آراء متنوعة

اتحاد القبائل العربية بمصر

اتحاد القبائل العربية بمصر

الخوف من تحول القبيلة إلى قنبلة لا ينطبق على مصر التي تغلبت على ذلك عندما جعلت القبيلة تابعة للدولة منذ زمن واتحاد القبائل العربية كيان رمزي لدوافع محددة لن يتجاوزها.

أجهزة أمنية قوية بما يكفي لفرض الاستقرار
حظي الإعلان عن اتحاد القبائل العربية أخيرا بنقاشات عديدة، داخل مصر وخارجها، ووصلت المبالغة حدّ الوصف بأنه كيان مواز للدولة، وسوف يخصم من رصيد الجيش المصري الذي تقع على عاتقه حماية الأمن القومي وفقا للدستور، وزاد البعض في تقديرهم بأن هذا الاتحاد سوف يعيد تكرار نماذج في ليبيا والسودان عندما أصبحت سلطة القبيلة فوق سلطة الدولة.

قد يكون المتابع العربي لاحظ هذه النوعية من التوصيفات الصادمة وما تنطوي عليه من أبعاد خطيرة، فاعتقد أن مصر التي تلعب فيها القبيلة دورا محدودا عادت خطوات إلى الوراء، ولا يعرف هؤلاء أن معظم القبائل في مصر تستمد قوتها من التصاقها بالدولة، وليس العكس، دون النظر إلى توجهات النظام الحاكم، فلا تزال مقاعد البرلمان وبعض الوظائف الحكومية توّرث في الأسرة أو العائلة الواحدة ليس لأنها قوية أو صاحبة نفوذ يُخشى منه، لكن من منطلق علاقتها الوطيدة بأجهزة الدولة التي تتحكم في المنْح والمنْع.

توجد في مصر قبائل عريقة لم يُعرف أنها تحدت الدولة أو نازعتها سلطتها، فالمساحة التي تتحرك فيها القبيلة بدأت تتآكل، بحكم العصرنة وانتشار الثقافة وغزو الجامعات والتعليم وما يصطحب ذلك من تغيرات في الأفكار، ولم تكن القبيلة جزءا من أسلحة الدولة إلا في حالات نادرة تتعلق بالمصالحات وفض المنازعات الأسرية، وبالتالي يصعب تضخيم دورها بالشكل الذي يمكنها من أن تعلو فتخطب الدولة ودّها، أو تسعى إلى استرضائها إلا في حالات معينة.

◄ المستوى القبلي في بعض المناطق المصرية غير خالص، فالمصاهرات من خارج القبيلة زادت بما أدى إلى تغيّر في جوانب مختلفة من بنيانها المتعارف عليه

خرج اتحاد القبائل العربية فجأة قبل أيام في خضم أجواء تخيّم عليها ملابسات الحرب الإ*سر*ائي*لية على قطاع غ*ز*ة، ما جعل قيمته تنصبّ على المساهمة في مكافحة توطين الغزيين بسيناء، والتي تضم مركز الاتحاد، وفيها أحد قواعده الرئيسية (اتحاد قبائل سيناء) الذي تأسس منذ فترة لدواع اجتماعية وأمنية، وعلى علاقة جيدة بأجهزة الدولة، وأسهم بدور معتبر في الفترة التي خاض فيها الجيش معركة حاسمة ضد المتطرفين والجماعات الار*ها*بية.

يضم الاتحاد قبائل من مرسى مطروح والوادي الجديد وجنوب مصر، ما يعني أن تركيبة القبائل موزعة جغرافيا، ولا توجد في إقليم أو منطقة محددة، ما يجعل من المستحيل القول إنها تمثل خطرا كبيرا على الدولة إذا تضخمت قوتها المادية والمعنوية، ناهيك عن أن امتلاك السلاح في مصر يخضع لعملية دقيقة ووفقا لمعايير القانون، ويصعب اختراق القواعد المنظمة له.

تشبيه الأمر بما يجري في دول أخرى مليئة بصراعات يحمل مغالطتين، الأولى: أن الأجهزة الأمنية في مصر قوية بما يكفي ونجحت في توفير درجة عالية من الاستقرار بعد أن خاضت معارك ضارية السنوات الماضية، ما يشير إلى عدم حاجتها إلى قوة جديدة أو رافعة موازية، وعلى العكس القبائل هي التي تحتاج إلى أجهزة الأمن، فغير مسموح بحمل السلاح بلا موافقتها.

والمغالطة الثانية: التعامل مع القبائل العربية على أن لها طموحات مناطقية، فمعظم من ينتمون إلى هذه القبائل سكنوا مدنا عدة، في مقدمتها القاهرة، وقذفوا خلفهم نعراتهم وتخلوا عن صفات البداوة الملتصقة بالقبيلة واكتسبوا صفات المدن الجديدة، ولم تعد الصورة الذهنية للقبيلة في مصر تلك الكامنة في العصبية والاحتماء بها.

