية من قبل الجهات المالكة للملاعب، مما يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ المناهج التدريبية التي يحتاجها اللاعبون. كما أن غياب الدعم الحكومي لتوفير ملاعب خاصة بالأكاديميات يضاعف من الأعباء المالية، مما يجعل إدارة الأكاديميات أمرًا بالغ الصعوبة، ويحد من إمكانية استقطاب مواهب جديدة وتطويرها وفق برامج احترافية.
هذه التحديات تنعكس بشكل مباشر على المدربين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للعمل ضمن ظروف غير مثالية، مما يؤثر على جودة التدريب وكفاءة تطوير اللاعبين الناشئين.
الكابتن صفاء محمد كريم، مدرب الفئات العمرية في نادي الكرمة، يقول:
اللاعب الناشئ يحتاج إلى مدرب متخصص يفهم طبيعة الفئات العمرية الصغيرة، إلى جانب نظام تدريبي متكامل يشمل اللياقة، التغذية والانضباط، لكن الأكاديميات تفتقر إلى وسائل الدعم الأساسية، حتى النقل من المنزل إلى الأكاديمية يُعد تحديًا يؤثر على استمرارية اللاعبين.”
التحديات المالية وتأثيرها على المواهب
إلى جانب العقبات الرياضية، تأتي التحديات المالية لتشكّل حاجزًا كبيرًا أمام العديد من الأسر، إذ يواجه أولياء الأمور صعوبة في تغطية تكاليف التدريب والنقل والمعدات اللازمة لتطوير اللاعبين.
الأستاذ حيدر، ولي اللاعب برير حيدر، يوضح:
“يجب أن تكون رسوم الاشتراك الشهري ميسّرة حتى يتمكن اللاعبون من دخول الأكاديميات دون أن يشكل ذلك عبئًا ماليًا ثقيلًا على العائلات، خاصة أن الكثير من الأسر لا تستطيع تحمل المصاريف المرتفعة. الاتحاد العراقي مطالب بإنشاء مدارس رياضية تدعم الفئات العمرية المختلفة لضمان تطوير المواهب.”*
لكن التحديات لا تقتصر فقط على التكاليف المالية، فغياب الرعاية الحقيقية للمواهب يثير مخاوف العائلات التي ترى في أبنائها مستقبلًا واعدًا.
السيد عامر، والد اللاعب كاظم، يعبّر عن قلقه قائلًا:
“ابني موهوب، لكنني أخشى أن تضيع موهبته بسبب عدم وجود رعاية حقيقية للمواهب. هناك الكثير من اللاعبين الموهوبين الذين يحتاجون إلى دعم وتوجيه، لكن غياب البرامج الفعالة يجعلنا نتساءل إن كان أبناؤنا سيحصلون على فرصة حقيقية لإثبات قدراتهم.
التوازن بين الدراسة والتدريب.. معاناة مستمرة
إلى جانب الضغوط المالية، يواجه اللاعب الناشئ تحديًا آخر يتمثل في التوفيق بين الدراسة الأكاديمية والتدريب الرياضي، الأمر الذي يزيد من الضغط على الأسر التي تسعى لتحقيق توازن يضمن نجاح أبنائهم رياضيًا وأكاديميًا.
الأستاذ فراس، والد اللاعب علي، يقول:
“غياب التنسيق بين الأكاديميات والمدارس يزيد العبء على الأسر، فلا توجد جداول مرنة تُراعي احتياجات الطلاب الرياضيين، مما يجعل الآباء أمام خيار صعب: هل يركزون على مستقبل أبنائهم الدراسي أم يدعمون حلمهم الرياضي؟ هناك حاجة ملحّة لتعاون أكبر بين الجهات التعليمية والأكاديميات الرياضية.”
ضوابط إنشاء الأكاديميات.. الحاجة إلى مرجعية واضحة
في ظل التحديات التي تواجه الأكاديميات، يرى المختصون ضرورة وجود ضوابط رسمية تضمن جودة المدارس الكروية وتحديد معايير واضحة لإنشائها.
الكابتن كريم العراقي، مدير مدرسة جمولي الكروية، يشدد على هذه النقطة قائلاً:
الأهم في الموضوع وجود مرجعية رسمية تُحدد ضوابط إنشاء المدارس والأكاديميات، وأهمها الخبرة والسمعة الطيبة للمدربين والإدارة. يجب على الأهالي اختيار المكان المناسب لأولادهم والتأكد من سمعة وأخلاق المدربين، كما أن تنظيم دوريات مناطقية يُمكن أن يساعد الفئات العمرية في إبراز مواهبهم وزيادة فرصهم في الاحتراف.”
نحو تطوير مستدام للأكاديميات الرياضية
إن تطوير الأكاديميات الرياضية في العراق يتطلب تحسين البنية التحتية، توفير منشآت تدريبية مناسبة، وعقد شراكات دولية لنقل الخبرات، إضافة إلى تطوير المناهج التدريبية ودعم اللاعبين الموهوبين. والاستفادة من تجربة الدول الرائدة مثل (بريطانيا، ألمانيا، اليابان، وأمريكا) التي أثبتت أن الاستثمار في الأكاديميات هو المفتاح لصناعة نجوم كرة القدم القادرين على المنافسة عالميًا.
ختامًا
ما بين الحلم والمعاناة، تبقى الأكاديميات الرياضية في العراق بحاجة إلى إصلاحات جذرية، تضمن بيئة مناسبة لصناعة المواهب، بعيدًا عن العراقيل التي تعيق تقدم اللاعبين نحو الاحتراف. وفي ظل الجهود المبذولة، يبقى مستقبل كرة القدم العراقية مرهونًا بمدى قدرة الاتحاد على تحويل الأحلام إلى واقع ملموس.