مقالات دينية

تكريم الثالوث الأقدس لمريم العذراء


وردا اسحاق

 

تكريم الثالوث الأقدس لمريم العذراء

 

تكريم الثالوث الأقدس لمريم العذراء

بقلم/ وردا إسحاق قلّو

كرّمَ الله الآب العذراء مريم على لسان ملاكه بقوله ( السلام عليك يا ممتلئة نعمة ) وهذه النِعَمة هي من محبة الله لها لأنها المختارة  التي ستحمل إبنه الوحيد ، ومن أحشائها تعطيه الجسد ليصبح عَظمً من عظامها ولحمً من لحمها ” الرب معك ” أي سيبقى معها بأستمرار ولا يفارقها ” مباركة أنتِ في النساء ” أي أكرم حتى من حواء قبل الخطيئة ، إنها حواء الثانية التي أعادت للأولى كرامتها ” ) .

الله هو الذي أختار مريم لكي تكون هيكلاً مقدساً يحمل إبنه يسوع ، إنها تابوت العهد الذي يحمل الله المتجسد فتصبح له أُماً ، وهنا لا نقصد أم اللاهوت الذي خلقها ، بل أم يسوع الإنسان الذي هو إله لتصبح أم الله الإنسان . علماً بأن لاهوت المسيح أتحد بناسوت يسوع ليصبح إبن الله وأبن الإنسان معاً في أحشاء مريم .

الله لا يشمل مريم بخطيئة الأبوين منذ أول كيانها في بطن أمها لأنها موجودة في فكر الله ومخططه الخلاصي الذي أعده قبل أن يخلق آدم  ، خلصها بالوقاية لا بالمعاجة وذلك بفضل إبنه المنتظر ، ومن أجل كرامة إبن الله لكي يحل في جسد طاهر يليق به ، ولا يمكن أن يحل في جسدٍ لوّثته الخطيئة . كان هذا الإمتياز لها من لدن الله ، فهو حلقة من حلقات سلسلة الفضائل والإنعامات وعظائم التي منيّ بها الله القدير لها ، لهذا قالت ( القدير صنع بي عظائم ) ” لو 49:1″ ومن إحدى عظائمه حفظها عذراء أثناء الحمل وبعد الولادة وهذا ما وضّحهُ لنا الله على لسان نبيه أشعياء ( ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو اسمه عمانوئيل ) ” أش 14:7″ أي إنها ستبقى عذراء أثناء وبعد الولادة . وهذا ما أكده الرسول متى في ” 22:1 ” . إذاً لفظة ( العذراء ) يعني ديمومة بتوليتها كتكريم لها . كتّمَت مريم هذا السر لأنها لوفاهت به لما صدقها أحد . كما كرمها الله لأنها والدة أبنه ، فعندما زارت مريم نسيبتها أليصابات ، سلمت عليها ، فهتفت أليصابات بأعلى صوتها لتعلن عن ذلك الإكرام بدافع الروح القدس الذي أعلن لها هذه الحقيقة ، فقالت ( مباركة أنت في النساء ! ومباركة ثمرة بطنك ! من أين لي أن تأتيني أمُ ربيّ ؟  فإنه ما إن وقع صوت سلامك في إذني حتى قفز الجنين إبتهاجاً في بطني ) ” لو 1: 43-45 ” .

أما الرب يسوع فقد كرم أمه كثيراً لكي يصبح لنا قدوة لتكريم أبوينا ، ولأنها أحدى وصايا الله العشرة ( إكرم أباك وأمك ) وهناك من يعتقد بأن يسوع كان قاسياً معها في عرس قانا الجليل عندما قالت له ( لقد نفذ خمرهم ) فكان رده ( مالي ولك يا إمرأة لم تأتي ساعتي بعد ؟ ) ” يو 4:2″ . فنقول العذراء هنا لم تطلب من يسوع أن يحل المشكلة ، بل عرضت عليه الخبر ،  ليس إلا . وجواب يسوع لا يعنى به الرفض أو الزجر لأمه كما يظن البعض الذين يريدون الطعن بها  ، فإنه لم يقل ( ما لك ، وما لي يا إمرأة ) فكلامه لا يدل على الإحتقار أو الأزدراء ، لكن هناك كلام ممحي ما بين السطور فعلينا أن نبحث عنه لكي نعلم بأنه في الحقيقة لبى يسوع طلبها في الحال وكرمها عندما نهض لكي يتمم طلبها ، والدليل واضج جداً وهو أن مريم لم تصمت بعد رد يسوع لطلبها ، بل فتحت فمها المبارك لكي تصدر أوامر للخدام بأسم أبنها لأنها تأكدت بأنه قام ليلبي طلبها ، ولم يردها إلى مكانها خائبة . فصاحت وسمع يسوع وجموع العمال صوتها ، فقالت ( مهما يأمركم به فأفعلوه ! وطلبها هذا وصوتها سيستمر إلى يوم القيامة لكي تقول لأبناء كل الأجيال ( أعملوا ما يقوله لكم يسوع في إنجيله المقدس ) .