باتت قبيلة المال أهم من قبيلة الدم في مصر، حيث اتسعت ظاهرة النسب بين العائلات وما تحمله من مكاسب اقتصادية، فهناك عائلات تشكلت أقوى في نفوذها من القبائل، مثل عائلة منصور، والسلاب، وطلعت مصطفى، وغبور، وساويرس، وغيرها.

الملاحظ أن شكل القبيلة الجديدة في مصر لا يقتصر على المسلمين، فهناك عائلات أشبه بالقبائل العربية قوامها كله من المسيحيين، وطرأت على هذا المحدد تغيرات أوجدت علاقات وتحالفات اقتصادية بين مسلمين ومسيحيين، ولهؤلاء وهؤلاء نفوذ أقوى من القبيلة بمفهومها التقليدي لما يملكانه من مال وتأثير في مفاصل الحياة الاجتماعية، وهو ما يمثل القوة الحقيقية في مصر.

أدت طريقة الإعلان عن اتحاد القبائل العربية إلى إثارة الكثير من اللغط، بدءا من اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسيا شرفيا له، وهو في الوقت ذاته رئيس لكل المصريين، وحتى قصره على صفة العروبة في مسمّاه، بينما هناك أكثر من عشرة ملايين مسيحي في مصر يعتزون بانتمائهم القبطي، ما يوجد تفرقة متعسفة في وقت ترفع فيه الدولة شعار المواطنة للجميع.

علاوة على أن كل المصريين، ما دون المسيحيين، يظنون أن أصولهم عربية وإن لم تكن كذلك فعلا، فالالتصاق بالعرب نوع من الفخر، ويحمل إيحاءات بالجذور الأصيلة، وتمسحا ضمنيا بنسل النبي محمد، وهو ما يمكن أن يظهر على السطح الفترة المقبلة إذا تم النفخ في اتحاد القبائل العربية وتصويره من قبل البعض على أنه وجه آخر للدولة.

◄ مقاعد البرلمان وبعض الوظائف الحكومية لا تزال توّرث في الأسرة أو العائلة الواحدة ليس لأنها قوية أو صاحبة نفوذ يُخشى منه، لكن من منطلق علاقتها الوطيدة بأجهزة الدولة

فتح تشكيل الاتحاد جروحا كادت تندمل في مصر، حيث تآكل جزئيا دور القبيلة ولم تعد لها سلطة الأمر والنهي على أبنائها في مناطق عدة، وانقلب الهرم الاجتماعي ودخلت عليه تحولات لم تجعله بالشكل السابق الذي كانت فيه كلمة زعيم القبيلة مسموعة لدى كبيرها وصغيرها، ولم يتبق من بعض القبائل سوى قيمتها المعنوية، نتيجة تغيرات عديدة طرأت على المجتمع المحلي.

ليس من الصواب تضخيم اتحاد القبائل العربية بما يؤدي إلى اختلاق حساسيات بين المنتمين إليه وغيرهم، لأن المسمى مطاط ولن يقتصر على القبائل المتماسكة في سيناء ومطروح وجنوب مصر، فهناك قبائل اندثرت أو كادت، وقد يجد البعض من أبنائها في هذا الكيان للتشكيك فيه، ويقوم آخرون بتقليده، لأن المستوى القبلي في بعض المناطق المصرية غير خالص، فالمصاهرات من خارج القبيلة زادت بما أدى إلى تغيّر في جوانب مختلفة من بنيانها المتعارف عليه، وتسبب الاختلاط بين قبائل كبيرة أخرى صغيرة أو مجتمعات محلية غير قبلية في زيادة الانصهار وذوبان البعد القبلي المتعارف عليه.

أخطأ من استدعوا أسماء زعماء قبائل تحولوا إلى قادة ميليشيات في دول مجاورة لتصوير الأمر على أن مصر قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في هذا الفخ، فقد تناسى هؤلاء النسيج العام الذي استوعب على مدار التاريخ جماعات بشرية من دول مختلفة في مصر.

ومع أن القبيلة حافظت على جزء من مكوناتها في الأطراف، سيناء ومطروح، غير أنها تراجعت وربما تلاشت مظاهرها السلبية في القلب، فالخوف من تحول القبيلة إلى قنبلة لا ينطبق على مصر التي تغلبت على ذلك عندما جعلتها تابعة للدولة منذ زمن، ومن ثم فاتحاد القبائل العربية كيان رمزي ظهر لدوافع محددة لن يتجاوزها، فالدولة لا تتنازل عن صلاحياتها.

محمد أبوالفضل

كاتب مصري

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!