كان يسوع يعلِم قبل مريم بأن أهل العريس هم بحاجة إلى مساعدة ، لكنه لم يحرك ساكناً لأنه يريد أن يأتي إليه أحد ويطلب منه ليعطيه ، ويسوع لم يرد في كل حياته التبشيرية أحداً طلب منه طلباً إلا وأعطاه .

أما قول يسوع لأمه ( يا إمرأة ) فليس المقصود به الأنتقاص أو عدم الأحترام ، ولنفرض بأنه قال لها يا أمي ، فهذا ليس لصالحنا نحن ، لأنها ستصبح أمه فقط ، لكن عندما كان يخطاطبها في كل المناسبات ( يا إمرأة ) فهذا يعني تكبيرها وتعظيمها وتكريمها كسيدة لكي يجعلها أم لجميع البشر ، وليس أمه فقط . وهذا القصد صار واضحاً عندما قال لها على الصليب ( يا إمرأة هذا هو أبنك ) والمقصود يوحنا الحبيب وبشخص هذا الرسول صارت أماً لجميع المؤمنين به ، أي أم الكنيسة . كما هناك من المتحججين يقولون بأن يسوع نكرها عندما قال للجموع الذين أخبروه بوجودها مع أخوته في الخارج بقوله ( من أمي ومن أخوتي ؟ . لأن من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي ) ” مت 48:12 ” فنقول كان هناك أعتقاد يقول بأن شرف الإنسان قائم بآبائه وأجداده ، أي بحسب نسبه ، فنراه يلفت نظرهم إلى ما هو أفضل من القرابة لخلاص أنفسهم ، وهو إتمام مشيئة الله  وهذا الشرف يوازي شرف قرابة المسيح الدموية ، والدليل هو قوله ( لأن كل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماء وإن هو أخي وأختي وأمي ) ” مت 5:12″ إذاً يسوع لم يحتقر أمه بل كرمها أفضل تكريم لأن كلامه كان مديحاً لها ، لأنها أفضل من أتمت مشيئة الله بقولها الصريح للملاك ( ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك ) . كذلك نطالع رد يسوع على الإمرأة التي مدحت والدته مريم بقولها ( طوبى للبطن الذي حملك وللثدين الذين رضعتهما ) ” لو 11: 28 ” فكان رد الرب لها ( بل طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه ) فهناك من يظن بأن الرب أستخف بأمه حين امتدحتها تلك المرأة ، لكن رد يسوع كان عظيماً حيث رفع تفكير تلك المرأة إلى ما هو أسمى ، أي سماع كلمة الله وحفظه لكي لا تتعجب تلك المرأة بأمهِ من الناحية الجسدية بما يشمل الكرامة الزمنية ، ففلسفة المسيح هي أن شرف القرابة الجسدية مع المسيح محصور في بعض الأفراد فقط بحكم الطبيعة ، اما الشرف الأسمى والأفضل ، اي القرابة الروحانية معه فهو معروض لكل الناس بدون تمييز وبإمكان الجميع أن ينالوا هذا الشرف بسماعهم لكلمة الله والعمل بها ( طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها ) فهو قريب من يسوع . أيضاً هنا تكريم آخر للعذراء لأنها أول من سمع وآمن وحفظ كلام الله وحسب النص الأنجيلي القائل ( وكانت أمه تحفظ ذلك الكلام كله وتفكر به في قلبها ) ” لو 51:2 ” .

ختاماً نقول : بان يسوع قد كرم أمه عند الصليب ولم يتركها لوحدها بل أمّنَ لها من يحفظها ويخدمها بأكرام وهو تلميذه الحبيب يوحنا الذي لم ينكره أبداً بل رافقه في بيت قيافا وعند الصليب ، ويوحنا يعلم بأن مريم هي أم يسوع من الناحية الجسدية والدموية ، ومن الناحية الروحية هي أفضل الناس التي حفظت كلامه وخدمته حتى الموت على الصليب . فلبى يوحنا طلب يسوع لكي تصبح أمه وأم جميع البشر ، لأنها حواء الثانية وتريد من الجميع أن يؤمنوا بأبنها لكي يكون لهم الخلاص . كما علينا تكريمها بالصلاة لها لكي تشفعنا عند أبنها ، أنها أمنا وتسعى إلى خلاصنا .

وليسوع الرب كل المجد

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!